يعاني قطاع الفلاحة في ولاية سكيكدة من نقص فادح في المياه المخصصة للسقي، وتحتاج الولاية الي خطة جذرية ومتكاملة لمواجهة هذا النقص، ولا تحصي في الوقت سوي ثلاثة عشر ألف هكتار من الاراضي الصالحة والمسقية، فيما تتعدي المساحات القابلة للسقي والمحتاجة للمياه ازيد من مائة وثلاثين ألف هكتار. وتصنف سكيكدة من بين الولايات المتأخرة جدا في مجال استعمال المياه في أغراض الفلاحة التي مازالت تعتمد علي الطرق البدائية والتقليدية غير المجدية، والتي أثبتت محدوديتها في تحصيل إنتاج نوعي وكمي يواكب الحاجيات الغدائية المتصاعدة من سنة لأخرى. استنادا للإحصائيات التي تقدمها المصالح التقنية، فإن نسبة واحد في المائة فقط من الأراضي الصالحة مسقية، في حين أن الباقي إما تتم زراعته بالأساليب المعروفة أو يترك بورا إلى حين تدبير وسائل استغلاله إن كان هناك موسم ماطر ومنتظم من حيث التهاطل الشهري والسنوي. وإذا كانت أنظمة السقي المتبعة والمنجزة علي الارض قليلة ومحدودة، فإن استغلال المياه الموجهة للري عن طريق الحواجز المائية ضعيفة ومحدودة هي الأخرى، من ذلك أن الولاية لا تتوفر في الوقت الحاضر سوى على سبعة عشر حاجزا مائيا صغيرا، وأغلب هذه الحواجز أقيمت زمن الثمانينيات وبعضها يتعرض لمشاكل طمي. وهناك حواجز أخرى مقامة في أماكن صعبة لا تقدم الخدمات الضرورية للمزارعين إلا بنسب ضعيفة. والمعروف أن ولاية سكيكدة تمتلك وضعية جيوفيزيائية صعبة، حيث تكثر فيها السلاسل الجبلية والمرتفعات التي تقابلها المنحدرات، لاسيما في المناطق الزراعية المهمة في الجهتين الوسطي والغربية. محيطات سهل الصفصاف وبكوش لخضر لم تحقق النتائج المسطرة لحد الآن، فإن تجربة المحيطات المسقية التي انطلقت في أوائل التسعينيات في كل من سهل الصفصاف وسهل بكوش لخضر، لم تحقق هي الاخري النتائج المسطرة لها وتعترضها مشاكل تقنية وتنظيمية جمة تستدعي إعادة التدخل المركزي لإعادة الامور الي حالتها العادية، بدلا من الاستمرار في محاولات لن يكتب لها النجاح المضمون. ومازالت المحيطات الفلاحية الشاسعة في كل من بني ولبان وأم الطوب وسهول الصفصاف وزيت العنبة وسهول مجاز الدشيش وسيدي مزغيش والحروش، تنتظر التفاتة من السلطات ومن القطاع على المستويين الولائي والمركزي لبرمجة مشاريع جديدة تدخلها ضمن الفضاءات المستفيدة من الري الفلاحي، الذي بات حلم جميع المزارعين الصغار والكبار معا وأملا طال انتظاره. وأمام شح الإمدادات الشهرية من مياه السقي، يضطر الفلاحون في عدة بلديات للاستعانة بمياه الأودية إلا أن هذه الأخيرة لا تعد مصادر مضمونة، إذ تكتنفها مخاطر حقيقية جراء تلوثها بالمياه القدرة وأحيانا بمواد كيميائية خطيرة ترمى في الأودية وتتحول الي مصدر قاتل للمزروعات، إضافة إلي خطره على الصحة العامة كون هذه الأودية بعيدة عن المناطق الفلاحية ويتطلب جلب مياهها استخدام شبكات طولية معقدة ومكلفة. 