شرع سكان معسكر في التحضير لعيد الفطر المبارك، مبكرا، كل حسب طريقته وقدرته المادية لمواكبة الحدث، ولعّل ما استطلعته «الشعب» في جولة عبر أسواق ومحلات الألبسة، يشير أن أغلب العائلات، مهما كان مستواها المعيشي، متدنيا على حسب دخلها الضعيف، ستكون في الموعد، لما تفرضه متطلبات إسعاد شريحة الأطفال وزرع البسمة على ملامحهم بثوب جديد وأحذية لامعة، كما يخيّل للبراءة في يوم جعله الله خاتمة لشهر الصيام الفضيل .. تضطر أغلب العائلات، خلال الأيام العشر الأخيرة، من الشهر المعظم إلى اتخاذ سبيل من التقشف وترشيد مداخيلها، تحسبا للتوفيق بين تزيين مائدة الإفطار، وتحضير الحلويات واقتناء الألبسة للأطفال في المشهد الأهم الذي يطبع هذه الفترة، ولعّل ذلك ما يميّز تقاليد سائر بلاد المسلمين في عيد الفطر المبارك. «ألبسة بطي» للهروب من غلاء أسعار ملابس الأطفال ظهرت ملامح عيد الفطرمبكرا على أسواق و محلات بيع الألبسة عبر تراب ولاية معسكر، وخصوصا في المناطق التي تتميز بمحلاتها المختصة في بيع الملابس على مدار السن، مثل مدينة «تيغنيف» شرق عاصمة الولاية، التي تعتبر محجا للعديد من العائلات المعسكرية لاقتناء ملابس ذات جودة وسعر ملائم، والتي تعج شوارع سوقها المليئة بالمحلات المتقابلة والمسمى «المدينة الجديدة». هنا في هذا السوق الشعبي يتنوع العرض ويكثر الطلب، وتبقى معادلة الشراء على حالها، حيث يعتبر أصحاب المحلات في سوق المدينة الجديدة «بتغنيف» ، أن ما يعرضونه من مستلزمات يلائم كل شرائح المجتمع إذا ما تعلق الأمر بالقدرة الشرائية و يؤكد أرباب العائلات ذلك بالقول أنهم يجدون ملاذهم بمحلات هذه المنطقة، أين تتاح لهم فرصة الاختيار بسبب تنوع المعروضات من ألبسة، عكس ما توّفره محلات الألبسة بعاصمة الولاية بأثمان خيالية مقابل قطع من قماش مفصل على مقاسات تصغر عن حجم أطفال دون عمر أربع سنوات. توضح السيدة (مليكة- غ.) ربة أسرة وموظفة سامية بالدولة، أنها تفاجأت بأسعار ملابس الأطفال دون سن الرابعة، أو ملابس الرضع، التي بلغت أوجها من الارتفاع، حيث أصبح طاقم العيد للأطفال يناهز 9 ألاف دينار، وتصل أحذية الأطفال إلى 3 ألاف دينار، الأمر الذي ينفر منه الكثير من العائلات حتى ذوو الدخل المتوسط أو الحسن على غرار السيدة مليكة التي قالت أنها لن تشتري ثوبا ب 9 ألاف دينار، ليلبسه طفلها يوم العيد ثم يرمى في الغسالة ويكون مصيره مثل مصير باقي ألبسة العيد في الخزانة. أضافت مليكة ل «الشعب» أنها تمكنت من اقتناء نفس الألبسة بسعر أقل من الذي تعرضه محلات عاصمة الولاية في محلات مدينة تيغنيف، وتؤكد أخرى في استطلاعنا على مستوى محلات عاصمة الولاية، انها اضطرت إلى اقتناء ملابس العيد من السوق الموازية، فهنا بشارع «الزليج» قد وضع عشرات الشباب طاولات لعرض ملابس العيد، بأسعار تكفي لاقتناء بدلتين لطفل واحد، دون الحديث عن النوعية أو مصدر هذه الألبسة، فكلها صارت ألبسة تحمل صفة «المستوردة» سواء عرضت في واجهات زجاجية تشع بالأضواء وبريق المرايا أو على الأرصفة، فكثير من تجار الألبسة يلجؤون إلى عرض ألبسة غير معروفة المصدر أو المتعارف عليه بلغة المجتمع «ألبسة بطي» ، بأسعار ملتهبة، لكن ذلك لا يمنع العائلات من اقتناء ملابس العيد من أولئك أو هؤلاء مهما ارتفع السعر وتدنت الجودة، المهم تلبية الطلب استيفاء الغرض احتفالا بعيد الفطر . مصطلحات