حل الدولتين كخيار سياسي لم يهبط من السماء , ولم يكن هبة أمريكية ولا إسرائيلية ولا كرما فلسطينيا . بقدر ما هو نتاج الهزائم العربية المتتالية أمام إسرائيل والخلل الفاضح في موازين القوى وفقدان التوازن الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور القطب الواحد القادر على جر الأنظمة العربية بالترغيب أوالترهيب خلف ذيل قاطرته نحو المجهول . وأيضا نتاج غياب الجبهة الوطنية الفلسطينية المتحدة ذات الرؤية الإستراتيجية والتكتيكية الموحدة , القادرة على إدارة الصراع وتنظيم وزج كل طاقات الشعب الفلسطيني في حرب طويلة المدى , والقادرة على الارتقاء بالعلاقات العضوية مع الشعوب العربية والإسلامية وقواها الوطنية . هذه المقدمة أوصلت القيادة الفلسطينية المقررة إلى نتيجة مفادها إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما عرف بالمشروع الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوق الأراضي المحتلة عام 1967 , وكانت اتفاقية أوسلو التي عبر عنها يوسي ساريد أفضل تعبير في مقال تناقلته صحف كثيرة جاء فيه : ز إن إسرائيل اليوم خلقت من جديد , فمنذ إنشائها لم تكن الدولة شرعية في المنطقة التي قامت فيها . وقد ظلت طوال الحقب الماضية قادرة على أن تغزو وتقمع وتنتصر ولكن بلا شرعية . واليوم 13 سبتمبر 1993 اكتسبت إسرائيل شرعية الاعتراف بها ز . ومع ذلك لم يعد هذا الخيار قائماً مع تواصل التهويد والمصادرة والاستيطان وغياب الأرض التي ستقام عليها هذه الدولة رغم الضمانات والاتفاقيات , وهذا ما يعنيه الرئيس عباس اليوم بعبثية العودة إلى المفاوضات . من هنا تتجه الأنظار إلى حلول يرى البعض أنها تضع دول العالم والامم المتحدة والرأي العام العالمي أمام مسؤولياتهم . منها إعلان استقلال الدولة الفلسطينية على كامل حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 كاستحقاق قانوني وشرعي معترف به عالميا , وكانت إسرائيل قد عرقلت ذلك منذ عام 1999 . وهي لن تكون الدولة الأولى التي تقع تحت الاحتلال وما يستدعيه ذلك من مقاومة للاحتلال والاستيطان الذي يقرها ويجيزها القانون الدولي والأمم المتحدة . الحل الآخر ليس خيارا وطنيا بقدر ما هو مطلبي لاستعادة الحقوق المدنية بما فيها درء خطر الترانسفير , وهو لا يعطي كيانا وطنيا ولا سيادة ولا استقلال , هو الدولة ثنائية القومية التي تجمع الفلسطينيين واليهود معاً. فإصرار إسرائيل على مواصلة التهويد والاستيطان وإدارة الظهر للقدس واللاجئين لم يبق للفلسطينيين أرضا يقيمون عليها دولتهم المستقلة . عمليا,إسرائيل لا تعترف بالاتفاقيات السابقة مع الفلسطينيين , وصهيونيتها تحول دون احترام اللاحقة إن حصلت , وهي لم تبق للمفاوضات معنى ولا قيمة سوى كونها ستارا لانجاز مشروعها القومي العنصري على ارض الأجداد الموعودة من الرب . ومن السذاجة بمكان أن يطلب من الفلسطينيين أن يعودوا إلى التفاوض بعد هذه السنين الطوال من الاستيطان الذي لم يتوقف على مرأى ومسمع العالم ، وكان من الأخطاء الفادحة المضي في المفاوضات في ظل الاستيطان والمصادرة رغم الدفع العربي والدولي والوعود التي اغدقتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للفلسطينيين بأنهم سيحصلون في نهاية المفاوضات على دولة مستقلة. إن إسرائيل بسياستها الاستيطانية العنصرية المدعومة علنا من واشنطن والمستفيدة من العجز العربي والدولي قضت على فرص الحل بالتفاوض الثنائي , وهي قد تدفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمصارحة شعبه وتقديم احد الحلين , إعلان استقلال الدولة الفلسطينية المحتلة أو الدولة الواحدة ثنائية القومية . وفي حال ترجيح كفة الدولة ثنائية القومية فالأمر يستدعي من الفلسطينيين إعادة النظر في كل برامجهم بما فيها بقاء السلطة الفلسطينية التي تحملت عبئ الاحتلال . وعندها تكون الحلقة المركزية في النضال ألمطلبي الفلسطيني هو التركيز على حل الدولة الواحدة الثنائية القومية التي يمكن للمسلمين واليهود والمسيحيين أن يعيشوا فيها بمساواة، وفي كل الأحوال هو خيار بديل للمفاوضات الكارثية المحسومة النتائج . ففي ظل المفاوضات يتم تهويد القدس وينتهك الأقصى ويقيم نصف مليون يهودي في أكثر من 240 مستوطنة في الضفة الغربية 37 , في المائة من الاستيطان الجاري يتركز في مدينة القدس، والعرب بداخلها باتوا أقلية , وأكثر من ستمائة حاجز تقطع أوصال الضفة . ومن المؤكد أن إسرائيل لن تقبل بهذا ولا بذاك لان مطلب نتنياهو المعلن هو حل الدولتين على أساس إقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة وبحدود مؤقتة , مساحتها نصف مساحة الضفة , القدس هي العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل ، وقضية اللاجئين يتم حلها خارج حدود إسرائيل ولن تطرح للمناقشة، الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ، والاعتراف الصريح بالدولة اليهودية، والعودة إلى حدود 67 شيئا من الماضي . وهذا ما لا يقبل به الفلسطينيون .