استهجنت الأحزاب السياسية تحذيرات السفارة الأمريكيةبالجزائر، مما قالت إنها "تهديدات إرهابية" بتفجير مقر البريد المركزي في قلب العاصمة الجزائر، ومقر التلفزيون الرسمي، واعتبرتها تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للبلاد، ودعت السلطات العليا إلى التعاطي بصفة رسمية مع هذا التدخل بشكل يحفظ للجزائر سيادتها. الأحزاب السياسية أجمعت على أن الموقف الأمريكي مناف للأعراف الدبلوماسية، وينم عن الغطرسة التي تطبع مواقف الإدارة الأمريكية في علاقاتها الخارجية. وهو الموقف الذي عبر عنه الناطق الرسمي باسم حزب جبهة التحرير الوطني سعيد بوحجة، الذي شكك في النوايا الحقيقية للسفارة الأمريكية من وراء نشرها لتوقعاتها، التي تبين فيما بعد أنها كانت زائفة، بالنظر إلى الانعكاسات التي خلفتها على نفسية الجزائريين وكذا الهالة الإعلامية التي خدمت كثيرا المستفيدين من تفجيرات "الأربعاء الأسود" على حد تعبيره. القيادي في الحزب العتيد أوضح في اتصال هاتفي، أن "أسلم طريق كان يمكن أن تسلكه الإدارة الأمريكية أول أمس، هو أن تقدم المعلومة في سرية تامة لنظيرتها الجزائرية، إن كانت نيتها سليمة حقا، وإن كانت فعلا تريد مساعدتها، لكنها فضلت فعل غير ذلك". الأمر الذي دفعه إلى القول بأن الهدف الأمريكي "ربما كان الترويج للعمليات الإرهابية، وخلق توترات وهمية غير واقعية على الصعيد الداخلي". وبرأي سعيد بوحجة فإن هذا الموقف الأمريكي يندرج في سياق استراتيجية أمريكية جديدة تتوخى البحث عن قواعد خلفية في منطقة ما وراء الأطلسي، بعد الرهانات الحقيقية التي تهدد وجودها في العراق وأفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط، لافتا إلى أنها "محاولة للبحث عن انتصارات استخباراتية وهمية لجبر كسر الضربات العسكرية التي يتعرض لها جنودها وجنود حلفائها في العراق وأفغانستان، بموازاة التموقع الجديد للدبلوماسية الروسية على الصعيد الدولي". من جهته، عبد الرزاق مقري، نائب رئيس حركة مجتمع السلم، دعا الإدارة الأمريكية إلى التوقف عن التعامل باستخفاف مع الجزائر، وهو يعلق على "الإنذار الكاذب" لسفارتها بالجزائر، معتبرا ذلك "عملا غير مقبول" بالنظر إلى الإرباك الكبير الذي سببه للجزائريين، وقال "كان الأحرى بالإدارة الأمريكية أن تبلِّغ نظيرتها الجزائرية بما توصلت إليه، في سرية تامة إن كانت فعلا تريد تقديم خدمة للشعب الجزائري". القيادي في "حمس" اعتبر الموقف الأمريكي في اتصال هاتفي، يندرج في سياق "السياسة الإمبراطورية"، وهو موقف منسوخ عن مواقف سابقة كانت قد تعاملت بها مع عدد من الدول العربية، منها المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية. عبد الرزاق مقري نبّه إلى أن ظاهرة الإرهاب أصبحت وسيلة في يد الإدارة الأمريكية تتحجج بها من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكنه أشار إلى أن الموقف الأمريكي في الحالة الجزائرية تُشتم منه رائحة الطاقة، في ظل تنامي استهلاك واشنطن من نفط القارة الإفريقية والذي بلغ 10 بالمائة من وارداتها من الطاقة. وعلى غرار موقفي جبهة التحرير وحركة مجتمع السلم، جاء موقف حركة النهضة، حيث اعتبر رئيسها فاتح ربيعي في اتصال هاتفي، إنذار "السفارة الأمريكة الكاذب" بمثابة التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلاد، ودعا السلطات الجزائرية إلى تكريس الأجواء التي من شأنها أن تكون حائلا أمام تكرار مثل هذه الممارسات. أما جبهة القوى الاشتراكية، فقد شذت عن غيرها من الأحزاب الجزائرية، واعتبرت الموقف الأمريكي تحصيل حاصل، مادام الأمريكيون هم من يقرر مصير البلاد، على حد تعبير السكرتير الأول للحزب كريم طابو، الذي لم يتردد في اتهام السلطة باستغلال تفجيرات "الأربعاء الأسود"، لتجنيد الجزائريين لموعد التشريعيات المقبلة. محمد مسلم:[email protected]