4 سدود كبرى غير عملية وأخرى تنتظر الإنجاز وتمتلك سكيكدة ميزة خاصة تنفرد بها عن باقي ولايات الوطن الأخرى، أربعة سدود كبري هي سد زردازة بالحروش بسبعة عشر الف هكتومتر مكعب والقنيطرة بمائة وعشرين الف هكتومتر مكعب، وبني زيد بأربعين ألف هكتومتر مكعب، وزيت العنبة ببكوش لخضر بمائة وستة عشر هكتومتر مكعب. وهناك سدود جديدة مقترحة للإنجاز في كل من رمضان جمال وبوشطاطة وواد الزهور. ولكن الحديث عن مساهمتها في تزويد الفلاحين بمياه السقي سابق لأوانه، لأنها لم تدخل بعد مرحلة الانجاز الفعلي ولا يمكن وضعها في تعداد السدود العملية. وأفاد مسؤول في قطاع الري بالولاية أن سكيكدة تأتي في مقدمة مناطق البلاد في ما يتعلق بالقدرات المائية الجوفية وذات إمكانيات وقدرات ضخمة، إذ تتوفر علي ثمانية وسبعين هكتومتر مكعب تمثل مخزون المياه الجوفية لاودية الوادي الكبير ووادي الصفصاف والوادي القبلي وواد بيبي وواد فلفلة وواد فندق وواد الزرامنة وواد بلدية واد الزهور، كما توجد ماعدي ثمانية وعشرين بئرا مازالت تشتغل بطرق متذبذبة. محطة تحلية مياه البحر.. العين التي ينظر إليها الجميع ولم يغير الوضع شيئا في مسار تدعيم القطاع الفلاحي بالمياه الموجهة للسقي، رغم إنجاز محطة لتحلية مياه البحر التي تعتبر العين التي ينظر إليها الجميع تقدم يوميا كمية تقدر بمائة ألف متر مكعب من المياه الصالحة، وما تزال حاجيات الفلاحة من المياه غير ملبية بنسبة تصل إلى خمسة وتسعين في المائة في إجمالها، وهو مؤشر يتناقض تماما مع مقدرات الولاية ومع إمكانياتها الجغرافية والاقتصادية والجيوفيزيائية، حسب مختصين في الفلاحة والري. وعلاوة علي المصادر المائية الجوفية والسطحية تقع ولاية سكيكدة من بين مناطق البلاد الأولى في نسبة التهاطل السنوي للأمطار، إذ تتلقي كمية من الامطار تعد الاعلى من نوعها، وذلك بألفي ملمتر في السنة، زيادة عن الأودية والمجاري المائية والينابيع المنتشرة في كل الجها ت المنخفضة والجبلية علي السواء. وعلى الصعيد التقني، لا توجد لحد الآن دراسة هيدرولوجية شاملة بإمكانها إحصاء المناطق التي تتوفر فيها المياه. ولو تمت هذه الدراسة، فإن الأمر سيزداد أهمية لا محالة بالنظر للتجارب السابقة التي قام بها الفلاحون في كل جهات الولاية تقريبا، والتي أكدت وجود مصادر مائية لا يستهان بها في جميع البلديات والمناطق. ومن الواضح أن هكتارا واحدا من الأراضي االمسقية يعطي مردودا يفوق عشرة مرات الهكتار العادي غير المسقي، إن كان الامر يتعلق بتربة عادي. أما إذا كان الشأن يخص تربة ذات خصوصية عالية مثل التي تتوفر عليها سهول الصفصاف ووادي قبلي والجهة الجنوبية الغربية للولاية، فإن المردود يتجاوز ذلك بكثير استنادا للمختصين في الانتاج النباتي. تطور في إنتاج الحوامض والبطاطا وريادة في البذور وتشير الإحصائيات التي أعدتها المصالح الافلاحية والهيئات المحلية الى أن ولاية سكيكدة تحتوي علي مائة وواحد وثلاثين الف هكتار قابلة للسقي ومؤهلة لتقديم مردود مضمون وعالي الجودة والغزارة، وهذا