يكاد لا يشعر الزائر العربي أو المسلم لتونس خلال هذا الشهر الفضيل بوجود فرق بين بلده الأصلي والبلد المضيف، خصوصا بالنسبة للجزائريين حيث العادات والتقاليد تتشابه إلى حد كبير كما أن الأجواء الخاصة السائدة تشجع السياح العرب والمسلمين عموما والجزائريين خصوصا على السفر إلى هذا البلد الشقيق. فالحركة الثقافية والتنشيطية التي تشهدها تونس منذ انطلاق فصل الصيف من مهرجانات وفعاليات أخرى، تدخل الترفيه والترويح عن النفس، وإن خفت وتيرتها في الأيام الأخيرة من شهر الصيام إلا أن البعض منها مازال مستمرا، هي ميزة وحلة تلبسها في مثل هذه الفترة من السنة، وتزيدها حركية لا سيما في الليل حيث يخرج المواطنون والمواطنات أفرادا وعائلات إلى الشارع بعد تناول طعام الافطار للسهر والسمر إلى ساعة متقدمة من الليل وحتى مطلع الفجر ، خصوصا في العاصمة وضواحيها وبقية المدن الكبرى، وقد تحولت شوارع مدينة تونس إلى فضاءات حلوة مليئة بالحركية والنشاط تنبض بالحياة، وتشكل ملتقى لكل المواعيد ومن يريدون التجوال والجلوس في المقاهي. هذا هو حال تونس العاصمة بالخصوص، بفضاءاتها ومقاهيها المنتشرة على طول شارع الحبيب بورقيبة القلب النابض لوسطها والغير بعيدة عن المدينة العتيقة التي تعج أسواقها الشعبية بالحركة خاصة في السهرات الرمضانية إلى حد الإزدحام، كما تشهد المحلات التجارية إقبالا كبيرا قبل يوم 15 سبتمبر تاريخ انتهاء موسم التنزيلات. أما عن الحركية في قرية »سيدي بوسعيد« التي يحفها البياض والزرقة وتمتزج فيها البساطة بالتميز فحدّث ولا حرج إذ يقصدها المواطنون التونسيون والسواح على السواء للسهر والسمر، ومن أجل التمتع بروعة المكان الذي له خصوصيته حيث تكثر فيه مقاهي »الشيشة« و»اللمة«، ويفضله السياح العرب والأجانب من جنسيات مختلفة للإستمتاع بنسيم البحر وبخصوصية المكان وروعته. وتتوزع هذه الفضاءات في ليالي رمضان بين الأجواء العائلية الحميمية التقليدية وبين أجواء المسرح ودور السينما ومراكز »الأنترنيت« التي زاد عليها الإقبال، خصوصا في وسط الشباب. صوم رمضان بتونس تجربة للعائلات الجزائرية وبالنسبة للعائلات الجزائرية يفضل العديد منها التوجه إلى تونس من أجل العطلة في هذا الشهر الفضيل، حيث الأجواء الرمضانية »مغرية« كما قال البعض ممن التقيناهم في القيروانوسوسة، وبالعاصمة بدرجة أولى فيما وجد آخرون صوم رمضان بتونس »تجربة« جديدة تستحق العناء والإهتمام و التضحية حسبهم. وكان لنا لقاءات سريعة مع بعض السياح الجزائريين حول الصوم والليالي الرمضانية صدفناهم بكل من سوسةوتونس العاصمة، فيما يلي مقتطفات منها: ز.عبد اللّه (تاجر من بسكرة): »ليس هذه المرة الأولى التي نزور فيها تونس من أجل العطلة والترفيه عن النفس، لكنها الأولى لنا في رمضان حيث لم نجد في الواقع بعد أسبوعين من وجودنا هنا أي فرق أو اختلاف، مع الفارق أن نكهة هذا الشهر الفضيل بعد تناول طعام الإفطار تختلف إلى حد كبير عن أجواء مضان في الليل بمدينة بسكرة. فبعد أداء صلاة التراويح بجامع الزيتونة، نخرج للسهر سواء بقرية »سيدي بوسعيد« أو مدينة الألعاب بالبحيرة، وأحيانا إلى حلق الواديوالمرسى، ولا نعود إلى الفندق إلا مع قرب موعد الإمساك لتناول طعام