أجمعت مختلف الأطياف السياسية النشطة بولاية تيبازة على أهمية دسترة اليموقراطية التساهمية، من خلال ما ورد في المادة 14 من مشروع الدستور الجديد، إلاّ أنّها طالبت باعتماد آليات عملية لتجسيد المفهوم على أرض الواقع، لاسيما حينما يتعلق الأمر بتشكيل المجالس المنتخبة التي تعتبر فضاءً قانونيا ولائقا لممارسة هذه التجربة. كما أشارت مختلف الأقطاب السياسية التي تمت استشارتها حول محتوى المادة 14 من الدستور الجديد، الى أنّ الهدف يكمن في تحرير وتوسيع صلاحيات المنتخب من جهة، وتمكين مجمل فئات المجتمع من المساهمة في إقتراح أوجه التنمية المحلية، لاسيما تلك التي تمتنع عن ممارسة الفعل الانتخابي. وبالرغم من إشارة قانون البلدية والولاية الذي شرع في تطبيقه منذ سنة 2011 إلى هذا المفهوم، الا أنّ تجسيده على أرض الواقع بقي حبرا على ورق بالنظر الى الاختلاف في تفسير وتطبيق المحتوى على أرض الواقع، بحيث لا تزال جلّ بلديات الولاية تعزف عن دعوة ممثلي المجتمع المدني لحضور أشغال دورات المجالس المنتخبة بالرغم من إلحاح بعض من رؤساء لجان الأحياء على ذلك، وجاءت المادة 14 من الدستور الجديد لتضع حدا لمختلف التأويلات التي تعرّض لها قانون البلدية والولاية المعمول به حاليا. وفي ذات السياق، قال محافظ الولاية لحزب جبهة التحرير الوطني رشيد عثمان، بأنّ المادة 14 من الدستور جاءت لتنصف فئة الناخبين الممتنعين عن التصويت في انتخابات المجالس المحلية، من خلال تمكينهم من تفويض ممثليهم لدى الجهات الادارية والمجالس الرسمية عن طريق الجمعيات الاجتماعية والثقافية والخيرية والرياضية، وتتم المشاركة في بلورة وتجسيد القرارات المتعلقة بالتنمية المحلية، بمساهمة مجمل الفعاليات النشطة على المستوى المحلي، بحيث يكون الانتشار التمثيلي عموما أفقيا لا عموديا كما كان من ذي قبل، وقد شرعت بعض المجالس على غرار المجلس الشعبي الولائي في دعوة ممثلي المجتمع المدني لحضور دوراته العادية والاستثنائية على أساس ملاحظين لا غير، إلا أنّ المساهمة في بلورة مقتضيات التنمية المحلية يكمن في عقد لقاءات دورية مع المواطنين أو حتى مع المجتمع المدني أحيانا لغرض جمع مختلف الاقتراحات والملاحظات الميدانية التي لا يمكن للمجلس البلدي بلورتها لوحده، ليضف بأنّ هذا النمط من التسيير الديمقراطي كان مشارا اليه في قانون البلدية والولاية الصادر سنة 2011، الا أنّ التجسيد الميداني له شهد عدّة عقبات حالت دون نضج فكرة المشاركة والمساهمة من لدن الجميع. ومن المرتقب أن تسمح دسترة هذه الخطوة بتمكين مختلف فئات المجتمع من التعبير عن مواقفها بكل روح ديموقراطية في اطار المجالس المنتخبة من جهة والمجالس المحلية المهيكلة للوفاء خصيصا بهذا الغرض. من جهته، قال رئيس بلدية عين تقورايت جيلالي جربوعة عن حزب المستقبل، بأنّ المادة 14 تتحدث عن تشجيع الدولة للديمقراطية التساهمية، ومن ثمّ فلابد من وضع آليات عملية لتجسيد ذلك على أرض الواقع على غرار ما هو قائم حاليا ببلدية عين تقورايت فيما يتعلق بانشاء مجلس استشاري يتشكل من أعيان وإطارات المنطقة تتم استشارتهم دوريا في مختلف قضايا التنمية المحلية، الأمر الذي يعتبر سندا