في عملية البحث عن أسباب إخفاق مؤسسات تربوية في العديد من ولايات الوطن، تحقيق نتائج إيجابية والرفع من المردود البيداغوجي، تكتشف وزارة التربية الوطنية فجأة أن الصرامة والأنضباط داخل هذه المؤسسات يشوبهما الكثير من الخلل، وأن المؤطرين المباشرين لا يقومون بدورهم في فرض احترام اللوائح والتعليمات وفي توفير كل شروط العمل، مما استوجب وضع »عساكر« لمراقبة عملية التسيير البيداغوجي داخل المؤسسات المدرسية، في شكل جهاز يشرف عليه مفتشون تربويون. ولا يقتصر الإهمال على بعض المؤسسات التربوية في ولايات معينة ومعظمها تقع في مناطق الجنوب مثلما تحاول الوزارة التركيز عليه لاعتبارات وأسباب ترتبط بالبعد الجغرافي، إنما الإهمال طال مؤسسات في العاصمة والولايات الأخرى المجاورة لها والأمثلة على ذلك موجودة، وهي ظاهرة أصبحت تؤثر مباشرة على النتائج الدراسية، خاصة أمام اللامبالاة المتزايدة لبعض مدراء المؤسسات، الذين لا يعبأون بالتأخر المسجل في إنهاء المقرر الرسمي، حيث يتم التركيز في أحسن الحالات على الأقسام النهائية، التي تعرف نوعا من التدافع في الدروس الأخيرة مع اقتراب موعد إجراء الامتحانات الرسمية، لتطفو إلى السطح ظاهرة سلبية أخرى وهي ما اصبح يعرف بعملية ''حشو الدروس'' وبعيدا عن الرقابة البيداغوجية، يلجأ معلمون وأساتذة إلى »تدريس« عدة دروس في حصة واحدة وبمعدل درسين على الأقل، ويتم ذلك على حساب قدرة الاستيعاب لدى التلميذ خاصة في المواد التي تعتمد على الحفظ مثل التربية الإسلامية والتاريخ أو الجغرافية وغيرها... أما عن الأقسام الأخرى غير المعنية بامتحانات نهاية الأطوار الثلاثة المعروفة، فإنه من النادر جدا أن يول أي اهتمام لعملية إنهاء المقرر الرسمي، أي انعدام المتابعة. ولأن البرنامج الدراسي يتوزع على عدد سنوات كل طور ومرتبط بشكل وثيق، فإن أي تأخر في أي سنة دراسية يعني التأثير المباشر على السنوات الأخرى الموالية، ويجر معه التلاميذ تداعيات هذا التأخر إلى آخر سنة في كل طور، مما يفسر إلى حد كبير ضعف المستوى على أعتبار أن سنة الأساس بدأت بنقائص، وتتراكم هذه الأخيرة على أمتداد كل مرحلة أو طور، وهو مشكل خطير يواجه المنظومة التربوية بأكملها، وتفطن وزير القطاع إليه، ووعد العام الماضي بأن تتم المتابعة بصفة دورية أي أن التقييم البيداغوجي لن يقتصر على الأقسام المعنية بامتحانات آخر السنة، إنما متابعة مدى تطبيق البرامج الرسمية سيشمل ابتداء من السنة الدراسية الحالية الأقسام الأخرى العادية، فالتحضير لشهادة البكالوريا لا يقتصر على السنة الثالثة ثانوي فقط، إنما يتم الإعداد لها ابتداء من سنة الأساس أي الأولى ثانوي وهكذا... خطة العمل الجديدة المعلن عنها من قبل السيد بن بوزيد وزير التربية الوطنية، يفترض أنها ستأخذ بعين الاعتبار ليس فقط الجوانب المرتبطة بالغياب سواء من طرف المعلم أو التلميذ، وإنما كل ما يتعلق بأسباب تراجع المستوى في المؤسسات التي تعاني من مشاكل بيداغوجية، وتقييم مدى تطبيق المقرر الدراسي والذي كان يفترض أن ينطلق مع بداية السنة الدراسية، وليس في منتصف السنة. مزيان مريان : ضرورة توفير كل ظروف العمل وحول النظام الجديد التي تريد الوزارة