في سياق حديثه عن الأزمة الفلسطينية الداخلية المرشحة للتفاقم بعد انتهاء ولايته في مطلع العام القادم والخروج من حالة الانقسام الداخلي قال أبو مازن :أعتقد أن الانتخابات التشريعية والرئاسية يجب أن تجرى معا في يناير 2010 . ولكن حركة حماس التي تنفرد بالسيطرة على غزة لم تنتظر طويلا فأعلن رئيس مكتبها السياسي : إن فترة ولاية عباس تنتهي في التاسع من يناير كانون الثانى عام 2009وبعدها لا شرعية له بدون توافق وانتخابات رئاسية . لقد كان حديث الرئيس عباس عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية في سياق الخروج من الأزمة السياسية وليس في سياق مساجلة قانونية ، فلا شيء يخضع للقانون في ظل الاحتلال والانقسام . ففي سياق الاحتلال يقول الرئيس الفلسطيني :حتى الآن لا يوجد أي إنجاز في المفاوضات الجارية بيننا ، ولا تزال المواضيع الستة المركزية وهى القدس والحدود واللاجئون والأمن والمستوطنات والمياه مفتوحة ولا يمكنني القول إنه تم الاتفاق حتى ولو على موضوع واحد . وفي سياق الانقسام يقول :ينبغي توحيد الضفة وغزة وإلا فإنه لن تكون هناك دولة فلسطينية عاصمتها القدس لا بمفاوضات ولا بغيرها ، وهناك اتصالات للمصالحة يجريها المصريون وفى نهاية الأمر سيتم طرح اقتراح عربي بدعم من جامعة الدول العربية. أي أن الرئيس يسعى لإنضاج الظروف للمصالحة الفلسطينية وليس للتسوية مع إسرائيل أو التمتع بالرئاسة ، فما قدمته حكومة اولمرت لم يختلف عما سبقتها وكذلك ستكون اللاحقة بها . إن حديث السيد خالد مشعل أن لا شرعية لرئيس فلسطيني بعد التاسع من كانون الثاني المقبل ، ما لم تجر انتخابات رئاسية جديدة ، حرة ونزيهة ، ليس أكثر من صب الزيت على النار ، إذ ما العمل إن خرج الرئيس عباس من رئاسة السلطة والحال على ما هو عليه من انقسام في السلطة ، كيف ستسير الأمور بعد ذلك ! ، هل في الدستور الفلسطيني ما يسمح بتولي نائب رئيس المجلس التشريعي )من حماس( الرئاسة ، بحكم أن رئيس المجلس الدكتور عزيز الدويك في السجن؟ وإن توفرت الفتوى القانونية التي تجيز لنائب رئيس المجلس أن يتولى رئاسة السلطة في غياب الرئيسين عبّاس ودويك ، إلى متى سيبقى هذا النائب في مكانه ، ألا يقول النظام الأساسي بإجراء انتخابات خلال ستين يوما ، هل توافق حماس على إجراء انتخابات رئاسية بعد مرور 60 يوما من ولايته ؟ إن كان الجواب بنعم ، هل ستشارك حماس في هذه الانتخابات أم لا؟ هل ستسمح بإجرائها بحرية ونزاهة ورقابة دولية ومحلية في قطاع غزة؟ هل ستكون لدى الحركة ضمانات أفضل لنزاهة الانتخابات وشمولها لكل الأطياف السياسية الفلسطيني ، ولكل جغرافيا الدولة الفلسطينية العتيدة ) الضفة والقطاع والقدس (؟. اذا كان الجواب بلا ، فهل تنوي حماس إبقاؤه في منصبه المؤقت وتحويله إلى منصب دائم ، ، وكيف سيصبح حال الضفة الغربية في حال تولي حماس منصب الرئاسة ، هل يراد تعميم تجربة الحصار في غزة على الضفة ، هل نجحت حماس في تفكيك حصار غزة ، حتى تتقدم بخطى واثقة لحكم الضفة الغربية ، مؤقتا أو بصورة دائمة.هذا الجدل لن يطول ، فالرئيس عباس باق في منصبه حتى العام 2010 كما يقول ، وكما تريد اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي في اجتماعه القريب القادم ، ولا أدري ما الذي ستفعله حماس ، هل ستنادي بالنائب رئيسا انتقاليا من غزة وفيها ، وإن حصل ذلك من سيعترف به ، وإلى متى ستدوم ولايته ، هل سيقدم على تنظيم انتخابات بعد ستين يوم ، ومن جانب واحد ، وفي غزة وحدها ، إما أننا سنكون أمام حكومة مقالة )لا شرعية( في غزة ، مقابل حكومة تصريف أعمال في رام الله ، أي أننا سنكون أمام انهيار للشرعية الفلسطينية حتما . مشكلتنا مع حماس ، أو مشكلة حماس مع نفسها ، أنها تفقد البوصلة يوما بعد آخر ، ولا تعرف ما الذي تريده أو تنوي فعله صبيحة اليوم التالي ، غير تثبيت دعائم حكمها في غزة ، بصرف النظر عن شرعيته من عدمها ، وبصرف النظر عن جدية وجدوى هذا الأمر من منظور القضية الفلسطينية الأوسع والأعم والأشمل.كان يمكن لحماس أخلاقيا أن تبدي استجابة لفكرة الانتخابات المبكرة ، وأن تضع ما شاءت من ضوابط ومحددات لضمان نزاهتها وشفافيتها ، وأن تذهب مع الجميع إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ، ففي الديمقراطيات تتقدم الانتخابات عن موعدها لأتفه الأسباب ، فما بالك حين يكون الأمر على هذا القدر من الخطورة . لكن حماس متشبثة بالحكم حتى لو كان في قارورة غزة المحكمة الإغلاق قد يقول قائل ، أن حماس تخشى أن تكون الانتخابات القادمة غير نزيهة وغير شفافة ، وأن يصار إلى فبركة نتائجها سلفا ، وهذه مخاوف مشروعة ، لكن السؤال هو هل القول بتسليم نائب النائب أحمد بحر الرئاسة مؤقتا أو لإشعار آخر ، وإجراء انتخابات ( نزيهة ) في غضون شهرين ، أمر ممكن! ------------------------------------------------------------------------