انعقاد الدورة الثانية للمشاورات السياسية الجزائرية-البنغالية    المغرب: حكومة المخزن تنشر الخوف و الهلع و ما تقوم به ينذر بالخطر    جيدو: الجزائر تحتضن مؤتمر الاتحاد الافريقي 2027    رئيس المحكمة الدستورية يعزي في وفاة رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي    هزة أرضية بقوة 5ر3 درجات على سلم ريشتر بولاية البويرة    المجلس الشعبي الوطني: دورة تكوينية للنواب حول موضوع الصفقات العمومية    كرة القدم داخل القاعة: دورة الصحافة تتجدد للعام الرابع تواليا خلال شهر رمضان المقبل    صحة: التأكيد على أهمية التشخيص المبكر للوقاية من داء السرطان    وزير الصحة يؤكد التزام الدولة بالتكفل بمرضى السرطان ويشيد بمجهودات "صيدال" لتوفير الادوية المنتجة محليا    تلمسان: انطلاق البطولة الجهوية الغربية للرماية بالمسدس ما بين مصالح الشرطة    منظمة "أوابك" تتوقع زيادة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال في 2025    سوناطراك وسونلغاز يجريان مشاورات بإيطاليا مع عدة شركات طاقوية عالمية    رياض منصور يدعو مجلس الأمن الدولي لسرعة وقف العدوان الصهيوني في الضفة الغربية    سايحي يجتمع بالنقابة الوطنية لمستخدمي التخدير والإنعاش    الطارف : الأمن يوقف مطلوبين ويكثف جهوده لمكافحة الجريمة    20 منظمة مغربية تعلن الحرب على الفساد    خطوات جديدة نحو التحول الرقمي في الجزائر    الصندوق الوطني للتقاعد يراهن على الرقمنة    عرقاب يثمّن إجراءات الأوبك+    اعتماد خمسة سفراء جدد لدى الجزائر    شنقريحة يتلقّى مكالمة هاتفية    شقيقان يروّجان السموم    الجزائر قطعت خطوات كبيرة    حرب ضد مؤثّري العار والفضائح    بوغالي يبرز دور شركات النقل الوطنية    خطيب الأقصى يشيد بموقف الجزائر    الشعب الفلسطيني يُكنّ للجزائر محبة صادقة خاصة ومن الأعماق    الاستلاب الثقافي والحضاري..!؟    شكرا للجزائر التي أسمعت صوت فلسطين للعالم    بعثة استعلامية لمتابعة ملف العقار الاقتصادي بعنابة    وزير النقل يستمع لانشغالات عمال مؤسّسة الملاحة الجوية    متابعة عملية إيداع ملفات الترشّح لانتخابات مجلس الأمة    حيداوي: "ضرورة تعزيز استخدام اللغة الإنجليزية في الأوساط الشبانية"    وزير الثقافة والفنون يشرف على عرض أحسن المشاريع والأفكار السينمائية الشبابية في مجال الإبداع والاستثمار    منظمات حقوقية مغربية تدعو إلى إسقاط الفساد    جلسات تفكير حول فرص ورهانات التنمية بتندوف    إبراز المخزون الطبيعي لمنطقة "قرباز- صنهاجة"    أنصار ميلان يهاجمون كونسيساو بسبب بن ناصر    هزائم كارثية تزلزل عرش غوارديولا    مدرب غينيا الاستوائية يعترف بتطور مستوى "الخضر"    مسرحية "أسدرفف" تتوج بالعقبان الذهبي    3500 إصابة جديدة بالسرطان بحلول 2034    فترة "الصولد" فرصة اغتنمتها العائلات    "قم ترى" مع سامية شلوفي    