اعتماده من الآن فصاعدا لتحسين مستوى تسيير المؤسسات التربوية صرح السيد مزيان مريان الأمين العام »للكنابست« في تصريح »للشعب« : أن المردود البداغوجي في قطاع التربية، لا يجب أن يشمل فقط المدير والتلميذ والغيابات وغيرها مما ورد في جديد وزير التربية، على اعتبار أن المسؤولية، تقع على الجميع، وإنما على مدى توفير كل شروط العمل داخل المؤسسة بدءا بتحقيق مطالب الأساتذة والمعلمين وكل عمال القطاع. فالوزارة يؤكد نفس المتحدث مطالبة بأن تجد الحلول المناسبة للانشغالات المطروحة التي قد تعيق الأستاذ عن أداء دوره على أحسن وجه وبالتالي قد تنعكس سلبا على مستوى المردودية البيداغوجية. وتوفير الشروط الملائمة للعمل تعني المطالب المطروحة على مستوى المفاوضات المتواصلة مع الوصاية التي انطلقت في نهاية العام الماضي في إطار لجان خاصة، وقد تعطي أولى نتائجها في الشهر القادم، مثلما أوضحه مزيان مريان الذي يبدو أنه لا يهتم كثيرا بالتعليمة الصادرة عن الوزارة الأولى حول تقليص المنح من أربعة إلى واحدة فقط بقدر إهتمامه بالنسبة التي تصل إلى 50٪ من الأجر القاعدي كما ورد في المطالب المرفوعة إلى الجهات المعنية، وذلك من أجل تحسين القدرة الشرائية للموظفين وإلا فإنه لا مناص من العودة إلى الاحتجاج وشل المؤسسات التربوية من جديد، حتى لو كان ذلك على حساب التلاميذ، الذين هم أولادنا أيضا يقول مزيان مريان متسائلا عن حرمان عمال القطاع من حقهم في رفع مستوى معيشتهم تماشيا مع تدهور القدرة الشرائية في حين أن النواب يتقاضون 33 مليون سنتم شهريا على حد قوله مقابل حد أدنى للأجور لا يتجاور 15,000دج. بوجناح : من الأفضل تطبيق مشروع المؤسسة أما السيد عبد الكريم بوجناح الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال التربية فقد انتقد الطريقة التي تحاول من خلالها الوزارة ضبط عملية تسيير المؤسسات التربوية عبر لجنة المتابعة التي ستتخذ جملة من الإجراءات للحد من الغيابات غير المبررة للأستاذ والمدير على حد سواء، حيث أعتبر أن الفصل عن العمل بعد ثلاثة غيابات غير مبررة التي تنوي الوزارة تطبيقها هو إجراء منافي للقانون الذي يعطي للموظف حق التغيب 24 نصف يوم في السنة وليس ثلاثة أيام في السنة يقول بوجناح الذي تساءل عن دوافع هذه الإجراءات في وقت لا يقوم فيه المفتش بدوره في عملية التفتيش البيداغوجي. ويرى بوجناح أنه ومن خلال تطبيق مشروع المؤسسة يمكن التحكم في ظاهرة الغيابات ومعالجتها بطريقة بيداغوجية، وبالتفاهم مع المعلم أو الأستاذ التي تضطره بعض الظروف إلى التغيب لفترات معينة شريطة أن يلتزم بتعويض الساعات »الضائعة«. وعن مسار المفاوضات مع الجهات الوصية، أكد نفس المتحدث أنه لايوجد أي جديد يذكر في إنتظار عقد النقابة لمجلسها الوطني الاستثنائي المقرر اليوم بالعاصمة لبحث آخر المستجدات على مستوى الملفات المطروحة وخاصة النظام التعويضي والخدمات وسن التعاقد الذي يراد فرضه على عمال القطاع في ال 60 من العمر، فضلا عن نقاط أخرى مرتبطة بالضريبة على الأجر القاعدي والقانون الخاص وضرورة دراسته على نحو يمكن النقابة من بلورة أفكار محددة تكون قابلة للتطبيق وتصب في اتجاه مصلحة الموظفين.