تملك العائلات الجزائرية أكثر من 200 طن من الذهب في شكل مجوهرات وحلي في البيوت، أي ما قيمته حاليا 800 مليار دينار، كثروة مجمدة ومعرضة للضياع والتهريب إلى الخارج أمام الارتفاع القياسي لأسعار الذهب العالمية وزيادة الطلب العالمي على هذا المعدن الثمين مرتين أكثر من الإنتاج الإجمالي لكل المناجم في العالم، حسب ما صرح به رئيس فدرالية صناع الذهب في الجزائر. استضاف منتدى الشروق لأول مرة رئيس اتحادية صانعي الذهب والمجوهرات السيد داني قويدر، ونائبه صديقي سليم فوزي رفقة كبار مصنعي المجوهرات الثمينة في الجزائر ومسيري ورشات توزيع الذهب عبر كل ولايات الوطن، من بينهم السيد عبد العزيز منصور مسير مؤسسة لتحويل الذهب والسيد تومي ناصر عضو المكتب الوطني لفدرالية صانعي الذهب التابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، حيث تحدث هؤلاء عن واقع الثروة المهددة بالزوال بسبب المشاكل التي تواجه قطاع تحويل وصناعة الذهب وفوضى السوق التي لا تحكمها ضوابط أخلاقية، محملين الحكومة الجزائرية جزءا كبيرا من المسؤولية بسبب القوانين الوضعية التي أدت إلى غلق أكثر من 80 بالمائة من الورشات، حيث لم تتبق سوى 50 ورشة فقط تشغل كل واحدة على الأقل خمسة حرفيين ويبلغ استثمارها أكثر من 30 مليون دينار، تعمل في ظروف خانقة معرضة للإغلاق في حال عدم تدخل الحكومة وعلى رأسها وزراء التجارة والصناعة ووزير المالية، حيث ستغلق هذه الورشات خلال الأشهر الستة القادمة. وتعود أسباب الإغلاق حسب ممثلي فدرالية صانعي المجوهرات إلى عدة مشاكل من بينها الضرائب، ونقص المادة الأولية خاصة بعد توقيف الإنتاج في منجم تمنراست من طرف الاستراليين الذين يملكون 52 بالمائة من رأسمال الشركة الاسترالية الجزائرية التي كانت تستغل المنجم وكانت تزود الورشات بحوالي 50 إلى 70 كيلوغراما من الذهب شهريا، مما أفضى في هذه الأثناء إلى انعدام تام في تزويد السوق الوطنية بالمادة الأولية. كما اشتكى الصناعيون في مجال إنتاج المجوهرات مما سموها "العقوبات" وهي الرسوم على القيمة المضافة المقدرة ب17 بالمائة المفروضة من طرف الحكومة على المادة الأولية، أي أن الحرفيين يدفعون أموالا كبيرة كضريبة على المادة الأولية قبل تصنيعها ووضعها في السوق وهو إجراء تعسفي حسب قولهم، لتكون الجزائر بذلك هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض رسما ضريبيا على المواد الأولية . وتفرض الحكومة على أصحاب ورشات صناعة تحويل الذهب منذ 2011 قانون استيراد عتاد جديد وغير مستعمل من الخارج برسوم جمركية تقدر ب22 بالمائة، وهو ما أفقد الحرفيين صوابهم ووجهوا تساؤلات كبيرة قائلين "لماذا يسمح القانون باستيراد مصانع كاملة مستعملة ومجددة في كل الصناعات بما فيها تحويل الذهب ويمنع في المقابل استيراد آلة واحدة مستعملة؟...لماذا تفرض الدولة علينا بحكم القانون شراء أبسط عتاد جديد ب40 ألف أورو ونحن نستطيع الحصول على عتاد إيطالي مستعمل وفي حالة جيدة بسعر لا يتعدى 8 آلاف أورو؟ أليس هذا هدر للعملة الصعبة وعقوبة لأصحاب الورشات؟