جديدة تغزو الأسواق عرف المحيط الاجتماعي بمعسكر، تزامنا مع الحركية التي تشهدها الأسواق ومحلات الألبسة، انتشار الألبسة الرجالية التقليدية الصنع على غرار العباءات المغربية المختلفة الألوان و الأشكال، إضافة إلى تداول بعض المصطلحات اللّغوية و التسميات، على غرار لفظ «بطي» الذي يشير إلى النوعية الرديئة للثوب وبمعنى أصح أن الثوب أو الحذاء مستورد من الصين، وغيرها من المصطلحات التي تدل على نوعية اللباس ومصدر، مثل إطلاق كلمة «داعش» على أحذية رياضية مستوردة من تركيا، في إشارة الى أن الحذاء الرياضي الذي لا علامة له تدل انه مستورد من تركيا، ولا يمّت لبسه إلى الأناقة بصلة، متين وقابل للاستعمال لطول فترة ممكنة، فضلا عن نظارات «الواي واي» وباقي التسميات التي أصبحت أكثر تداولا في أسواق ومحلات معسكر. الحلويات الجاهزة سرها تعب وملل ربات البيوت من جهة أخرى تعتبر العشر الأواخر من الشهر الفضيل، أهم مرحلة تعتكف فيها ربات البيوت في المطبخ على غرار سائر أيام الشهر الفضيل، لتحضير ما لذ و طاب من حلويات العيد، و بالرغم من ان العديد من العائلات تعتبر تحضير الحلوى جزء لا يتجزأ من مراسيم التحضير للموسم الديني، إلا أن الكثير من العائلات صارت تلجأ لاقتناء حلويات العيد من المحلات في ظاهرة كانت تقتصر في المواسم الماضية على النساء العاملات اللواتي ينهكهن التعب المهني والتزاماتهن العائلية. السبب أن العائلات التي ركبت موجة اقتناء حلويات العيد من المحلات، توضحه احدى ربات البيوت، في أن شراء لوازم الحلويات مكلف ويمكن بذات القيمة المالية اقتناء ما يقابل من أطيب الحلويات المعروضة للبيع، في إشارة أن ترشيد النفقات ألقى بظلاله على العائلات، وتشير السيدة نصيرة، أن لوازم حلوى العيد تكلف بين 7 ألاف و 10 ألاف دينار، وهي ليست مستعدة لإنفاق هذا المبلغ من أجل صنع حلويات قد لا تكون اقتصادية أو لا تكفي عائلتها و بروتوكولات الزيارات العائلية في عيد الفطر خصوصا مع تزايد معدل الإنفاق في الشهر الكريم، فيما قد توفق في شراء 4 أصناف من الحلويات بنفس المبلغ أو أقل منه، وذلك ما يتطلبه حسبها حسن التدبير العائلي. «المقروط» وأسطورة الفال السيئ على خلاف ذلك، لا تستطيع أغلب العائلات بمعسكر التفريط في صنع حلوى «المقروط « في بيوتها، فالانقطاع عن ذلك حتى ولو بشرائه، يعتبر فألاً سيئا، جربته ربات البيوت اللواتي يخشين من إهمال إعداد مقروط العيد، الذي يعتبر من احد التقاليد المتجذرة في التراث المعسكري، وتؤكد في شأنه الجدة «خالدية 65 سنة» أنه في حال الانقطاع عن إعداد المقروط في البيت، تقع المشاكل في العائلة والتي تصل لحد فقدان أحد أفرادها .. ؟ . أضافت السيدة خالدية أنها تحرص على اعداد حلوى المقروط بنفسها وتوكل مهام إعداد باقي أصناف الحلويات لبناتها و زوجات أبنائها، موضحة بالجزم أن ظاهرة شراء حلوى العيد مهما كانت دوافع ربة البيت هي مجرد منفذ لبعض النساء للإفلات من مهامهن والتزاماتهن حيال تقاليد المجتمع، وأشارت محدثتنا أن الكثير من الحلويات التقليدية صارت تغيب تدريجيا من قائمة التحضيرات للعيد المبارك، على غرار «القريوش، الكعك، والمسمن» التي اختفت كليا في مواسم العيد بسبب كسل ربات البيوت واستبدالها بالحلويات العصرية المكلفة كثيرا، مؤكدة انه لو ما ارتبط إعداد «المقروط» بطقس عقائدي أو تقليد عائلي لكان هو الآخر في طي النسيان.