شكل الاجتماع الوزاري لدول منطقة الساحل الذي احتضنته الجزائر أول أمس محطة حاسمة لتوضيح جميع الرؤى حول ما يحدث في منطقة الساحل ومنه التصدي بحزم مستقبلا لجميع محاولات أفغنة المنطقة وتغيير المعاملات مع كل من تسول له نفسه تمهيد الطريق لقوى الشر من أجل إقامة القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة وجعلها بؤرة توتر وسوق سلاح يلتهم أموال التنمية لشعوب المنطقة التي تعاني ويلات الفقر والحرمان والبؤس وتدهور المحيط وهي الملفات التي لم تعد تخفى على أحد،وسيكلف التهاون في حلها لدول المنطقة أخطارا كبيرة قد تصل إلى فقدان السيادة وزرع النعرات القبلية لإثارة الفتنة بين السكان والمحليين ومنه تكسير الدول وتمكين الشركات متعددة الجنسيات من السيطرة على آبار النفط ومناجم الذهب واليورانيوم ومختلف المواد الأولية التي تكتنزها دول الساحل في باطنها. أسقطت مبادرة الجزائر المتعلقة بتجريم منح الفدية للإرهابيين القناع عن سماسرة الإرهاب والأطراف التي تقف وراء تنامية وتشجيع النشاطات المتطرفة التي تبين أنها تتجاوز تطرف بعض الأفراد حيث ضبطت العديد من الدول والحكومات متلبسة بمنح ما يطلبه وما يمليه الإرهابيون لعقد صفقة معهم واستغلالهم مستقبلا في تسهيل مهمة الدول الغربية لاكتساح المنطقة من خلال مخطط عمل واضح ودقيق ووفقا لخريطة زمنية معينة،وهو ما أيقنته وتفطنت له الجزائر التي رفعت من لهجتها تجاه الجهات التي فضلت الاستسلام لمخططات المتربصين بالمنطقة وشعوبها ووافقت على منحها صك بياض للاستيلاء على المنطقة مقابل مبلغ قد لا يتعدى بعض الملايين من الدولارات أو نسب لا تتجاوز 10 بالمائة في مختلف مشاريع التنقيب والبحث عن المواد الأولية لتجد الشعوب بعدها عبيدا في أرضها. وأصابت الجزائر عندما جرمت الفدية من جهة لقطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية للتزود بالأسلحة والذخيرة وتوسيع نشاطاتها ومن جهة أخرى للتعرف على خلفيات بعض دول شمال ضفة المتوسط كفرنسا واسبانيا اللتان ما فتئتا يصدران بيانات تحذير لرعايهم من السفر إلى دول الساحل ومن جهة أخرى نلاحظ إرسال بعض الأفراد المشكوك فيهم كجواسيس للتوغل ومحاولة اختراق الجماعات الإرهابية المنتمية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي أو نسج علاقات معها واستعمالها في الضغط على حكومات وأنظمة دول الساحل وهو ما قد يحصل مستقبلا. واستغرب الجميع إطلاق سلطات باماكو سراح أربعة إرهابيين كاستجابة لمطالب جماعات إرهابية اختطفت رعية فرنسي وتبين فيما بعد أن سلطات باريس تكون قد دفعت المقابل وهو ما يؤكد بأن الجماعات التي تنشط في هذه المنطقة ليست بريئة وهدفها ليس الاختطاف بقدر ما هو تنفيذ لاستراتيجيات محبوكة جيدا بين باريس ومدريد ولندن وصولا إلى واشنطن وبإيعاز من إسرائيل التي تبحث عن التوغل في القارة الإفريقية بكل الطرق لتحضير خريطة المستقبل الطاقوية والتي تعرف تناحر كبير بين مختلف دول العالم. وما يزيد في صحة هذه الافتراضات هو الحضور القوي لوسائل الإعلام الأجنبية لتغطية قمة وزراء دول الساحل في الجزائر وهو الاهتمام النابع مما تحضره الدول الغربية للمستقبل وما زاد في تصديق افتراضاتنا هو حضور صحفيين من الصين لتقصي ما يحدث والاحتياط من أي سيناريوهات قد تعرقل المصالح الصينية في القارة الإفريقية حيث شكل ارتفاع الصادارت الصينية نحو إفريقيا إلى 100 مليار دولار وهو رقم سيرتفع ويتضاعف في ظل استحواذ الشركات الصينية على معظم الصفقات والمشاريع في القارة،ومنه فالصراع الخفي بين العملاق النائم والدول الغربية زاد من حدة التوتر في مختلف الدول الإفريقية فمثلا في السودان حققت العديد من الشركات الصينية فوزا باهرا في تحقيق شراكة مع الخرطوم ومنه قطع الطريق أمام الغرب الذي صعد في ضغوطاته بشأن قضية دارفور واستفتاء تقرير المصير من خلال لعب ورقة الجنوب ذو الأغلبية المسيحية لتكسير دول الساحل وخلق الشقاق فيما بينها لربح معركة الوقت وتمهيد الأرض لبناء المخططات الغربية. ويدخل مسعى توتير العلاقات بين التشاد والسودان في مجال خطة فرنسية أمريكية للسيطرة على مناجم اليورانيوم في النيجر والشروع في عمليات تنقيب واسعة ،وقد يكون الانقلاب العسكري على حكومة مامادو تانجا الذي رحبت به الولاياتالمتحدةالأمريكية خطوة أخرى لتنصيب أفراد في السلطة من أجل تسهيل تجسيد التصورات الغربية في المنطقة،وهو نفس سيناريو ما حدث في موريتانيا التي تشهد منذ انتخابات الرئاسة الأخيرة موجة اختطافات ونشاطات مكثفة لعناصر القاعدة وقد يكون هذا تمهيدا لطلب المساعدة الخارجية للتصدي للإرهاب وهنا ستتدخل فرنسا لاقتراح المساعدة لحكومة نواكشوط وكذا تامين مشاريع التنقيب عن النفط ومختلف الثروات الأخرى. وسبق وأن بعثت مدريد بخبراء أمنيين لمساعدة دول الساحل على التصدي لتنظيم القاعدة وأعقب تلك الخطوة اختطاف رعايا اسبان في موريتانيا وهو ما قد يكون اختراقا للجماعات الإرهابية التي باتت أحسن ممر للوصول إلى ضمان الحق في الثروات الطاقوية والأولية. وتبذل الجزائر مجهودات كبيرة لتحسيس دول الجوار من المكائد التي تحاك ضد منطقة الساحل وعلى حكومات الدول تحمل مسؤولياتها تجاه التاريخ وشعوبها خاصة التي تعاني ويلات التخلف وإذا لم تكثف تلك الحكومات التنسيق والتشاور فيما بينها من خلال إنشاء جلسات عمل ومشاريع مشتركة في حميع المجالات ستندثر لا محالة في ظل عالم تسوده العولمة وزحف المصالح على حقوق الشعوب وعلى دول الساحل أن تتمعن فيما يحدث للعراق وأفغانستان والصومال والسودان وفلسطين.