الوسواس القهري.. مُبطلات الصيام والكفارات والطهارة والنفاس وشراء السيارات بقروض البنوك والطلاق وجواز التسويق الشبكي… وغيرها كثير من عشرات الرّسائل الإلكترونية والمكتوبة التي تتهاطل على لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية خلال الشهر الفضيل، تجنّد للإفتاء بشأنها أكثر من 20 مفتيا من ذوي الكفاءة والخبرة عبر الوطن. الشروق رافقتهم ووقفت على أهم الفتاوى التي يبحث عنها الجزائريون في رمضان .. للاطّلاع على سير عملية الإفتاء بشأن مسائل دينية تؤرق الجزائريين نساء ورجالا، دخلت "الشروق" مكتب الفتوى المركزية على مستوى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، كما حضرت عملية الإجابة على اتصالات المواطنين عبر الرقم الأخضر المستحدث "88.10" من طرف أئمة، لاستطلاع أهم المسائل التي يستفتي حولها المواطنون، خاصة في رمضان. أرمادة من الأئمة والعلماء لمواجهة الفتاوى المستوردة بدأنا استطلاعنا بالحديث مع مدير التوجيه الديني والتعليم القرآني بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، الدُكتور نور الدين محمدي، والذي أكّد أن مكتب الفتوى بالوزارة يعمل على مدار الأسبوع من الأحد إلى الخميس، فيستقبلُ المواطنين والمواطنات لطرح انشغالاتهم على الأئمة المُفتشين. مكتب الفتوى له نشاطان، أحدهما مركزي ويتضمن تلقي استفسارات المواطنين هاتفيا، وأيضا استقبالهم على مستوى الوزارة لطرح انشغالاتهم ذات الأهمية القصوى، كما يوجد نشاط إلكتروني يتضمن الإجابة على أسئلة المواطنين الإلكترونية. وبخصوص النشاط اللاّمركزي، فيتمثل حسب الدكتور محمدي "في نشاط المجالس العلمية عبر الولايات التي تجيب على تساؤلات المواطن بحضورهم أو عبر الهاتف، أو بتدخل الأئمة عبر الحصص الإذاعية بالولايات"، وتسعى وزارة الشؤون الدينية من خلال التركيز على مجال الفتوى، حسب مُحدِّثنا، إلى "تحصين المواطنين من موجات الإفتاء الافتراضية، وما تقدمه القنوات الفضائية من فتاوى لا تتوافق مع المرجعية الوطنية ومع عاداتنا وتقاليدنا". كما استحدثت وزارة الشؤون الدينية خدمة الخط الأخضر المجاني 10-88 والتي تمكن المواطن من طرح أسئلته على الأئمة الذين يكونون في الخدمة على فترات زمنية، تبدأ من التاسعة والنصف إلى الواحدة زوالا، ومن الثالثة إلى السابعة مساء، ثم من التاسعة والنصف إلى وقت الفجر. والخط يعرف تفاعلا كبيرا من المواطنين منذ دخول رمضان حسب محدثنا. وناشد المتحدث المواطنين، باستعمال الخط "لطرح أسئلة جادة ودقيقة ومختصرة". ووضعت الوزارة تحت تصرف المواطنين صفحة إلكترونية بموقعها الرسمي على الإنترنت، لاستقبال أسئلة المواطنين إلكترونيا، وسخرت لها الأئمة المُفتشين، وذلك يوميا من الساعة العاشرة إلى غاية الواحدة ظهرا. ويؤكد الدكتور "ّأن عدد المتفاعلين يزداد يوما بعد آخر". انتقلنا بعدها، إلى مكتب الفتوى المركزي، حيث يتم استقبال مكالمات الرقم الأخضر، فوجدنا الإمام رشيد كتاب وهو أستاذ رئيسي، والأستاذ توفيق أوريحان مفتش التوجيه الديني والتعليم القرآني، وكانا منشغليْن في تلقي المكالمات والإجابة عنها شفهيا وكتابيا، قطعتُ انهماكهما لأسألهما "كم تستقبلان من مكالمة يوميا على الخط الأخضر؟ فكان الردّ "بين 4 حتى 18 سؤالا يوميا، كما يستقبل المكتب المواطنين القادمين من جميع الولايات والذين يُفضلون الالتقاء شخصيا بالمفتين". وعن الأسئلة التي يطرحها الجزائريون في رمضان، قال رشيد كتّاب "غالبية الأسئلة تكون حول فقه الأسرة أو الأحوال الشخصية من طلاق وزواج وخلع، وخصام الزوجين"، ومضيفا بأن كثيرا من الأزواج يتصلون قبل وصول قضاياهم للمحاكم، فنحاول إقناعهم بالصلح، والتراجع عن الطلاق "وأحيانا نتنقل حتى مقر إقامة السّائل للسعي للصلح"، ومؤخرا صارت تردهم أسئلة كثيرة حول عملية البيع بالمرابحة والمعاملات البنكية في شراء السيارات. وأكد توفيق أوريحان، أن كثيرا من المواطنين يسألونهم عن صحة بعض فتاوى شيوخ الفضائيات. وعن مجادلة السائلين بشأن الفتاوي، قال "غالبا لا يجادل الجزائريون بشأن الفتاوى، لأنهم يثقون في الأئمة"، وإن كان هو شخصيا يحبذ النقاش لزيادة الفهم، حسب تعبيره. مُحامون ومتقاضون يطلبون فتوى مكتوبة لإظهارها للقضاة بالمحاكم ومن السلوكيات التي يصادفونها أثناء تأدية مهمة الفتوى، أن بعض الأزواج المُتقاضين وبعض المحامين يطلبون فتوى مكتوبة وموقعة من الأئمة ليستعينوا بها في المحاكم، وهذا ما لا يمكن لشيوخ الفتوى القيام به، حيث قال أوريحان "ولهذا السبب لطالما طالبنا بالاستعانة بالأئمة كوسطاء في المحاكم خاصة في قضايا شؤون الأسرة، لأن لهم باع طويل في الإصلاح بين المتخاصمين، ولتخفيف ضغط الملفات الكثيرة العالقة في العدالة". وعموم الأسئلة التي يطرحها المواطنون عبر الخط الأخضر في رمضان، تدور حول الإفطار سهوا في نهار رمضان، المضمضة ووصول الماء للحلق، خلع الضرس، اجراء تحاليل الدم في نهار رمضان، صيام المرأة الحامل والمرضعة، الوقت الحقيقي للإمساك قبل أو بعد الأذان الثاني، استعمال العطر في رمضان ومعجون الأسنان، أوقات الدعاء المستجابة، أنواع الكفارة، التلفظ بالطلاق في حالة الغضب، زكاة الفطر والحول والصدقة على الموتى…. ويستقبل الخط الأخضر المكالمات يوميا من الثامنة والنصف إلى الرابعة مساء، ويتداول عليه أربعة أئمة في اليوم الواحد، في مداومات نهارية وليلية تمتد حتى وقت الفجر. رئيسة مكتب تنظيم أعمال لجنة الفتوى، وهيبة بوداموس: هذا ما يسأل عنه الجزائريون الوسواس القهري خرب عبادات وبيوت الجزائريين شرحت لنا وهيبة بوداموس كيفية اختيار الأئمة الذين يردون على أسئلة المواطنين، فقالت "اخترناهم من ولايات الوسط الجزائر والبليدة وبومرداس وتيبازة، ليسهل تنقلهم إلى مقر الوزارة، ويكونون برتبة أستاذ وإمام أستاذ رئيسي، من ذوي الكفاءات العلمية والخبرة الميدانية، إذ تم انتقاء 13 إماما للمداومة على مستوى الخط الأخضر و8 أئمة على مستوى الفتوى الإلكترونية، فيما تضم لجنة الفتوى الدائمة بالوزارة والتي تستقبل أسئلة المواطنين القادمين لمقر الوزارة والذين يبعثون مراسلات 15 إماما و5 مرشدات دينيات. وعن الأشخاص القادمين للوزارة يحملون أسئلة، أكدت أنهم من جميع الفئات وخاصة كبار السن، ومنهم شيخ فوق الستين حضر مؤخرا متكئا على عكازه، يسأل عن حكم إجرائه عملية جراحية في رمضان. والظاهرة التي لفتت انتباه محدثتنا باعتبارها مرشدة دينية، أن غالبية الأسئلة المطروحة كتابيا أو إلكترونيا أو هاتفيا متعلقة بالوسواس القهري، حيث قالت "للأسف كثير من المواطنين، سواء كانوا نساء أو رجالا، يعانون من الوسواس القهري، وهذا ما نلمحه في أسئلتهم، فتجدهم يشكون في صحة صيامهم وفي طهارتهم وفي صلاتهم وفيمن حولهم، ورغم أننا نجيبهم بأن يقطعوا الشك باليقين، ومع ذلك يعاودون نفس الأسئلة". وسردت علينا قصة عجوز تقطن بالعاصمة، واظبت المجيء إلى الوزارة لتطرح السؤال نفسه دوما "أشعر بأنني نجسة وغير طاهرة للصلاة؟؟"