فراشات وجماجم تغزو معرض منال لين    قويدري يتسلم مهامه على رأس وزارة الصناعة الصيدلانية : "سنعمل على توطين صناعة الأدوية وتحقيق الأمن الصحي"    رئيس الجمهورية في حوار مع جريدة "لوبينيون":"المناخ مع فرنسا أصبح ساما.. وماكرون ارتكب خطأ فادحًا"    النقابة الوطنية لناشري الكتب تثمن إجراءات الدعم الجديدة لصناعة الكتاب وتسويقه    إمام المسجد النبوي يحذّر من جعل الأولياء والصَّالحين واسطة مع اللَّه    6 ميداليات للجزائر    ما هي فرص التقاء ريال مدريد وبرشلونة؟    الإذاعة الثقافية تبلغ الثلاثين    بداية دفع تكلفة الحج    غريب يستعجل معالجة الملفات الاستثمارية العالقة    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنسيق بين القطاعات هو الكفيل بتنمية المنطقة مع الحفاظ على التراث
نشر في الشعب يوم 22 - 11 - 2015

الكفاءة .. المردودية والنجاعة مقوّمات التسيير الأمثل
تنقلت « الشعب» إلى مدينة جانت، الواقعة في قلب الحظيرة الثقافية للطاسيلي، هذا المعلم الثقافي والحضاري العالمي الممتد على مساحة 138 كيلومتر مربع، التقينا السيد محمد العيد صمّادي، عالم آثار ومحافظ رئيسي للتراث بالحظيرة الثقافية للطاسيلي، والذي يعمل بها منذ سنة 1989.. أطلعنا بحكم تجربته الميدانية الطويلة على كل ما يعوق الاستغلال الأمثل لهذا الكنز التراثي والطبيعي، مركزا على العامل الأهم في نظره، وهو ليس الآثار في حد ذاتها، وإنما الإنسان، فالإنسان في نظره هو من يخلق الثروة والحضارة والتنمية.
«الشعب”: في البداية، هل يمكن أن تحدّثنا في عجالة عن حظيرة الطاسيلي؟
محمد العيد صمادي: الحظيرة الثقافية للطاسيلي، التسمية الجديدة لما عرف سابقا ب«الحظيرة الوطنية للطاسيلي”، وذلك بموجب مرسوم، والسبب في تغيير التسمية يأتي بحكم أن التراث الثقافي يشمل كل جوانب حياة الإنسان بما في ذلك الثقافي والطبيعي، فالتفريق بين الاثنين نظرة تجاوزها الزمن، والتراث الثقافي هو كل المحيط الذي عاش فيه الإنسان، وترك لنا هذه الكنوز الثقافية والحضارية.
الحظيرة من أهم الحظائر في العالم، تأسست سنة 1972، وكانت حظيرة وطنية، لتصنفها اليونسكو كتراث إنساني سنة 1982، وتصنفها منظمة “ماب” البيئية كمحمية طبيعية سنة 1986. وتتربع على مساحة 138 ألف كلم مربع، مقسمة إلى 3 مناطق أساسية، وهي المنطقة الجنوبية، الوسطى، والشمالية وهي منطقة إليزي، وتحتوي على تراث أثري وتاريخي معتبر، وهناك مواقع أثرية لآثار الإنسان ترجع إلى مليونين وخمسمائة ألف سنة وبالضبط في موقع “برج تان كنة”، كما أنها أكبر تمركز للفن الصخري في العالم بآلاف الرسومات والنقوش، المواقع الأثرية تعد بالمئات إن لم نقل الآلاف، إذن فمنطقة الطاسيلي فضاء جغرافي، وفضاء ذاكرة، تاريخ، حضارة وثقافة.. وهذه المنطقة مشابهة لكل الجزائر التي تعتبر متحفا في الهواء الطلق، وكل كيلومتر مربع منها هو خزان للحضارة.