السحور. ومن جهتها اعتبرت السيدة ''نصيرة'' وزوجها السيد ''خوجة'' (وهو رجل أعمال) التقيناهما بالسوق المركزي بالعاصمة: »أنهم يمضون ما تبقى من شهر رمضان في تونس كما لو كانوا في الجزائر، فهي تقوم بطهي مختلف المأكولات الجزائرية، كما يمضي أفراد عائلتها سهراتهم الرمضانية بين البيت المستأجر خصيصا للعطلة والواقع ببلدية المرسى أمام القنوات الفضائية الجزائرية لمشاهدة البرمجة الوطنية والسهر خارج البيت«. وبالنسبة لعائلة ''ضربان.ع'' من الطارف: »فإن تزاوج العادات الجزائرية والعادات التونسية يجعل الصوم في تونس وكأننا في الجزائر وإن كنا كما قال فضلنا الإقامة بالفندق من أجل راحة أم الأولاد بالدرجة الأولى«. أما السيد ''نعمان'' الذي رمز لقبه بحرف »ز« (وهو إطار بشركة بترولية أجنبية بحاسي مسعود) فأكد »بأنه وأفراد عائلته المتكونة من ولدين وبنت بأنهم سعداء بوجودهم في تونس خلال هذا الشهرالكريم حيث لايشعرون بالغربة على الإطلاق«، مشددا على أن اللمة حول مائدة الطعام في أجواء رمضانية حميمية والخروج بعدها للسهر والسمر هي في حد ذاتها متعة ومصدر سعادة له ولزوجته وأبنائه، كون أن طبيعة عملة في الجنوب بعيدا عنهم يجعل الحاجة لمثل هذه اللمة والبقاء إلى جانبهم أكثرمن ضرورية«. وتدخلت زوجته مضيفة »أن العطلة مع الأولاد رفقة ربّ العائلة بتونس لاتقدر بثمن حيث مرّ على وجودنا أكثرمن عشرين يوما، كانت مريحة وممتعة جدا، وهذا ما يجعلنا نفكر من الآن في العودة العام القادم إن شاء اللّه«. وبالمقابل يعتبر السيد ''شكري شراد'' مسؤول الأسواق العربية بالديوان الوطني التونسي للسياحة: »أن السوق الجزائرية هامة جدا في سياسته الحالية وبرامجه ومخططاته المستقبلية، بل هي من أهم الأسواق في العالم العربي وأنه لا فرق بين المواطن الجزائريوالتونسي«، معتبرا: »أن السائح الجزائري في تونس يعيش وسط عائلته الكبيرة وبين أشقائه«. وأكد في هذا السياق بأن »نظرة القائمين على القطاع السياحي سواء على مستوى الوزارة أو الديوان، هي نظرة استشرافية واستراتيجية في آن واحد، تعنى بكل المتطلبات و تحرص على توفيرجميع الوسائل والإمكانيات التي من شأنها أن تحدث أفضل الشروط والظروف الممكنة وفقا لما هو متاح لضمان عطلة سعيدة وإقامة مريحة للسياح الجزائريين والعرب والأجانب عموما«. وبعد أن شدد على »أن مكتب الجزائر الذي يديره السيد فوزي البصلي هو من أهم مكاتب الديوان الوطني التونسي للسياحة المنتشرة بالخارج (23 مكتب) قال بأن »مهمة هذه المكاتب تتمثل في توصيل المعلومة السياحية والترويج للمنتوج السياحي التونسي الثري والمتنوع في وقت أصبحت فيه السياحة صناعة وركيزة هامة من ركائز اقتصاديات العديد من الدول في العالم بما فيها الغنية، وبالتالي هي محور لاغنى عنه لقطاع الخدمات مثل :النقل الجوي، البحري، والبري، ينشط الحركة الإقتصادية والتجارية، وهي أيضا مصدر هام للتشغيل، تضمن في تونس مالا يقل عن 80 ألف منصب شغل قار وما يزيد عن 300 الف منصب بصفة غير مباشرة«. وأكد بأن »الترويج والتسويق يدخلان ضمن مكونات صناعة السياحة ويعتمد للقيام بهذه المهمة على وجود مكاتب قارة تابعة للديوان التونسي بأهم الأسواق السياحية في العالم، من مهامها أيضا البحث عن