تعتبر أراضي ولاية تيارت من أخصب الأراضي ألفلاحي بالغرب الجزائري، ولذلك تمّ تسخير جميع الموارد من اجل استغلال مساحات معتبرة منها لتلبية حاجيات الفلاحين، ومن بين السدود التي يعوّل عليها في النهوض بالفلاحة سد الدحموني، والذي يتّسع لقرابة 10 ملايين متر مكعب. أما ثاني مخزون مائي فهو سد بن خدة والذي يعتبر أقدم سد، ويعود إنشاؤه الى الحقبة الاستعمارية ويزود مدينة تيارت وما جاورها بمياه الشرب، سد بوقارة الذي زاره وزير الموارد المائية مؤخرا اعتبره مستقبل الفلاحة بالمنطقة لما يتميز به من موقع استراتيجي وشساعة وقربه من الاراضي الفلاحية. ولاية تيارت كذلك تمتلك 17 حاجزا مائيا من الحجمين المتوسط والكبير، وهي مواقع يستغلها الفلاحون في سقي الاراضي الفلاحية و شرب المواشي لكون تواجدها في البراري والمناطق التي يقصدها الموالون صيفا وشتاء، غير أن المشكل يتمثل في بعد السدود المذكورة عن الاراضي المخصصة للفلاحة مما اثر سلبا على السقي، وأبعد فكرة السقي عن أذهان الفلاحين والمهتمين بالشأن الفلاحي. وفكرة السقي الفلاحي ولاسيما منتوجات الحبوب كالقمح والشعير لا وجود لها في قاموس بعض الفلاحين، إن لم نقل جلهم بولاية تيارت، لكون السقي مرتكز على انتاج وسقي الخضر، حتى البقوليات التي كانت تنتج بكثرة في سبعينيات القرن الماضي اندثرت تماما بعد هيكلة ما كان يسمى بالتسيير الذاتي بعد إقرار الثورة الزراعية. وتبقى مساحة 7 آلاف هكتار مخصصة للسقي من طرف ملاك الاراضي الفلاحية من أصل 640 الف هكتار المحروثة هذا الموسم حسب الاحصائيات، وذلك من إجمالي 705 ألف هكتار وهي أراضي خصبة وتحسب على الفلاحين. رغم اللقاءات التحسيسية والندوات التي تخصصها مديرية المصالح الفلاحية للرفع من ثقافة السقي المحوري والسقي التقليدي المهم استعمال السقي، وعدم انتظار ما تجود به السماء فقط، إلا أن ثقافة السقي لم ترسخ لدى فلاحي تيارت ولا سيما الجهة الجنوبية التي تزخر باراضي خصبة مخصصة لانتاج الحبوب بشتى انواعها ولا سيما القمج بنوعيه الصلب واللين والشعير، مما ادى بتجار الفلاحة من ولايات المجاورة كمعسكر ومستغانم إلى كراء هذه الاراضي واستغلالها في انتاج الخضر، مما أدى إلى الافراط في استعمال المياه الجوفية، ومن ثم تناقصها لكون تجار الفلاحة كما يصطلح عليهم همهم الوحيد الربح الوفير ومغادرة الاراضي بعد أن تشح مياه الابار التي يفرطون في استعمال مياهها. للإشارة وحسب إحصائيات تقريبية، فإن عدد الآبار المحصاة لدى الجهات المعنية تشير إلى أن عددها يقارب ثلاثة آلاف بئر من أصل 1500 عبر تراب الولاية، معظمها مسخر للشرب لدى الخواص بمساكنهم من أصل الالف الغير محصاة لكون اصحابها يحفرونها بعيدا عن اعين السلطات رغم حظر الحفر إلا برخصة من والي الولاية السابق، ولا سيما عن طريق آلة الحفر بما يسمى “بالدقاقة” لكونها تؤثر سلبا على المياه الجوفية، وتؤدي إلى تناثرها وتشتيتها حسب الخبراء. وغالبا ما يكون ملاك هذا النوع من الحفارة سوريون، وقد تم حجز العشرات منها خلال السنوات الاخيرة، ونشير إلى أن والي ولاية تيارت السابق قد منع انتاج اليقطينيات كالبطيخ والشمام في المناطق الجنوبية بسبب استنزاف المياه الجوفية مقارنة مع تجارة اليقطنيات وأرباحها. ورغم شح السماء منذ بداية السنة، غير أن الفلاحين لا يزالوا يأملون في تساقطات مطرية خلال الأيام أو الأسابيع القادمة لكونالمنطقة باردة وتستطيع الاراضي الفلاحية احتمال الجفاف لشهر كامل من تاريخ اليوم حسب المختصين في المجال الفلاحي، وحسب الفلاحين كبار السن الذي ألفوا ذلك عن طريق التجربة. وقد باشرت مديرية المصالح الفلاحية بالتنسيق مع الخواص والمهندسين الفلاحين في مباشرة حملة مكافحة الأعشاب الضارة والفطريات التي تتنامى في هذه الأيام، وتنمو بسبب عدم تساقط الأمطار التي تقضي عليها. ورغم الدعم الفلاحي الذي سخرته الدولة للنهوض بالفلاحة، إلا أن نسبة معتبرة لم تتحصل على هذا الدعم حسب فلاحي الجهة الجنوبية للولاية، باستثناء بلدية سيدي عبد الرحمان التي اصبحت رائدة في السقي الفلاحي كون نسبة كبيرة من فلاحيها تحصلوا على الدعم الفلاحي، وباتت المنطقة محجا لتجار الجملة للخضر والفواكه من ولايات البليدة وعين الدفلى ووهران وبشار وسعيدة، وغيرها من الولايات. وقد استفاد شباب المنطقة من حصة معتبرة من الاراضي الفلاحية والمقدرة بعشرة هكتارات للشاب الواحد، مما ادى الى انتعاش الفلاحة والقضاء على البطالة بنسبة كبيرة ببلدية سيدي عبد الرحمان على مخرج ولايتي البيض وسعيدة. منطقة الرشايقة في الجهة الغربية للولاية هي الاخرى أصبحت قطبا فلاحيا بامتياز بسبب توجه الشباب الى القطاع الفلاحي ورغم صغر البلدية، إلا أنها أصبحت معروفة للجميع بسبب زياراتها المتكررة من طرف المسؤولين على قطاع الفلاحة، وكذلك بسبب الشاحنات التي اصبحت تسبب طابورات للظفر بشحن لمادتي البطاطا والبصل حتى أصبحت تجارتهما على قارعة الطريق تعيق السير، وبات شبان المنطقة يسمون بملاك سيارة الطومبا في إشارة الى سيارة طويوطا النفعية. يبقى بعض السدود والحواجز المائية عن الاراضي الفلاحية لسقيها عائقا أمام العديد من الفلاحين، كون جلب المياه بالوسائل الخاصة يتطلب اموالا باهضة، وبالنقيض فهناك سدود كسدي مدريسة بمنطقة طافراة رغم قربها عن الاراضي الفلاحية غير أنها غير مستغلة وتبقى المياه تسخر لسقي بعض الهكتارات وللمواشي التي تتميز بها منطقة مدريسة ودواويرها، ويعود ذلك لعدم برمجة دورات تحسيسية لفائدة فلاحي المنطقة، الذين استفادوا من الدعم المادي للرفع من الانتاج الفلاحي وعدم ادراك ثقافة السقي المحوري والتقليدي لكونها تساهم في المحافظة على المياه، ولا سيما في أوقات الجفاف وتسهيلا للعملية الفلاحية برمّتها.