وبالنسبة للجانب العلمي يمكن اعتبار هذه المنطقة مخبرا في مجال دراسة التراث والحضارة، وأيضا كل الموارد الطبيعية، والتنوع البيئي للطاسيلي له أهمية ذات بعد عالمي، حيث نجد 375 صنف نباتي وكل منها له فوائد طبية مؤكدة علميا، وهناك منها ما هو مميز جينيا، مثلا هناك نبتة تعطينا الزهرة والبذرة في مدة 15 يوما فقط، وتصوروا لو استفدنا من هذه الخصائص علميا في المحاصيل الزراعية، ما يمثل فائدة اقتصادية للمنطقة، وإذا كنا ننوي فعلا الاعتماد على مقومات اقتصادية بديلة خارج المحروقات فيجب علينا الالتفات إلى هذه المقومات الطبيعية التي لم نولها أي اهتمام. وفي هذا الإطار فإن الشراكة مع المراكز العالمية ممكنة، ومراكز البحث الجزائرية موجودة، والكفاءات الجزائرية متوفرة، لذا علينا التفكير في مختلف البدائل، و«الطاسيلي” يمكن أن يقدم بدائل معتبرة في مجالات التنمية المستدامة والاكتفاء الغذائي.
وهكذا فإننا انطلقنا من الحديث عن تراث المنطقة إلى الحديث عن قضايا الأمن الغذائي والتماسك الاجتماعي والهوية والتاريخ والشخصية الجزائرية، وهذا دليل على أن هذه المنطقة كنز ما يزال ينتظر الاستغلال الكافي والعقلاني. لحد الآن أطلقنا اسم “طاسيلي” على زيوت سيارات، وفنادق وربما شركات، وحتى اسم “طاسيلي” نستعمله بشكل خاطئ لأنه يكتب بالتاء وليس بالطاء، قد تكون مجرد ملاحظات بسيطة ولكنها تفرز أفكارا عميقة.
قد يفهم الناس من تسمية “حظيرة ثقافية” أنه يمنع العيش أو الاستثمار داخلها.. هل هناك قوانين تمنع مختلف أشكال الاستغلال لمحيط المنطقة؟
شكرا على هذه الملاحظة.. من مميزات هذه الحظيرة أنها آهلة بالسكان، وكانت تغطي مساحة ولاية واحدة وهي إليزي، وولايتين الآن وهما إليزي والولاية المنتدبة للمقاطعة الإدارية لجانت، ومادامت الحظيرة آهلة بالسكان، فهؤلاء هم في حاجة إلى تنمية مثلهم في ذلك مثل سكان باقي مناطق الوطن، ولكن على الجهات القائمة على تسيير هذه الفضاءات الجغرافية بمختلف تخصّصاتها التوفيق بين متطلبات التنمية (وهي حق مشروع) ومتطلبات الحفاظ على هذا التراث والكنز الثقافي في نفس الوقت، وفي رأيي المتواضع فإن الطريقة الذكية للقيام بذلك هي أن لا نعزل التراث عن حياة المجتمع، ونجعل منه عاملا أساسيا في التنمية وقاعدة أساسية لها.
ومن الأمثلة الأحسن في العالم المثال الآسيوي، الذي بنى التنمية على أسس التراث الثقافي والتاريخي للمجتمعات الآسوية. إذن فتراث الطاسيلي يجب أن يكون قاعدة ينطلق منها قطار التنمية في مجال العمران، وتسيير المدينة، واستغلال الموارد، والمقومات الحضارية والأثرية المادية الموجودة، وأن نعطيها قيمة تجارية ببناء صورة حول منطقة الطاسيلي نسوّقها إلى كل دول العالم. وحتى المنتوج السياحي أو ما يعرف ب “وجهة الجزائر” هو منتوج مستورد، لأنه يوضع من طرف مؤسسات سياحية أجنبية، ويباع عن طريق الأنترنت، ولا يقوم الطرف الجزائري إلا بالمناولة، إذن فنسبة الأرباح تذهب إلى هذه المؤسسات في الخارج ولا يستفيد منها المتعامل الجزائري.
