أكد مصدر قبلي مسؤول في شمال مالي للشروق أن تنقل المبعوث النمساوي إلى باماكو لم يكن لدعم جهود البحث عن مكان الرهينتين، بل عن بيئة مناسبة "غير محرجة دبلوماسيا في العلاقات مع الجزائروتونس، وأكثر أمنا بالنسبة للخاطفين". ويرجح ان الرهينتين في مخبإ أرضي في أطراف الصحراء بعيد عن ساحة التفاوض المفترضة "يعلم الجميع هنا أن الإرهابيين لن يغامروا بوضع كل البيض في سلة واحدة، بل ربما سيكون أفضل لهم أن يفرقوا ما بين الرهينتين ويوزعونهما على موقعين مختلفين، كما كان الأمر العام 2003".. ويبدو أن هذه التحركات لا تعدو ان تندرج ضمن التحضيرات الجارية لتسيير الشوط الثاني والأطول من عملية الاختطاف، أي مفاوضات الأخذ والرد بين الخاطفين والحكومة النمساوية بعد انتهاء المهلة الأولى التي لم تأت سوى لربط الاتصال. ويعتقد أن القاعدة أخذت الوقت اللازم من أجل إخفاء الرهينتين في مخبإ أرضي آمن، وتقاسمت الأدوار قبل تبنيها العملية، حيث يقوم عبد الحميد أبو زيد بحراستهما ونقلهما وإيوائهما وبعيدا عنه بمسافة كبيرة سيتكفل أمير المنطقة التاسعة يحيى أبو عمار (يحيى جوادي) بالتفاوض مع الوسيط الذي يتم اختياره. وقال ذات المصدر في حديثه للشروق، وهو أحد كبار أعيان المنطقة الذين تم الاتصال بهم للمساعدة في إنهاء أزمة الرهائن، إن السفير النمساوي السابق في فرنسا "أنتون بروآسكا"، التقى فعلا الرئيس أمادو توماني توري الذي كان محاطا بمسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع، وكان المبعوث النمساوي مرفوقا بضابط من جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي الذي ترتكز مهمته على "المساعدة في إيجاد وسيط ملائم يفاوض الخاطفين وجها لوجه"، وهو من يكون قد نصح النمساويين بالعمل على نقل الاتصالات المباشرة الى مالي حتى ولو كان الخاطفون خارج أراضيها "دون أي دولة أخرى بما فيها النيجر"، لتسيير مرحلة ما بعد انتهاء المهلة الأولى التي حددها الخاطفون لأجل تنفيذ مطلبهم المعلن، حتى الآن، وهو إطلاق سراح عدد من أمراء القاعدة المسجونين في تونسوالجزائر قدموا للسلطات النمساوية قائمة بشأنهم في وقت سابق. وتم التداول فعلا في عدة أسماء "يمكنها فعل شيء" على أساس انها قد تكون مقبولة لدى الخاطفين، ومن بين الأسماء التي تسربت، اسم الزعيم التاريخي للمتمردين التوارڤ "إياد أق غالي" الذي تم تعيينه مؤخرا قنصلا لمالي في مدينة جدة السعودية، وكان إياد غالي، برعاية ليبية، هو الوسيط الأساسي بين الحكومة الألمانية وعبد الرزاق البارا العام 2003، ويعتقد انه على يديه مرت الفدية اللغز التي حررت الرهائن الألمان، لكن غالي، تضيف مصادرنا، يرفض هذه المرة عرضا جديدا للعب، أي دور وسيط في تحرير الرهينتين النمساويتين، لعدة اعتبارات أهمها "الجرح الغائر" الذي تركته المواجهات الدموية العام 2006 ما بين عناصر من الجماعة السلفية بقيادة عبد الحميد أبو زيد نفسه وحركة المتمردين التوارڤ (تحالف 23 ماي من أجل التغيير)، التي كان إياد غالي حتى ذلك الوقت زعيمها السياسي، ويعمل حاليا قائد العمليات في الجيش المالي في منطقة الشمال العقيد الحاج أق قامو، بالبحث عن وسيط آخر، ولا يعرف إن كان من قبيل الصدفة أم لا، أن الحاج أق قامو ليس سوى القائد العسكري في أحد الفصائل التارڤية المسلحة التي قادها حتى العام 1992 قنصل مالي، الجديد في تمنراست عبدالرحمان قلة. العثور على سيارة تحمل مواصفات مشابهة لسيارة الرهينتين إلى ذلك علمت الشروق أن وحدات من قوات المظليين الجزائرية قامت بعملية مسح شاملة، اقتحمت فيها كل المخابئ التي اعتاد الإرهابيون والمهربون استعمالها في عملياتهم، بما فيها المغارات والأخاديد المحفورة في الصخور التي استعملها البارا لإيواء رهائنه من السياح الألمان العام 2003، لكنها لم تجد أثرا لشيء، كما تحصل الطرف الجزائري من النمساويين على بطاقة تقنية مفصلة حول السيارة التي كانت بحوزة الرهينتين لحظة خطفهما، لأجل التعرف إليها إن وجدت، وقد عممت هذه البطاقة على كل وحدات حراسة الحدود والجمارك وكل الأقسام الأمنية الأخرى، وهو إجراء فعلته تونس كذلك، ونقلت بعض المصادر أن السلطات التونسية "ربما تكون قد وجدت سيارة متعددة الأرضيات يعتقد أنها تحمل مواصفات مشابهة" منزوعة منها لوحة الترقيم وكذا المقاعد ما عدا المقعدين الأماميين، كما انتزعت منها البطاريات الشمسية وخزان المياه والراديو وجهاز التعقب، لكن لا يمكن حتى الآن الجزم بأنها هي نفسها سيارة الرهينتين. وبشأن سؤال عما إذا كان المفاوضون قد وصلهم أي مؤشر على مبلغ الفدية أو طبيعتها، قال مصدرنا إن المنتظر هو أن الخاطفين سيقدمون رقمهم حول قيمة الفدية في اتصال متوقع بعد الساعات الأولى التي تلي نهاية المهلة، وعلى أكثر ترجيح قبل نهاية الأسبوع الجاري، وأضاف "من الطبيعي أنهم سيرفعون الفدية الى مستويات عليا ثم يبدأون في التخفيض".