، نحن ضد القانون الذي لم يشارك في وضعه المهنيون ويذهب في اتجاه واحد، وشرع أساسا من طرف الدولة لتعاقب به الصناعيين في مجال صناعة تحويل الذهب وتتعامل معهم على أنهم أثرياء ويملكون المال وتعاملهم بنقص في الثقة". فبالإضافة إلى النفقات الكبيرة لورشات صناعة المجوهرات تفرض الدولة ضرائب تصل قيمتها إلى 90 مليون سنتيم على تصنيع الكيلوغرام الواحد من الذهب من مرحلته كمادة أولية إلى غاية عرضه في المحلات في شكل ضرائب مباشرة تصل إلى 20 بالمائة، إضافة الى حقوق الدمغة، مما لا يتعدى أعلى ربح لمصنع المجوهرات 7 إلى 8 بالمائة فقط. 16 طن من المجوهرات مستوردة والدولة قضت على نصف مليون منصب عمل على عكس الخطاب الرسمي لوزيري التجارة والصناعة بضرورة حماية المنتوج والصناعة الوطنية المحلية، فتح قانون إنشاء المنطقة العربية للتبادل الحر سنة 2012 السوق الجزائرية على فوضى عارمة وتحويل الجزائر من دولة منتجة للمجوهرات بكل أنواعها وجودتها وتقاليدها وثقافتها إلى دولة "البازار" على حد قول ممثلي الفدرالية، فمن جهة دفعت القوانين والضرائب والعقوبات بالمنتجين المحليين إلى إغلاق ورشاتهم وتسريح اليد العاملة وتحويل نشاطهم إلى مجرد محلات لبيع الذهب المصنوع في الصين والمستورد من دبي، حيث سهلت المنطقة العربية للتبادل الحر للمستوردين إغراق السوق الجزائرية بالذهب وأعفتهم من كل الرسوم أو الضريبة على القيمة المضافة، ويستوردون بسعر أقل ب1000 دينار للغرام من السعر في السوق الوطنية، وهنا يرى المنتجون الجزائريون أن القانون يخدم "البزناسي" ويفلس المنتج، وأضاف رئيس الفدرالية أن اللجوء إلى الاستيراد وغلق الورشات سيضيع على الجزائر فرصة خلق نصف مليون منصب شغل في قطاع صناعة تحويل الذهب والمجوهرات خلال العشر سنوات المقبلة. وقدر حجم السوق حاليا ما بين 14 إلى 16 طنا من المجوهرات كلها مستوردة في حين لا تشكل المجوهرات الجزائرية المعروضة للبيع سوى طن واحد على أقصى تقدير. وأمام هذا الوضع دعا أعضاء الفدرالية رسميا من الحكومة وعلى رأسها وزارة التجارة ووزارة المالية رفع إلغاء الرسم على القيمة المضافة في المادة الأولية وشطب المجوهرات من قائمة السلع المستوردة للحفاظ على الإنتاج التقليدي الثقافي الجزائري، وحماية ما تبقى من ورشات والتي لا يتعدى عددها الخمسين فقط، وطالب هؤلاء الحرفيون وأصحاب المهنة بتشديد الرقابة على ما هو موجود حاليا من ثروة وطنية، هي في رصيد العائلات الجزائرية مجمدة في البيوت، حيث قدرت الفدرالية حجم هذه الثروة بأكثر من 200 طن، على أساس أن كل فتاة في الجزائر تملك معدل 10 غ من الذهب فقط، والرقم أكبر بكثير . وحذرت الفدرالية من خطر تهريب الذهب الجزائري في الحقائب إلى تركيا مقابل الألبسة ومواد التجميل وغيرها من المواد الزائلة، كما طالب أصحاب الورشات الكبرى المحولة للذهب في شكل صناعة مجوهرات من الحكومة السماح إما للصناعيين باستيراد المادة الأولية من الخارج بدون رسم على القيمة المضافة أو أن تقوم البنوك بشراء الذهب من الأسواق العالمية لتزويد الحرفيين. اقتراح إنشاء منتدى دائم حول الذهب اقترح السيد داني قويدر رئيس فدرالية صانعي المجوهرات تنظيم منتدى دوري وبشكل دائم حول الذهب في الجزائر بمشاركة خبراء من كل المجالات والبنوك وممثلين عن الحكومة لإيجاد أفكار اقتصادية لتحريك وتشغيل الكنوز التي تنام عليها العائلات الجزائرية والمجمدة في الخزائن والبيوت، كما يسمح المنتدى بخلق سبل الحفاظ على الثروة أمام زيادة الطلب العالمي على الذهب، بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم أوروبا، حيث توجه كبار الشركات التي كانت تستثمر في العقارات إلى الاستثمار في الذهب كونه ثروة غير زائلة.