فقط لنؤكد على النقطة السابقة: ألا يوجد أي قانون يمنع السكن أو الاستثمار داخل الحظيرة؟
لا يمكن في أي حال من الأحوال المحافظة على التراث بالممنوع، لأنه كما ذكرنا سكان المنطقة في حاجة إلى التنمية وهو حقهم المشروع، لذا فلا قانون يمنع ذلك، ولكن توجد قوانين تضبط كيفية الاستغلال في مجال البناء والأشغال العمومية والفلاحة، ولكن لا يوجد نص صريح يمنع الاستثمار في أي مجال من المجالات أو يعرقل التنمية، القضية قضية قراءة نصوص، وعيبنا يكمن في نقص التنسيق بين مختلف القطاعات، ليس لدينا نظرة شاملة تشترك فيها مختلف القطاعات المتداخلة في هذا الفضاء الجغرافي، فلكل قطاع برامجه الخاصة، وأهدافه ومشاكله الخاصة، ولكن هذه القطاعات لا تلتقي حول طاولة وتضع استراتيجية موّحدة من أجل ضمان التنمية من جهة والتراث الثقافي للمنطقة من جهة أخرى.
تحدّثت عن وضع استراتيجية، وعناصر الاستراتيجية هنا هي الأهداف المتمثلة في التنمية مع الحفاظ على التراث، والسياق العام وهو المنطقة الجغرافية ذات المساحة الشاسعة، فيما تعتبر الإمكانيات العنصر الثالث.. ما هي الإمكانيات الواجب توفيرها للوصول إلى هذا الهدف في إطار السياق المعطى؟
هناك تطور فيما يخص النصوص القانونية والتشريعات المتعلقة بتسيير التراث، وآخرها القانون 04 98 المتعلق بالتراث، لكن الإشكالية تكمن في نقص التنسيق بين القطاعات، التي برامجها تسير ضمن الحالات الاستعجالية.
نحن هنا نتحدث عن التنمية في هذه المناطق ودور الحظيرة في هذه الديناميكية، وحسب النصوص القانونية الموجودة تجعل من الديوان المسير للحظيرة قاطرة التنمية، بل وتجعل من السلطات المحلية (الولاية مثلا) شريكا للحظيرة وليس وصاية، فالديوان هو تحت وصاية الثقافة، والقانون يخوله ليشكل قوة اقتراح لمختلف المتدخلين في تراب الحظيرة. أما بالنسبة للمساحة، فالمناطق الآهلة بالسكان وتمركزهم معروفة، وعددهم بالمقارنة مع المساحة ضئيل جدا، لذا فبإمكاننا السيطرة على الوضع إذا توفر شرط أساسي هو التنسيق. هل يعقل أن تسجل برامج ويقرر قطاع ما إنجازها دون إخطار أو إشراك الديوان المسير للحظيرة الثقافية؟ من الأمثلة على ذلك قطاع البناء، فمنذ أكثر من 20 سنة ونحن نحاول اقتراح نمط عمراني للمنطقة، ونحن نؤكد على ضرورة أخذ ثقافة وتقاليد سكان إليزي بعين الاعتبار، هذه المنطقة صحراوية وتقاليدها معروفة: استقبال الضيف، الحياة اليومية... فهل يحق لقطاع البناء أن ينجز شققا ذات غرفتين مثلا في هذه المنطقة؟ إذن فنحن نحتاج إلى مساحة معينة بالنسبة للمسكن لضمان هذا التوازن الثقافي الذي يضمن للإنسان راحة وتناغما مع ثقافته وتقاليده. وبالنسبة لواجهات البنايات يجب الاتفاق على واجهة عمرانية تمثل المنطقة وتنبثق من ثقافتها العريقة.
أما بالنسبة للعقارات فالأمر المؤكد هو شساعة المنطقة، وفي المقابل نضيق في البناءات، وأهل المنطقة يعيشون 10 أشهر في الهواء الطلق، ولا يميلون إلى صيغة الشقق، وهو أمر لا يؤثر فقط على الفرد بل على المجموعة ككل، لأننا نغير بطريقة مقصودة أو غير مقصودة تقاليدا من آلاف السنين. والاقتراح الذي تقدمنا به يمثل 10 إلى 20 مرة أقل من تكلفة السكنات الحالية، ويتمثل في إعطاء قطع أرض (200 أو 300 متر مربع) مع بناء بعض الغرف والباقي فضاء فارغ ما يسمى محليا “الرحبة”، ونكون بذلك حققنا عدة أهداف في نفس الوقت: تقليص التكلفة، ضمان الحفاظ على الهوية والثقافة، وضمان الحفاظ على التراث الذي لا يكون بالشعارات، لأن هذه الأخيرة تهدد التراث. علينا أن نمّحص ونقيّم كل ما تم إنجازه، والمقاربة المعتمدة للموقع، ونسأل أنفسنا: هل يمكن أن نأتي بمخطط عمراني لأي ولاية من ولايات الوطن وننجزه في إليزي؟ على العكس، أدى ذلك إلى توسع السكان عمرانيا بطريقة عشوائية.