الرقم قابل للزيادة الي النصف لو كانت هناك خطة فلاحية مدروسة ومتكاملة ومنتظمة علي مدى عدة سنوات. وتحتل الولاية حاليا صدارة المناطق المنتجة للحوامض بكل انواعها والبطاطا وبذورها والزيتون والخضر والفواكه، وتمون ثلاثة عشر ولاية ببذور الحبوب الممتازة وولايات جنوب وشرق البلاد وبعض ولايات الوسط ببدور البطاطا. وهناك برامج لتوسيع زراعة الزيتون واعلاف الماشية وتوسيع مساحات الحبوب الشتوية عن طريق برنامج التكثيف، إلا أن بقاء الوضع الحالي علي ماهو عليه بالنسبة للري الفلاحي لم يعد عاملا مشجعا ويدفع نحو التقهقر. السكان يدفعون ثمن اعتداء منتجي الطماطم على قنوات مياه الشرب تناقص الإمدادات المائية الموجهة للفلاحين لسقي منتوجاتهم، لاسيما في الصيف دفع بالمنتجين في كل من الجهتين الغربية والشرقية خاصة في تمالوس وبكوش لخضر وبن عزوز موقع إنتاج الطماطم الصناعية بنسبة خمسين في المائة من الانتاج الوطني، إلى الاعتداء كل صيف علي الشبكات القادمة من سدي القنيطرة في أم الطوب مسد العنبة في بكوش لخضر، واختصار كميات من المياه الموجهة للشرب إلى مدن الولاية، واستخدامها في سقي اراضيهم ومنذ مدة لم تفلح كل الاجراءات التي تقوم بها السلطات والجزائرية للمياه لوقف هذه الاعتداءات التي تطال الشبكات ليلا وفي كل الأوقات عندما تغفل عين الرقابة. فيما تطلق الوكالة الوطنية للسدود كل صيف ولكن ليس بصورة منتظمة كميات من المياه في الصيف لا تتجاوز مائة الف لتر في واد تمالوس وواد القبلي لمساعدة المزارعين في عمليات السقي، إلا أن هذا الاجراء يفتقد للديمومة والشمولية ويلقي معارضة وعدم اكتراث من الفلاحين. نائب مدير الفلاحة المكلف بالري:”برنامج لدعم الفلاحين بأجهزة رش محوري” من جانبه كشف نائب مدير الفلاحة المكلف بالري الفلاحي، ل”الفجر”، عن وجود برنامج حديث لم يطبق بعد يصل إلى مسامع المنتجين والإعلام لأول مرة - حسبه - ويحتوي علي تدعيم خمسة وستين فلاحا بأربعة وعشرين جهاز للرش المحوري لسقي عشرة هكتارات في المرحلة الأولى، تليها مرحلة ثانية تضم تصل الي سقي مائتين وخمسة وثلاثين هكتارا، يضاف اليها أربعمائة هكتار يتم سقيها بانتظام من الحبوب الشتوية. ويعتقد ذات المسؤول ان استخدام تقنية الرش المحوري اصبحت الوسيلة الاكثر نجاعة لسقي الاراضي الزراعية، مهما كان نوعها، ولو تعلق الأمر بالحبوب كذلك لأن السقي العادي مكلف من الناحية المائية ولو سمح للفلاحين لاستنزفوا سد البركة بالقنيطرة في ظرف قصير دون تحقيق أهداف السقي. المساحات التي يستهدفها البرنامج الجديد للرش المحوري تقع كلها في سهل الصفصاف الممتد بين بلديات الحروش وصالح بوالشعور ورمضان جمال ومجاز الدشيشش وسيدي مزغيش، وكلها ذات أراض عالية الخصوبة ولا توجد إلا نادرا في بقاع الأرض وتنتج الخضر والفواكه والحوامض والبطاطا علي نطاق واسع، وكانت الي غاية بداية السبعينات تصدر كل هذه الأنواع نحو الخارج وبالعملة الصعبة، إضافة الى تحقيق الاكتفاء الذاتي.