سالم زواوي الانتخابات التشريعية الجاري تحضيرها حاليا، تعتبر من أغرب وأعجب الانتخابات التي جرت حتى الآن في الجزائر والعالم. فهي الانتخابات الوحيدة التي تجري بدون أي برنامج انتخابي لأي حزب من الأحزاب وأي مترشح من المترشحين، ماعدا التنافس على برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المستهلك والذي قطع أشواطا بعيدة ولا يعتبر بحاجة إلى من يسانده أو يدعمه أو يشرف على تطبيقه. لأن ملامحه وأهدافه واضحة، والقائمين على إنجازه معلومون، ولا يحتاج حتى إلى الحديث عن إمكانية نجاحه أو فشله، لأن ذلك لا يعني إلا صاحبه المسؤول الأول والأخير عنه ولا دخل فيه لمن يلتحقون بالقطار في منتصف الطريق أو في آخره. ولذلك، يقتصر الصراع الانتخابي كله كما يلاحظ على الترشح وتبوأ الأماكن الأولى في قوائم الترشيح التي تضمن فيما بعد مكانا تحت قبة البرلمان وما يوفره ذلك من مستقبل مادي مضمون وزاهر لصاحب الحظ من أجرة مالية خيالية وتعويضات تفوق التصورات، ومن أجل ذلك لا يتردد الكثيرون من الطامحين إلى هذه الحظوة في إنفاق الأموال الطائلة لشراء الأماكن الأولى في قوائم الترشح وهذا باعتراف المسؤولين الكبار في الأحزاب "الكبيرة" و"الصغيرة". ولذلك، يوزع المترشحون حسب ما تقتضيه الأهداف المذكورة على المناطق والدوائر الانتخابية بدون أدنى منطق أو ضمير إنساني أو حتى انتخابي، فيتم إنزال مترشح من منطقة أو ولاية بعيدة على دائرة انتخابية في ولاية أخرى لا تعرفه من قريب أو بعيد ويفرض على ناخبين لا يعرفونه ولا يعرفون شيئا عن سلوكه ونواياه وأهدافه، كما حدث على سبيل المثال بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني الذي فرض مناضلا منه من مدينة قسنطينة على الناخبين في دائرة فرجيوة وتركته يستغل منصبه الوزاري وإمكانات الدولة والمجتمع في التعريف بمآثره وقدراته قبل بداية الحملة الانتخابية، أو بالنسبة لحزب العمال الذي فرض مترشحة من أم البواقي على ناخبي ولاية قسنطينة وهكذا.. هذا بالإضافة إلى ما يشاع عن تخصيص السلطات من وزارة الداخلية ووزارة المالية لمبالغ ضخمة توزع على الناخبين لشرائهم لتكتمل المؤامرة الكبرى على العملية الانتخابية وعلى الديمقراطية وعلى الناخبين الذين اعتادوا على الهرولة إلى الصناديق دون تفكير أو تدبير. وهكذا يبدو أن الجزائر، من ناخبين وأحزاب وسلطات، لم تستفد من دروس الانتخابات السابقة المتميزة بالتزوير الشامل والكامل لجعل العملية الانتخابية عامل انفراج سياسي واجتماعي وأمني وعنصر تقدم وعصرنة للمجتمع والحكم، بل انتقلت من التزوير إلى عملية أخرى أكثر مبعثا على القلق والقرف وهي عملية بيع وشراء الناخبين ورؤوس قوائم الترشيح، وهذا ما يجعل إلغاء الانتخابات خير من إجرائها.