.. وأغتنم هذه الفرصة لأقول إن تراث الطاسيلي في خطر، لأن برامج التنمية تستعمل المصعد الكهربائي، فيما لا تزال إمكانيات الحفاظ على التراث تستعمل الدرج التقليدي.
ما العمل للحفاظ على هذا التراث؟
إن تجربتنا تبقى فتية، لها إيجابيات كثيرة، ولكن لها سلبيات على الرغم من قلتها إلا أن تأثيرها على المجتمع عميق، والطريقة المثلى لتسيير الحظيرة ترتكز على عنصرين أساسيين: الأول هو التطبيق الصارم لقوانين الجمهورية، ولدينا نصوص رائعة في هذا المجال ولكن معظمها لا يطبق بطريقة سليمة، وإذا تم تطبيقها فإن 80 بالمائة من المشاكل ستزول مباشرة. الثاني هو إعادة النظر في تسيير الحظائر، فهل يعقل أن نسير حظيرة ب 138 ألف كلم مربع (أي 4 أو 5 مرات مساحة سويسرا) بمؤسسة ذات طابع إداري، ووسائلها معروفة؟ حتى نكون شركاء في الميدان يجب تدعيم وسائل التدخل الميداني، البشرية منها والمادية، يجب أن نعيد فتح هذا الملف ونضع له الوسائل الضرورية، وهذا يتأتى بالاستماع لرجال الميدان، وأصحاب الخبرة وحتى المتقاعدين، وأنا لا أوصل رسالة تشاؤمية لأن الخبرة والكفاءة والحلول متوفرة.
هناك سؤال أساسي يجب طرحه: ما هي أنماط التنمية الواجب تطبيقها في مثل هذه المناطق الصحراوية؟ فخصوصية هذه الأخيرة تفرض أنماطا تتماشى مع البيئة والمناخ والطبيعة الجغرافية، ولكن ترتكز أساسا على تكوين الإنسان، وإذا نجحنا في الاستغلال الجيد لكل هذه المقومات فيمكن لمنطقة الطاسيلي الارتكاز على عنصرين أساسيين في التنمية هما السياحة والخدمات، والفلاحة. وتاريخيا كانت جانت مكتفية ذاتيا وتصدر محاصيلها الفلاحية للدول والمناطق المجاورة، فالخبرة في استغلال الأراضي موجودة والمياه كذلك.
أما استغلال السياحة والخدمات فيكون بفتح المجال أمام أهل هذا القطاع، من مختصين في السياحة الصحراوية من أبناء المنطقة، وهم موجودون، ويجب الاستماع إليهم لأنهم المعنيون الأوائل بالوضع، ولا نستطيع أن نفرض عليهم أنماط عمل ليسوا مقتنعين بها. صحيح أن السياحة الخارجية مرتبطة بكل ما يحصل في العالم، هذا القطاع هش للغاية، ويتأثر بالنزاعات وغيرها، ولكن يجب من وجهة نظري الارتكاز على السياحة الوطنية، وهذه الأخيرة هي التي ستجلب السياحة الأجنبية، وتشجيع السياحة الوطنية ممكن جدا، ولكن على العديد من القطاعات أن تتدخل وأولها قطاع النقل، خاصة الجوي، وللمنشآت القاعدية دورها، مثلا الطريق الوطني الرابط بين إليزي والشمال أنجز سنة 1994. كما أن أسعار النقل بالطائرة ليست في متناول الجميع، فعائلة متوسطة الدخل من 5 أفراد يلزمها قرابة 150 ألف دينار للنقل فقط. ولكن من مميزات السياحة الصحراوية أنها لا تحتاج إلى فنادق، فالمبيت في الفندق يكون ليلتي الوصول والمغادرة. ونطرح سؤال: لماذا لا يوجد رحلات شارتر؟
يجدر بنا التذكير بأنه لما كانت السياحة منتعشة كان حوالي 80 بالمائة من سكان جانت يعيشون من السياحة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. إذن المقومات موجودة وعناصر النجاح موجودة، ولكن الحلقة الأخيرة التي تجمع بين كل هذه العناصر هي ما ينقصنا، قد نضع استراتيجيات أو مشاريع ولكن يجب أن يتوفر الوضوح في الرؤية كذلك.
