الفلاحة ليست مسألة تتعلق بقطاع الفلاحة وحده وإنما تهم كل القطاعات الوزارية ذات الارتباط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهي على مدار السنوات في قلب معادلة التنمية المستدامة وتضعها الدولة باستمرار على صدارة لائحة الأولويات لارتباط القطاع بإشكالية الأمن الغذائي كما يمثل موردا للقيمة المضافة، ناهيك عن ضمانه لفرص العمل . السيد بوشامي مصطفى وجه فلاحي ميداني لا يزال ينشط رغم الصعاب من السبعينيات إلى اليوم همه أن يرى البلاد تصل إلى مستوى مقبول من الاكتفاء الغذائي والتصدير . وهو يشخص مهنة الفلاحة أكد على أهمية تدخل الدولة للامساك بدواليبها من حيث دعمها والتكفل بفائض الإنتاج كما هو الحال بالنسبة للبطاطس والطماطم حتى لا تعود ظاهرة الندرة وما ينجر عنها من ارتفاع جنوني للأسعار أو العودة لاستيراد فضلات الآخرين، كما حصل مع بطاطس الخنازير وتساءل محدثنا عن السبب وراء عدم وجود استثمارات صناعية غذائية صغيرة تكميلية تخص أنشطة ذات جدوى مثل تجفيف وسحق فائض البطاطس أو البيض بعد أن تشتريه الدولة وفقا لسياسة الدعم الأمر الذي يضمن تجاوز ثقافة الاستيراد. إن للدولة أكثر من دور في قطاع حساس واستراتيجي كالفلاحة التي تعد أساس الأمن الغذائي ولذلك لا يتوقف دورها في تجنيد ورصد التمويلات المالية فقط وانما لا مناص من أن توسع من مساحة تدخلها كصاحبة سلطة الضبط تماشيا مع قواعد اقتصاد السوق وذلك من خلال آليات عملية تتعلق بمحاور جوهرية مثل التحكم في سوق الأدوية المدخلة في الزراعة والاسمدة وتسوية مسألة العقار الفلاحي .. بالنسبة للأدوية الفلاحية يقول محدثنا فقد ارتفعت اسعارها بعشرة اضعاف، مما ألهب اسعار الاستهلاك مثلما هو الشأن للبرتقال هذا العام، إذ لم تنزل الاسعار عن سقف ال 150 دج للكلغ الواحد. بينما تعرف الاسمدة ندرة مما انعكس على تكلفة الانتاج وجودته فمثلا بالنسبة للاسمدة وهي أساس الفلاحة ارتفع سعرها من 2700 دج الى 6500 دج للقنطار في الصائفة الماضية، علما ان الهكتار الواحد من البطاطس يتطلب 12 قنطارا اسمدة من حجم 25 كلم وبعبارة أخرى كيس اسمدة لكل كيس من بذور البطاطس لو افترضنا ان فلاحا غرس 25 قنطارا من بذور هذه المادة الحيوية على اساس سعر شراء 18 ألف دج للقنطار أي حوالي 60 مليون سنتيم للهكتار وانتج من 150 الى 200 قنطار وسوقها بمعدل 20 دج للكلغ الواحد أي ما يعادل 40 مليون سنتيم، فتصور كيف ان المعادلة مختلة وللاشارة سعرها في سوق الجملة اليوم 16 دج للكلغ، كما ان النوعية تثير تساؤلات هي الأخرى. وبشأن تأثير غلاء تكلفة الادوية والاسمدة على سعر الانتاج اشار الى ان كراء شاحنة لحمل الاسمدة من عنابة الى العاصمة وضواحيها يكلف مبلغا ب 3 ملايين سنتيم لليوم، كما استفيد من تعاونية كابس بواد الكرمة ونظرا للاجراءات الامنية التي ترافق التعامل مع هذه المادة بسبب ما عرفته الساحة قد تتجاوز مدة تأجير الشاحنة الاربعة ايام وهذا يزيد من ارتفاع التكلفة ويكفي ان تنزل فرق للتحقيق الى الميدان للاطلاع على حقيقة الامور، علما ان مزارع في ضواحي غرب العاصمة كانت تدر خيرات في الماضي لم تستغل أكثر من 20 في المائة من طاقتها بل ان زيارة سريعة الى بنك بدر بالشراقة