قويا ومتينا للمجلس البلدي المنتخب، ناهيك عن مساهمة لجان الاحياء في الكشف عن النقائص والبدائل المطروحة لبعث التنمية المحلية وفق الوجه الأمثل، غير أنّ ذلك يقتضي إجراءات تنظيمية رسمية تتم الاشارة اليها من خلال نص تنظيمي أو مرسوم رئاسي يتطرق لهذا المجال بالتفصيل حتى تتجسّد الديمقراطية التساهمية فعليا على أرض الواقع، كما يمكن تفويض رئيس البلدية للتصرف في انشاء تلك المجالس الاستشارية وفق معايير مدروسة ومعقولة على أن تصادق الوصاية على الاجراءات المتخذة، كما اقترح رئيس بلدية عين تقورايت بأن يتشكل المجلس الاستشاري من الاطارات وممثلين عن أحياء البلدية لضمان تمثيل شامل لمختلف الفعاليات. وأكّد مسؤول التنظيم بالمكتب الوطني لحزب “الأفنا”، محمد بوتوشنت، بأنّ المادة 14 من الدستور الجديد ستتيح للمواطن الجزائري حضور دورات المجالس المنتخبة بانتظام، مع إمكانية اقتناء نسخة من المداولة المنجزة بثمن رمزي، والتعرّف عن قرب على تفاصيل ودواليب التنمية المحلية، مثمّنا تداعيات تطبيق محتوى المادة 14 على أرض الواقع بما في ذلك تجسيد مفهوم الفصل ما بين السلطات الوارد بها. وأشار رئيس المكتب الولائي لحزب العمال بتيبازة، كوشي فتحي، إلى أنّ المادة 14 من الدستور الجديد أضيفت لها عبارة “تشجع الدولة الديمقراطية التساهمية على مستوى الجماعات المحلية”، وكان من المفروض بأن يستعمل مصطلح “تضمن” بدلا من “تشجع” لأن الدولة تبقى الضامن الوحيد لهذه الديمقراطية. وبرّر ممثل حزب العمال موقفه بكون عملية التشجيع توفر لبعض الاحزاب التي تنبذ التعامل بالديمقراطية هامشا من المناورة في مسألة تمكين جميع الفعاليات من المساهمة في دفع عجلة التنمية المحلية، وتجنب هيمنة جهة معينة على حساب جهات أخرى. كما ثمّن ممثل حركة مجتمع السلم العضو بالمجلس الشعبي الولائي، أمحمد بلعبيدي، فكرة الديمقراطية التساهمية التي جاءت بها المادة 14 من الدستور، مشيرا الى أنّها تعتبر فعلا قيمة مضافة للمعاملات السياسية على المستوى المحلي، غير أنّ الاشكال القائم حسب محدّثنا يكمن في غياب مفهوم الفصل بين السلطات في الواقع، اضافة الى عدّة نقاط اخرى تضمنها الدستور الساري المفعول حاليا، غير أنّ تجسيدها على أرض الواقع لم يتم وفقا للحاجة المعبّر عنها من لدن الطبقة السياسية والفئات الاجتماعية، ومن ثمّ فلابد من بناء آليات صلبة للتجسيد على أرض الواقع مع احترامها بدقة متناهية، وقال ممثل حركة مجتمع السلم بأنّ الاشكال القائم يكمن في التنفيذ وليس في الاجراءات القانونية التي تضمنتها عدّة نصوص في مراحل سابقة دون أن يتم تجسيدها ميدانيا. أما ممثل كتلة الأرندي بالمجلس الشعبي الولائي، لياس عزيبي، فقد أكّد بأنّ المادة 14 جاءت لتعزيز دور المنتخب في المجلس المحلي من خلال تعزيز صلاحياته وتنصله من قبضة الادارة التي كانت مهيمنة على جلّ المعاملات التنموية المحلية، وقد تتيح هذه المادة بالشكل المشار اليه للمنتخب المحلي التعبير عن قدراته الفكرية والتمثيلية للمجتمع لدفع عجلة التنمية والتعبير عن الحاجة بقوة الاقتراح بكل أريحية، وبعيدا كلّ البعد عن تجاذبات الادارة التي ما فتئت تمارس ضغطا رهيبا على ممثلي الشعب.