كرست نتائج التشريعيات الأمر الواقع، و شرعنت الخارطة السياسية الحالية، عندما عززت مكانة أحزاب السلطة ممثلة في الأفلان والأرندي، فإن كانت نتيجة التشكيلة الأولى فاقت كل التوقعات، فالثانية تمكنت من تعزيز مواقعها ولو بدرجة محتشمة جدا، بعد أن تفوقت الجبهة ب 152 مقعد عليها. هذه النتيجة تفرض ضرورة التوقف عندها، في ظل مؤشرين متناقضين، الأول يخص الدعوة إلى التغيير، والثانية تتعلق بالاتهامات الصريحة التي وجهتها الأحزاب لرئيس الجمهورية، التي قرأت في التذكير بانتمائه المعروف لتشكيلة سياسية لم يسمها بالإسم توجيها لأصوات الجزائريين، فهل ال220 مقعد التي حصل عليها الآفلان مبررة؟ وهل الأرندي حافظ على المرتبة الثانية عن جدارة واستحقاق؟ نتائج الانتخابات في ظل شهادة الملاحظين الدوليين ودمغة لجنتي المراقبة والإشراف والمشاركة القضائية، أسقطت مصطلح أحزاب السلطة بالضربة القاضية، فالآفلان الذي تطالب العديد من الأحزاب بمحاكمته محاكمة شعبية وإدخاله المتحف استحوذ على البرلمان القادم، رغم أن خطابه السياسي برأي المتابعين لم يتطور أبدا رغم المتغيرات التي شهدها المحيط السياسي، فالشرعية الثورية مازالت البرنامج الوحيد للعتيد، والتشبيب مشروع بقي حبيس التصاميم، ومنطق الجهاز مازال أسلوبا وحيدا للتعاطي مع النقاشات الداخلية، فكيف اقتنع الناخب بهذا الخطاب؟ ثاني إشكال يطرح نفسه، في سياق البحث عن أدوات فوز الآفلان يتعلق باللااستقرار الذي يعيشه العتيد والأزمة الداخلية التي يتخبط فيها لدرجة جعلته يدخل المعترك بثلاثة صفوف متخانقة، فهل لتشكيلة سياسية متنازعة على المكاسب والريوع أن تقنع الناخب بالتصويت لصالحها؟ ثالث مؤشر يضع نتيجة الآفلان تحت المجهر، يخص الانتقادات اللاذعة التي وجهت للقوائم الانتخابية التي راهن عليها بلخادم من داخل الحزب قبل الخارج، فهل يعقل لقوائم غير تنافسية أن تحصد أغلبية نسبية، وتتربع على عرش ولايتين بالإستحواذ على مقاعد الدائرتين الانتخابيتين بصفة كلية؟ سؤال آخر يفرض نفسه، يتعلق بسهام الانتقادات التي وجهت لشخص الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم، ومبدأالشكارة ورجال الأعمال الذين بسطوا سيطرتهم على القوائم، فهل سكان الجزائر العميقة اختاروا أن يمنحوا أصواتهم لأصحاب الشكارة، وكيف لهذا المؤشر السلبي أن يفرز نتيجة إيجابية؟ وفي السياق ذاته، هل يعقل أن تكون النتيجة المحصلة من قبل الآفلان، مرتبطة فقط بما ادعته بعض الأحزاب السياسية من أن الرئيس بوتفليقة دخل خط تنافس الأحزاب ونشط حملة انتخابية عشية الاقتراع رجح فيها الكفة لصالح حزب بلخادم على حساب منافسيه، عندما قال في خطابه بمناسبة ذكرى مجازر 8 ماي بسطيف أن إنتماءه الحزبي معروف، وهي العبارة التي قرئت على أنها رسالة ضمنية من الرئيس إلى الشعب للتصويت على هذه التشكيلة السياسية، غير أن هذا الطرح يجعلنا نتساءل: هل الناخب الذي استجاب لدعوة الرئيس، لم يفهم الشطر الثاني من الرسالة والمتعلق بإنتهاء عهد الشرعية الثورية، وضرورة دخول الجيل القديم الى بيته. فكيف للدعوة الأولى أن تؤثر إيجابا ولا يتعاطى الناخب مع القرار الثاني؟ خاصة إذا ما أسقطناه على قائمة الآفلان بالعاصمة. مؤشر اكتساح الآفلان للساحة السياسية، يأتي متزامنا مع دعاوى التغيير حتى من داخل بيت الأفلان، هذه التساؤلات نفسها تنسحب على نتيجة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فهل يصح أن نضع النتيجة التي حققها الأفلان والأرندي في خانة الجواب والرد الشعبي على مطلب التغيير؟ بعيدا عن كل هذا يبقى السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هل بإمكان 220 مقعد أن تجنب بلخادم مقصلة منافسيه ومناوئيه، وهل للنتائج المحصلة أن تقول كلمتها، في ظل تهديدات سابقة أطلقها مناوئو بلخادم، تطالب برحليه مهما كانت نتيجة التشريعيات، وهل بإمكان 68 مقعدا أن تقي أويحيي الرحيل عن الوزارة الأولى؟