أحجم أغلب الأفارقة المتبقين في الجزائر عن ارتياد مطاعم إفطار الصائم التي تنظمها جهات مختلفة خوفا من أن تطالهم عمليات الترحيل، حيث فضّل هؤلاء الاختفاء والإفطار لوحدهم، في مشهد مخالف تماما للطبعات السابقة، أين كانت الطوابير الطويلة تنتظر أمام تلك المطاعم سيما مطعم جزائر الخير بالدرارية غرب العاصمة، الذي كان يعتبر أكبر مطعم يضم الأفارقة ويفطر فيه يوميا ما يقارب ال600 صائم ليتقلص العدد إلى أقل من 10 أفارقة فقط!! امبراطورية الأفارقة التي شيّدها هؤلاء في منطقة درارية على مر السنوات الماضية انهارت، فالعائلات التي كانت تفترش الطرقات والمساحات وأقبية العمارات لم يعد لها أثر.. "الشروق" زارت في رابع يوم من رمضان مطعم الرحمة الذي تنظمه جمعية جزائر الخير بدرارية، حيث تبرع أحد المحسنين بالمقر وسارع لإنهاء أشغاله وتجهيزه لاستقبال الصائمين. عزوف كبير للأفارقة عن المطاعم خوفا من الترحيل كانت المفاجأة كبيرة، حيث سجلنا عزوفا كبيرا للأفارقة عن الحضور، وهو ما جعل القائمين يفتحون أبواب المطعم لجميع الفئات من سوريين وجزائريين وعابري سبيل، رغم أن كثيرا من الأفارقة ينتشرون في محيط المطعم مباشرة بعد الانتهاء من الإفطار. وحسب ما أوضحه للشروق غرفة محفوظ ،عضو مكتب وطني بجمعية جزائر الخير فإن المطعم يستقبل يوميا حوالي 100 شخص، أغلبهم جزائريون من عابري السبيل وعمال في العاصمة ينحدرون من ولايات أخرى أو أشخاص أدركهم الأذان في الطريق. ورجّح المتحدث أن يكون السبب الحقيقي حسب الدردشات التي جمعته ببعضهم هي عمليات الترحيل التي عرفتها بلادنا في المدة الأخيرة. وما لاحظناه من خلال حضورنا هو عدم دخول الأفارقة للمطعم مع الأفواج الأولى، حيث ينتظرون مدة وكأنهم يحاولون التأكد من عدم وجود أي خطر، كما أنّ منهم من يحضر للمطعم ويأخذ حصّته من الأكل حسب عدد أفراد أسرته أو عدد أصدقائه. متقاعدون ومتطوعون يتنافسون لخدمة الصائمين بمجرد أن تطأ قدماك المطعم يستقبلك فريق عامل يحرص على خدمة الصائمين، امتزج بين شباب جامعيين وشيوخ متقاعدين يتنافسون في السهر على إدخال المواطنين وتوجيههم وتلبية طلباتهم. وينقسم هؤلاء بين من يوزع الأكل وبين من ينقله إلى الطاولات، وكذا بين من يتابع أي أمر ينقص أو أي شخص يريد شيئا إضافيا. ويجد هؤلاء بحسب شهاداتهم متعة ولذة وهم يخدمون عابري السبيل والصائمين في جو عائلي وحميمي، حيث يتناولون وجبة جماعية بعد إنهاء خدمتهم يتخللها التنكيت والضحك. الأزمة المالية تلقي بظلالها على مطاعم الجمعيات تأثرت أغلب مطاعم الجمعيات بتراجع المحسنين وهباتهم التي تعوّدوا عليها، ما انعكس جليا على نوع الوجبات المقدمة، حيث يتم الاكتفاء بالشوربة والطبق الرئيسي الذي يكون في العادة دون لحم بالإضافة إلى السلطة. وعلى عكس الطبعات السابقة أين كان "البوراك" والفاكهة والمشروبات ضمن القائمة الأساسية، لم يكن في وجبة الأمس سوى حبيبات تمر وكأس لبن مع صحن سلطة وبيض وشوربة وطبق بطاطا مرحية دون لحم أو دجاج، أمّا الفاكهة والمشروبات فلا أثر لها. وأرجع غرفة محفوظ ممثل الجمعية السبب إلى قلة الدعم وتبرعات المحسنين هذا العام، مؤكدا أنّ الجمعية تحرص من خلال مختلف مطاعمها التضامنية على توفير سقف لا تنزل عنه، توفر من خلاله الشوربة والطبق الرئيسي والسلطة، أما ما دون ذلك فيتوقف على ما يجود به المحسنون عادة قبيل الأذان.. إن كان فبها ونعمة، وإن لم يكن فلا يحمّل الله نفسا إلا وسعها. مطاعم تجمع الفقير والميسور والغريب وابن البلد على طاولة واحدة أجمع من تحدثنا إليهم من رواد مطاعم الرحمة أن هذه الأخيرة وفرت لهم فرصة للجمع بين مواصلة عملهم والإفطار في أجواء عائلية من نوع آخر، حيث جعلتهم يتعرفون على غيرهم من مواطني الدول الأخرى سواء الإفريقية أو العربية، كما أنها جمعت بين الزوالية الفقراء وبين بقية الطبقات الميسورة. وحسب ما أكده مواطن سوري حضر إلى المطعم رفقة أبنائه الثلاثة يقيم في الجزائر منذ عامين ونصف، فإن المبادرة جعلتهم يشتركون في الطعام ويتبادلون أطراف الحديث حتى إن منهم من باتوا بعد ذلك أصدقاء، وشكر المتحدث القائمين على المطعم، داعيا المحسنين إلى المزيد من التبرعات لتوفير وجبة لائقة بالصائمين. من جهته الجزائري "جمال.ع" كما أراد أن يرمز لنفسه، أكّد أنه عامل في مجال البناء وكان يفكر في عطلة، غير أن الظروف الجيدة للاستقبال في المطعم جعلته يعدل عن رأيه، مؤكدا أن الجزائريين معروفون بروح التضامن والتعاون. وفي نفس الاتجاه صبّ رأي الطالب الجامعي من ولاية الجلفة الذي يواصل دراسته بالعاصمة، حيث عبّر عن ارتياحه للاستقبال والخدمة المقدمة، داعيا أيضا المحسنين إلى الالتفاف حول مثل هذه المبادرات. بعدما كانت تستقطب العام الماضي المئات مطاعم الرحمة على مستوى الكشافة بلا أفارقة كشف مسؤول الإعلام على مستوى جمعية قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية القائد منير عربية أن مطاعم الرحمة التابعة للكشافة شهدت هذا العام غيابا كليا للمهاجرين الأفارقة، بعدما كان عددهم العام الماضي يقدر بالمئات، حيث كان مطعم فوج نور الصدى ببلدية بن طلحة يستقبل وحده أزيد من 70 مهاجرا إفريقيا، أغلبهم عاملين في الورشات، على عكس هذا العام، حيث غاب الأفارقة كليا عن موائد الإفطار ما يطرح حسب المتحدث الكثير من الأسئلة حول غياب الأفارقة عن مطاعم الرحمة، مرجحا حملات الترحيل والمطاردة الأخيرة التي شنتها مصالح الأمن من اختفاء المهاجرين الأفارقة من الواجهة مخافة رصدهم واعتقالهم.