فرص للاستثمار الأجنبي في القطاع السياحي بتونس«. وعن حصة تونس - التي توجد بها بنى تحتية صلبة وشبكة واسعة على إمتداد البلاد لمنشات فندقية عديدة (فئتى 5 و4 نجوم )- من سوق السياحة في العالم العربي يرى ذات المتحدث بأن »للسياحة العربية مكانة متميزة باعتبار تونس تمثل أول وجهة للسياحة العرب الذين يقدر عددهم سنويا بنحو المليونين ونصف المليون سائح أغلبهم من الجزائر والجماهيرية الليبية«. وقال في هذا الصدد: »تعمل وزارة السياحة والديوان من خلال مخطط وبرامج تسويقية خاصة بالبلدان العربية على تحقيق المزيد من الإهتمام بالسائح العربي وتأهيل المناطق السياحية بالإقاعات الراقية وفضاءات الترفيه والتسويق، والتركيز أكثر على تطوير الخدمات وتنويع المنتوج بهدف الزيادة إلى أقصى حد مكمن من عدد السياح العرب«. وأكد السيد ''شراد''بأن »تونس تظل الوجهةالسياحية الأولى بدون منازع في منطقة دول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط لعدة أسباب، منها: قربها من أوروبا، وتناسب المنتوج مع السعر وخدمات سياحية ذات نوعية، فضلا عن خصائص أخرى تتميز بها تونس حسبهم عن العديد من الدول المتقدمة التي تعرف بطابعها السياحي الممتاز، وهي عوامل رفعت عاليا سمعة السياحة التونسية ومن قدراتها من حيث التنافسية مقارنة ببعض الوجهات بجنوب حوض البحر الأبيض المتوسط«. وردا عن سؤال يقول: هل هناك منافسة في السياحة بدول حوض المتوسط؟ أجاب السيد ''شراد'' بدون تردد: »لا، ولا يمكن الحديث أبدا عن وجود منافسة فيما بينها لسبب بسط جدا هو أن عدد السياح الإجمالي في بلدان عديدة بحوض المتوسط يعادل ربع السياح الذين يزورون فرنسا سنويا (75مليون سائح)، مما يجعلها تحتل المرتبة الأولى عالميا، وهذا الواقع يحتم على بلداننا بهذه المنطقة وأخص بالذكر تونس، مصر،المغرب، الجزائر، سوريا، ليبيا والأردن، التنسيق فيما بينها وتكثيف العمل المشترك ضمن استراتيجية مضبوطة وتسخر كافة الإمكانيات والقدرات من أجل مواجهة هذه المنافسة الشرسة«. حوالي خمسة ملايين سائح زاروا تونس هذا العام وبالنسبة لمسؤول الأسواق العربية بديوان السياحة التونسي، فإن: »تأثير الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على قطاع السياحة في تونس لم يبلغ مرحلة القلق، فهو ضئيل بدليل أننا حافظنا تقريبا خلا ل ال (8) أشهر الأولى لهذا العام (من فاتح جانفي إلى31 أوت) على عدد السياح العرب والأجانب مقارنة بذات الفترة من العام الماضي«. وتفيد الإحصائيات الرسمية للديوان الوطني التونسي للسياحة بأن 4 ملايين و890 ألف و167 سائح زاروا تونس في الفترة المكذورة مقابل ما يزيد عن النصف مليون ب 4157 سائح عن ذات الفترة في سنة .2008 أما عدد الجزائريين فبلغ 687 ألف و774 سائح مقابل 709 آلاف و33 سائح خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي، ويعود هذا التراجع الطفيف إلى تزعزع ثقة المتعاملين الأجانب من متعهدي الرحلات، ووكالات أسفار وشركات طيران جراء الأزمة المالية العالمية التي طالت كل بلدان العالم و حتى أقواها ماليا وإقتصاديا ، وهذا أمر طبيعي«. وتجدر الإشارة، إلى أن عدد الجزائريين الذين زاروا تونس رمضان العام الماضي كان بحدود 40 ألف سائح.