بمجرد أن أعلن حكم اللقاء ايدي مايي انتهاء المباراة الفاصلة التي جمعت الفريقين الجزائري والمصري على أرض السودان بوابة الجزائر إلى المونديال الثالث، خرج كل الشباب الجزائري والعائلات للاحتفال بالانتصار المستحق الذي وقّعه هدف عنتر يحيى ورجل المقابلة دون منازع فوزي شاوشي الذي يرجع له الفضل، ولكل رفقاء زياني وحليش الفضل في ''النصر'' الذي تحقق رغم الظروف ورغم ''الحڤرة'' في القاهرة لتعيش بذلك الجزائر ليلة بيضاء ليس في العاصمة فقط وإنما في 48 ولاية، وهي احتفالات تزامنت مع احتفالات المناصرين بالخرطوم وكذا الجالية الجزائرية التي خرجت بالمئات في شوارع مختلف المدن الفرنسية. تواصلت أمس الإحتفالات التي تعيش على وقعها البيوت والشوارع الجزائرية احتفالا بالفوز المستحق لفريق أثبت بأنه الأجدر بتمثيل الأمة العربية والمسلمة في المونديال، من خلال مهارات وفنيات لاعبيه العالية، فبعد أن عاش الشعب 90 دقيقة من ''السوسبانس'' تُوج اللقاء بانتصار الفريق الجزائري رغم كل الظروف والمعاناة التي بدأت منذ أن وطأت أقدامه تراب ''أرض الكنانة'' التي فشلت رغم كل المكائد المدبرة للنيل من عزيمة رجال الجزائر الذين أعطوا درسا في حسن الأخلاق وفي الروح الرياضية العالية، و ردّوا بالأهداف على الطوب الذي كاد يودي بهم، لا لشيء إلا لأن الجميع كان متأكدا بأنه لا مكان للفراعنة في مونديال 2010 ما دامت المقابلة النهائية تجمعهم بأحسن فريق في المجموعة لم يكن لينهزم، وهي ليست هزيمة في ملعب الرعب لولا المحاولات اليائسة لزرع الرعب والخوف في نفوس اللاعبين التي وعلى عكس ما توقع مدبروها وفي مقدمتهم القنوات الفضائية التي زرعت الحقد في نفوس المصريين وشحنتهم ضد من تصفهم بالأشقاء، ليقف بذلك العالم بأكمله على أبشع صور التآخي من الجانب المصري. حلاوة النصر مميزة حسبما أجمع عليه كل الجزائريين نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا.. الذين حبست أنفاسهم إلى غاية الدقيقة ال ,40 حيث سجل عنتر يحيى هدفا جميلا توّج سلسلة المحاولات التي قام بها كل من اللاعبين صايفي و غزال و يبدة و بلحاج، وهو الهدف الذي جعل الجميع يصرخ ويعبر عن ابتهاجه بعد السكوت الرهيب الذي ساد الأحياء والشوارع العاصمية و في مختلف الولايات. وقد كان الجزائريون على يقين بأن السودان فأل خير وقد أثبت أنه شعب شقيق بالفعل، بتخصيصه استقبالا مميزا للاعبين الذين عبروا عن فرحتهم للحفاوة والكرم الذي قوبلوا به ولم يكونوا يتوقعوه، لا سيما وأن أغلبهم لم يلعب في السودان، على عكس مصر ''الشقيقة'' التي استقبلتهم بالطوب كما توعد به المنشطون أو ''الكابتن'' كما يحلو لهم تسمية أنفسهم بعدما انتقدوا بشدة مبادرة الوردة. وأجمع المواطنون أن الفضل في هذا النجاح يعود إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يتابع باهتمام بالغ الظروف الصعبة التي عاشها المنتخب الوطني في مصر، وكذا المشوار المشرف والوجه الحسن الذي ظهر به الفريق الوطني طيلة التصفيات، ورغم أنه دخل من أجل افتكاك تأشيرة كأس افريقيا إلا أنه وبجدارة أذهلت الجميع افتك تأشيرة أول مونديال تحتضنه القارة السمراء وتحديدا جنوب إفريقيا في جوان .2010 وقد ساند الرئيس بوتفليقة الذي أشاد الجميع بمبادرته من لاعبين وطاقم فني، ولكن قبل ذلك الشعب الجزائري برمته الفريق الوطني و وقف معه الى غاية آخر لحظة، حيث قدم تسهيلات لنقل المناصرين إلى الخرطوم التي اختارتها مصر ولم تعترض عليها الجزائر التي تأكدت مرة أخرى أنها شعب شقيق بالفعل وليس كلام فقط، وحطت عشرات الطائرات في مطار العاصمة السودانية يومان قبل المقابلة واليوم الذي جرت فيه الأخيرة. واعتبر الجزائريون فوز منتخبهم الوطني إحقاقا للحق، فالعدالة الربانية موجودة لا سيما بعد الإهانة التي تعرض لها الأنصار في القاهرة، وكذا التهجم على المنتخب الوطني ودخول اللاعبين بالضمادات إلى ملعب ''الرعب''، وهي نفس الانطباعات التي أدلى بها اللاعبون الذين أكدوا بأن دماء رجال الجزائر وأبطالها الذين شرفوها سيكون ثمنها المونديال، لا سيما وأنهم أثبتوا والمناصرين بأن همهم الوحيد كرة القدم، لكن ليس بأي ثمن بل باللعب والمهارات الفنية العالية فقط، وفي هذه الحالة الفوز للأحسن والأجدر، وهو ما أثبته أشبال الشيخ سعدان الذي كان متيقنا مثله في ذلك مثل رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم بأن المنتخب الوطني سيفوز لا لشيء إلا أنه الأحسن بشهادة المختصين والمحليين الرياضيين على مستوى الوطن العربي والعالم. وإذا كانت ''الفيفا'' لم تنصف الجزائر والتزمت الصمت إزاء الأحداث البشعة التي راح ضحيتها اللاعبون الجزائريون، مفضلة بذلك تشويه صورتها بانتهاج سياسة الكيل بمكيالين، فإن الجزائر أكدت لها وللمعتدين بأنها ليست في حاجة لأحد لتفك حقها وتثبت وجودها دونما اللجوء إلى الأساليب الملتوية والتعنيف، وإنما من خلال اللعب الذي خلق ذعرا لدى المنلفس الذي كان متيقنا هو كذلك من فوز المنتخب الجزائري، ويعطي درسا للإعلام المصري في الروح والاخلاق وليس الرياضة فقط، بعدما حاول هذا الأخير عبثا تشويه صورة الجزائريين لاعبين وأنصار في حين صنع أنصاره الفضيحة لأن التاريخ يشهد بأنه لم يتعرض أي لاعب أو مناصر من وطن عربي أو غيره للعنف والضرب، على عكس المناصر المصري التي سيبقى ما فعله وألحقه بالجزائريين وصمة عار ألصقها ب ''أم الدنيا''، لتظهر بذلك الحقائق التي حاول الإعلام المصري إخفاءها ويتحمل مسؤولية الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها بشحن شعب بلده ضد شعب ''شقيق'' من أجل كرة قدم فقط، ستكون لها تبعات حتما ولن تمّحي من ذاكرة الجزائريين. وفي المقابل أكد الجزائريون بأن السمعة الطيبة التي يتمتعون بها بعيدا عن العقد والنرجسية في مستوى أبطال الجزائر التي تبقى شامخة وتحظى بالمكانة التي تليق بها بين الأمم.