، والمعنية حسب بوداموس، تعاني من وسواس قهري متعلق بالطهارة، فمثلا إذا مرت على مخمرة شكت في طهارتها، وإذا أمسك شاب مدخن يدها وأنزلها من الحافلة، تأتي مهرولة إلى الوزارة حاملة يدها "النجسة" لتسأل عن طهارتها، وإذا جلس قريب لها على فراشها تغسل جميع مفروشاتها، وتعيد غسل ملابسها المنشورة إذا لامسها الغبار لدرجة اهترأت ملابسها من كثرة الغسيل، وفي آخر مرة قصدت فيها الوزارة وهي تشكو من نقض طهارتها بعد لمس حجابها شخصا مدخنا، فلم تجد محدثتنا من حل سوى إقدامها على مسح حجاب العجوز بيدها والتأكيد لها بعدم وجود أي نجاسة بملابسها. وترى بوداموس أن غالبية المصابين بالوسواس القهري المتعلق بالعبادات، أشخاص يحبون تأدية عباداتهم على أكمل وجه، ولذا تنصحهم بعلاج الأمر عن طريق الإكثار من قراءة القرآن الكريم، "لأن الوسواس القهري هي وساوس شيطانية تصيب بالخصوص الأشخاص الملتزمين دينيا لإلهائهم عن عباداتهم، وخطورته قد تصل حد الانهيار النفسي إذا تبع الشخص وساوسه وجعلها تتغلب عليه". وبلغة الأرقام، ورد خلال الأسبوع الأول من رمضان 115 سؤال عبر استمارة الفتوى الإلكترونية، ليتضاعف العدد في الأسبوع الثاني. وبخصوص المكالمات الهاتفية عبر الخط الأخضر فتلقى الأئمة 105 مكالمة خلال الأسبوع الأول، وسيتضاعف الرقم حسب محدثنا بعد إطلاق أرقام هواتف المتعاملين الثلاثة للهاتف النقال. فيما تستقبل لجنة الفتوى بين رسالة بريدية واحدة إلى خمس رسائل يوميا من المواطنين. فتاوى شخصية للمواطنين عبر البريد الإلكتروني وجهتنا التالية، كانت مكتب الفتوى الإلكترونية، وهناك استقبلنا المهندس بالإعلام الآلي عبد العزيز ميهوبي، والذي يسهر على السير الحسن لموقع الفتوى الإلكتروني، حيث شرح لنا كيفية استقبال أسئلة المواطنين إلكترونيا، فأكد أن الموقع يستقبل أسئلة المواطنين يوميا من الأحد إلى الخميس انطلاقا من الساعة العاشرة إلى الواحدة زوالا، ولابُد على السائل كتابة اسمه ولقبه وأن يضع بريده الإلكتروني، ثم يُحرّر السؤال، تُحوّل بعدها الأسئلة إلى الإمام المداوم، حيث تطبع له الأسئلة ويتلقاها في مكتبه الخاص، بعدها يوجه الإمام الإجابة مكتوبة الى المكلفين بتحريرها إلكترونيا، وأخيرا ترسل الإجابة إلى البريد الإلكتروني للمواطن السّائل. ولكثرة الأسئلة الواردة للموقع والتي تتراوح بين 30 و60 سؤالا يوميا، لا تنشر جميع الأجوبة ليقرأها الجميع وإنما ترسل لصاحبها فقط، فيما تحفظ الإجابات عن المسائل المهمة والجديدة على المجتمع في بنك الفتاوى على نفس الصفحة الإلكترونية ليستفيد منها الجميع. ومعظم الأسئلة الواردة إلكترونيا متعلقة بأحكام الصيام، والمعاملات المالية، الأحوال الشخصية، فيما تكثر الأسئلة حول شراء السيارات عبر البنوك وحول التسويق الشبكي. وجدنا بمكتب الفتاوى الإلكترونية، الشيخ إسماعيل، وهو إمام أستاذ بمسجد السلام بمدينة حجوط، والذي حضر للإجابة على الأسئلة لذلك اليوم، حيث أحضر له المكلفون بالاستمارة الإلكترونية 5 أسئلة، قال لنا الإمام أن جميعها متعلقة بالصلاة، مثل تحية المسجد، أحكام المسبوق في الصلاة، القضاء في الصلاة. وأثناء حديثنا معه، جاءه سؤالان متعلقان بأحكام الصوم، وبالبسملة في الصلاة، وحول إيذاء الجار.