... وثالثا أن تكون هذه النفس التي لا تظلم نفس شخص ضعيف، هزيل، مغلوب على أمره، فأنى له أن يقدر على الظلم، فشأنه شأن الوحش الذي قلمت مخالبه، وانتزعت أنيابه.. هذا مثله مثل المارد المسجون في قرورة محكمة الغلق فهو لا يظلم رغم أنفه، وإن نازعته نفسه أو حدّثته بالظلم فهو عاجز فلا فضل له أن يظلم أو يعدل...ومن النّاس من يدعى أنه مصلح وهو مفسد، وهذا ثابت في القرآن العظيم وهو قول اللّه العليم الحكيم: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا بل نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون..} وقوله تبارك وعلا: {قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا، اللّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك اللّذين كفروا بآيات ربّهم، ولقائه، فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنّم بما كفروا، واتّخذوا آياتي ورسلي هزؤا..}.هذا وإن الشرك لظلم عظيم، ومن أنواع الشرك أن يعتقد العبد أن مخلوقا من مخاليق اللّه يستطيع أن ينفعه ويقضي له حاجته فينزلّف إليه لأنه ذو جاه أو مال، وسلطة أو نفوذ فلا يتورع من أن يرشيه والرشوة محرمة تحريما بيّنا لا يقبل النقاش لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم »لعن اللّه الراشي والمرتشي والساعي بينهما«.وقول اللّه تعالى {ولا تدلوا بأموالكم إلى الحكام لتأكلوا أموال الناس بالباطل..}، أن تأخذ حقا ليس من حقك أو تأخذ حقك على حساب غيرك ظلم شنيع.وأن تستغلّ المنصب الذي تتقلده لخدمة أغراضك الشخصية وأغراض أقربائك وأصدقائك، على حساب الرعية فتصبح مصالحهم وتخدم دناءتك الخسيسة ظلم لا يغفره اللّه لك وخيانة للأمانة، وخيانة الأمانة خزي وندامة يوم القيامة، وذلك يوم لا يشفع لك فيه أحد، فليس من محام، وتنعدم فيه الوساطة والمحاباة، والتدخلات. شيء واحد يشفع لك سلامة قلبك من الأدران، وعملك الصالح.. أن تقرأ كتاب أخيك بغير إذنه ظلم أو تقرأ رسالة كتبها إلى صديق أو قريب له أو إلى أي جهة كانت أو تطلع على رسالة وصلت إليه من أي مصلحة من المصالح الإدارية أو غيرها دون علمه وبغير إذنه حرام وظلم لقول المعلم الأمثل رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، »من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينظر في النار« أفلا تتحرى أيها الإنسان المؤمن الوقوع في الظلم فإن وقوعك في الظلم هو وقوع في هوّة سحيقة ما لها من قرار...أم تظن لأنّك صاحب السلطان أو أنك أنت السلطان تنجو من عذاب السلطان فكيف لك أن تنحو من عذاب من لا سلطان إلا سلطانه ومن لا شأن إلا شأنه، ومن لا برهان إلا برهانه ومن لا أمر إلا أمره، ومن لا نهي إلا نهيه .. إن أمره بين الكاف والنون، إنما إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون إن أمره سريع النفاذ في أقل من لمح البصر ..فكم هم اللّذين قلب بهم ظهر المجنّ، فوقعو في المحن، وتبدّل، وتغيّر عليهم الزمن، فتنكرت لهم الدنيا، وأدبرت عنهم بعد أن ظنو أنهم يملكون زمامها، وأنهم هم أسيادها، وحكامها، فآل حالهم إلى البؤس، فقضو نحبهم على اليأس، وذلك واللّه أسوء ما ينتهي عليه عمر الإنسان ويختم أجله .. إن اللّه يدافع على الذين آمنو، وعد من اللّه حق إن اللّه لا يخلف الميعاد .. ومن الأدعية المأثورة عن الصالحين »اللّهم إضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين«، فما أعظمه من دعاء لو تتدبرنا، وتفكرنا فيه لو كانت لنا أذن صاغية، وقلوب واعية .. وأسأل السميع المجيب أن يهدينا سواء السبيل، وألا يجعلنا من القوم الظالمين، وأن تصرف عنا الشر، ويبعد عنا أذى المعتدين .. أمين يارب العالمين يا أرحم الراحمين .. أرأيتم لماذا تؤلمني تلكم الحروف الثلاثة من حروف الأبجدية الضاء واللاّم والميم، أمحقّ أنا أم تروني أثيم؟ مهما يكن فإن اللّه هو العليم الحكيم ..»ولا تحسبن اللّه غافلا عما يعمل الظالمون« ------------------------------------------------------------------------