تكشف للمتابعين حقائق تحمل دلالات حول ما ان كان هناك اقبال كبير على قروض زراعة البطاطس.. بل الملاحظ في ناحية الشراقة مثلا اصبح الفلاح بشكل عام يخشى طلب القروض البنكية لاختلال المعادلة الانتاجية ما فتح الباب واسعا امام المضاربة. إن المواد الاساسية المدخلة في الفلاحة ينبغي ان تتحملها الدولة بصيغ مختلفة الى سقف 70 في المئة على الاقل وهو ما يعني التوصل الى تقليص نفس الحجم من الاستيراد الغذائي، وبمعنى آخر، فإن حماية الفلاح تكون من خلال الضغط على عناصر تكلفة الانتاج و التحكم في هامش الربح مع التأكيد على انه كلما توفرت ضمانات تموين السوق يقل الضغط ويتكرس الاستقرار. وبالمناسبة توقف عند جانب آخر لا يقل اهمية ألا وهو استيراد الابقار، متسائلا لماذا لا يتم تربيتها في بلادنا وتساءل بمرارة أيضا الى متى يستمر ذبح الأنثى من الابقار والمواشي الامر الذي يجب ان يوضع له حد باعتبار انها مورد فلاحي مستدام يحتاج العناية وليس هناك من بديل افضل عن تزويد الفلاحين في الارياف بأبقار حلوب للتربية مع تأمينها وتسديد أثمانها على المدى المتوسط. وهنا هل يعقل ان تباع البقرة ب 25 مليون سنتيم، فعلى أي أساس تحدد مثل هذا السعر وفي مثل هذا المحور بامكان الدولة أن تتدخل لضبط الساحة وحماية الابقار من المسالخ التي تسقط فيها عندما لا يمكن توفير شروط الحفاظ عليها مثل العلف الذي بلغ سعره 4 آلاف دج للقنطار ما يجعل الفلاح غير قادر على ضمان تموين مزرعته. وفيما يتعلق بالعقار الفلاحي أجاب السيد بوشامي انه طالما لا يملك الفلاح عقد ملكية الارض وهذا منذ حوالي 25 سنة من العمل بنظام المستثمرات فإنه يعاني من مشكلة الاستقرار ولذلك آن الآوان لمعالجة هذا الملف بما يلزم من الضمانات والضوابط التي تحمي العقار من أي تلاعب أو تحويل لطبيعته الاصلية. ويعتبر أن الحل يكمن في منح الفلاحين الحقيقيين عقود ملكية الارض مع شرط الحفاظ على طابعها الزراعي واستغلالها على مدار العام بل لا مانع من أن تدخل الارض سوق البيع بنفس الشروط على غرار ما تعرفه المصانع العمومية ولكن ليس بطريقة فوضوية وغير شفافة، موضحا أنه في حالة تمليك الأرض للفلاح لن يبيعها طالما انها تؤول لأبنائه وسيقوى الارتباط بها على مدى الاجيال وقد اظهرت تجربة عدم التمليك كيف ان العقار الفلاحي تعرض للمضاربة في السوق السوداء، فضاعت مساحات كانت تنتج ذهبا لتتحول الى ضيعات للترفيه أو المضاربة العقارية في البناء بل ان هناك فلاحين انتزعت اراضيهم واقيمت عليها بنايات يملكها مستفيدون وهو لا يملك شيئا. برأيي إن المسألة الفلاحية تستدعي اطلاق نقاش وطني باشراك المهنيين الحقيقيين وليس الدخلاء على القطاع الذين انتجتهم البيروقراطية بل ان الموضوع لا يتطلب نقاشا على الاطلاق إذ المفروض ان المعنيين على دراية بالامر ويكفي اجراء مسح ميداني لجمع عناصر الملف واتخاذ قرارات بسيطة وجريئة تكون مرفوقة بتفعيل للقانون. إن هذا الوضع ليس من مسؤولية وزارة الفلاحة بل ان الدولة ضخت ما يكفي من الموارد المالية، لكن الوضع يتطلب اعادة صياغة استراتيجية تعيد احياء الارض من بوارها وتضمن وفرة المواد المدخلة في الزراعة كالادوية والاسمدة بوضعها في منأى عن المضاربة.