بما أن ديوان الحظيرة ينضوي تحت وصاية وزارة الثقافة، ألا تتحمل هذه الأخيرة عبء ضمان هذه الرؤية الواضحة التي تدعو إليها؟
في العشرين سنة الماضية، يمكن القول إن المجهودات المبذولة في قطاع الثقافة معتبرة، من حيث التشريع والتطور الهائل في النصوص، فقطاع الثقافة حصر كل ما هو موجود من تراث مادي في هذه المناطق، وحدد المواقع بحسب هشاشتها، وبقي على القطاعات الأخرى أن تضع اليد في اليد مع قطاع الثقافة للتسيير الأمثل لهذا الفضاء، ولضمان رفاهية الإنسان والمردودية الاقتصادية. يجب أن ندخل مصطلحات مثل الكفاءة، المردودية، النجاعة، في كل تحركاتنا، وإذا لم تتوفر هذه المقومات فهو ليس في مكانه المناسب.
وهنا يأتي دور الأنتلجنسيا والنخبة المثقفة، كالجامعة على سبيل المثال؟
هذا صحيح، بشرط عدم إغفال الثقافة المحلية والاستماع للسكان المحليين، وسأعطي مثالا ملموسا على ذلك: في مدينة جانت كان مشروع تعبيد طريق من حوالي 5 كيلومترات، فجاء شيوخ من المدينة وقالوا للتقنيين إن أول فيضان مع أول أمطار سيتلف الطريق، واقترحوا مسارا آخر يمر على قرية عين أبربر، وبعد زمن قصير حدث بالفعل ما تم التحذير منه، وأتلفت الأمطار الطريق، وأعيد تعبيدها بحسب مقترح هؤلاء الشيوخ، الذين ورثوا هذه المعرفة والإرث الثقافي والحضاري، إرثٌ على النخبة والجامعة أن تأخذه بعين الاعتبار وتثمنه بطريقة علمية موضوعية.
كيف ترى مستقبل حظيرة الطاسيلي؟
أنا متفائل جدا لسبب رئيسي، وهو أنني أرى هذا الجيل من شباب متخرج من الجامعات والمدارس، واهتمام المجتمع المدني والجمعيات.. هناك شباب يهتم بالتراث وإعادة إحيائه، وعلينا أن نستثمر في هذه الديناميكية، ونجعل منها دفعا للبرامج التي تضمن التنمية المحلية. نسبة الوعي تزداد عند الشباب، لذا أنا متفائل، ولكن هذا لا يعني أن المهمة سهلة، فالصعوبات ستتضاعف بما أن ولايتنا فتية وستحتاج إلى منشآت قاعدية وتنمية، وعلينا أن لا نكرر نفس الأخطاء وأن نثمن كل ما هو إيجابي في التجربة الأولى ونبتعد عن كل ما هو سلبي، وأؤكد مرة أخرى على ضرورة التنسيق بين مختلف القطاعات، التي يوجد منها من لديه برامج استعجالية كبناء مقرات وإدارات ومستشفيات وغيرها، وكما هو معروف “عند الاستعجال فإننا نتغاضى عن المعايير”، ونبقى بذلك في المؤقت الذي يدوم، ونكرر الأخطاء التي نحن في غنى عنها. علينا كجزائريين أن نتعلم كيف نصنع أشياءً من لا شيء، فبلادنا حباها الله بثروات وموارد طبيعية هائلة، وثروتها الأساسية هو شعبها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.