انتهى صداع البكالوريا، وحكايات الغشّ والتسريبات، التي قصمت الظهور وقتلت القلوب، وضربت هيبة المدرسة وسمعة شهادة كانت في الزمن الجميل تسمى "شهادة العمر"، قبل أن تحوّلها فوضى الإنترنت و"الفايسبوك" إلى "مسخرة" حتى بالنسبة إلى المترشحين، الأحرار منهم والمتمدرسون! أحد الأساتذة، اتصل بي هاتفيا، وكان يبكي لكن في صمت، بسبب النص الاستفزازي الذي ورد في امتحان اللغة العربية، حيث لاحظ أن معدّي هذا الموضوع، قصدوا استهداف المعلم الذي كاد أن يكون رسولا، وهو بذلك يعتقد أن من يضرب مهنة التعليم النبيلة، لا يُمكنه أن يحفظ كرامة البكالوريا أو غيرها من الامتحانات والشهادات الرسمية! فعلا، هل انتهت المواضيع وانقرضت النصوص، حتى يكون هكذا اختيار سؤال يتضمن حسب العديد من الأساتذة إهانات صريحة أو مبطنة إلى الأستاذ؟.. ماذا حصل حتى أصبحت العلاقة بين الوصاية ومنتسبيها علاقة عداوة؟.. لماذا ساءت كذلك العلاقات بين المعلمين والتلاميذ؟ وبين المعلمين والأولياء؟.. أليس لهذا التطور السلبي والغريب، دور في انهيار المستوى وسقوط الأخلاق؟ تنامي ظاهرة الغشّ والتدليس وسط "المظلومة التربوية"، مرّده برأي عارفين، إلى اعتماد المساواة بين المتفوّقين والفاشلين، ولهذا أصبح بعض الناجحين في مشوارهم الدراسي، يلجؤون هم أيضا إلى الغش عن طريق "الحروز" أو بواسطة "الفايسبوك"، اعتقادا منهم- وقد يكونون محقين- أن الكسالى سينجحون بالفطرة، ودون جدّ وكدّ، وبالتالي لا حاجة إلى المثابرة والاجتهاد! مسؤولية انحدار القيم، تبقى تشاركية، بين الوزارة والنقابات والمدارس والأساتذة والتلاميذ والأولياء، ولا داعي لأيّ طرف من هذه المجموعة إلى أن يتملّص ويتهرّب و"يمسح الموس" في غيره، ولأن المصيبة كبيرة، يحدث ما يحدث لمنظومة لم تعد محترمة حتى من طرف أبنائها والساهرين عليها! الوزراء (رجالا ونساء) ممّن تداولوا على وزارة التربية، حاول كلّ منهم، في فترة معيّنة، تنفيذ خطته أو خطة غيره، ومنهم من عمل على فرض رأيه وأفكاره، ليس على الديوان الذي يعمل معه، ولكن على "وليدات الناس" بالمدارس، وهناك من ارتكب حماقات وأخطاء وخطايا، لكن الحاشية و"بطانة السوء" زوّقت له أو لها الإجراءات والقرارات، إلى أن "خلاتها وقعدت على تلها"! ما تتعرّض له البكالوريا، ما هو في الأصل والفصل، سوى الذائب من جبل الجليد، والشجرة التي تغطي الغابة، فالمطلوب إعادة النظر في علاقات شركاء المدرسة، من الوزير إلى الولي، مرورا بالمعلم والتلميذ، كما يجب إبعاد المدرسة من الأهواء الإيديولوجية والحسابات السياسوية والانتماءات الشخصية، وعندها قد تسلم الجرّة هذه المرّة وتعود المدارس إلى التدريس بدل التسييس!