لم أستغرب مما كتبه المشرفون على إدارة موقع الشيخ فركوس على الانترنت من المبالغة في مدح وإطراء الشيخ فركوس، قاصدين تحسين صورته بعد ما اتضح لعامة الجزائريين إمكانية تجاوزه في الحكم على المخالفين له من أهل السنة والجماعة عتبة التضليل والتبديع، بل وحتى اقترافه شناعة تكفيرهم. ألم يصف ما ترجّح عند مخالفيه مما اختلف فيه أهل السنة من عقائد وأحكام تشريعية بأنها دينهم المخالف لدين محمد صلى الله عليه وسلم بقوله (الأصول التي بَنَوْا عليها دِينَهم تُناقِض منصوصَ الكتاب والسُّنَّة). وعدم استغرابي لذلك هو لأنهم لم يشذوا عن المتعصبين لشيوخهم وزعمائهم من عامة الفِرق والطوائف والجماعات والأحزاب ولم يتميزوا عنهم في المبالغة في مدحهم وإطرائهم إلى درجة وصفهم بما ليس فيهم. للأمانة توجد أشكالٌ كثيرة تؤكد مدى تعصب الأتباع لمشايخهم ودعاتهم وزعمائهم كأن يشار لما يدّعيه بعضهم من ظهور كرامات لمشايخهم وهي لم تثبت عنهم، كما هو حال أتباع شيوخ الطرق الصوفية. وأخطر من هذا هو ما يدّعونه من ظهور كرامة تبيح لشيخهم ما حرّمه الشرع أو تخالف أمرا من أمور الدين كادِّعاء رؤية شيخهم الرسولَ صلى الله عليه وسلم بجسده وحقيقته في اليقظة بحيث يُبعث من قبره وقد يكلمه ويصافحه، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) رواه البخاري مع سوء فهمهم لمعناه. ونشير إلى أن هذه الآفة موجودة حتى فيمن يفترض أن لا توجد فيهم لشدة محاربتهم التعصب والتقليد للمشايخ. فقد ادّعى الإمام ابن القيم أن شيخه ابن تيمية كان يعلم ما في اللوح المحفوظ والغيب فقال (وأخبرني غير مرة بأمور باطنة تختص بي مما عزمت عليه ولم ينطق به لساني، وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعيِّن أوقاتها وقد رأيت بعضها، وأنا أنتظر بقيتها، وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته والله أعلم) مدارج السالكين 2/489 و490 . وقد نبه الإمام الشاطبي إلى كيفية التعامل مع هذه الأخبار بقوله (هذه الأمور أي هذه الأخبار لا يصح أن تراعى وتعتبر إلا بشرط أن لا تَخْرِم حكماً شرعياً ولا قاعدة دينية؛ فإن ما يخرم قاعدةً شرعيّة أو حكماً شرعياً ليس بحقٍّ في نفسه، بل هو إما خيال أو وهم، وإما من إلقاء الشيطان، وقد يخالطه ما هو حق وقد لا يخالطه، وجميع ذلك لا يصحُّ اعتباره من جهة معارضته لما هو ثابتٌ مشروع) الموافقات 2/257. وقد جرَّ سلوك التعصب للمشايخ آخرين إلى تعظيم الأئمة الأربعة بما لم يثبت عنهم وليس له أصل، فنسبوا إليهم أحداثاً هي كذب عليهم كما جاء عن أحد جيران وأتباع أحمد بن حنبل المسمى الوركاني، حيث قال (يوم مات أحمدُ بن حنبل وقع المأتم والنَّوح في أربعة أصناف: المسلمين، واليهود، والنصارى، والمجوس. وأسلم يوم مات عشرون ألفًا! وفي رواية: عشرةُ آلاف من اليهود والنصارى والمجوس) وقد عقَّب الذهبي على تلك الحكاية قائلًا (هذه حكايةٌ منكَرةٌ) سير أعلام النبلاء 11/343. وذكر ابن مندة أن شيخا بمكة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له الرجل: يا رسول الله، من تركتَ لنا في عصرنا هذا من أمتك نقتدي به في ديننا؟ فقال رسول الله: (أحمد بن حنبل)، ثم قال ابن مندة (فما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه ويقظته فهو حق وقد ندب صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء به، فلزمنا جميعا امتثال مرسومه واقتفاء مأموره) الذيل على طبقات الحنابلة 1/107. ويدخل في هذا الباب ما حكاه الإمام النووي في المجموع عن الحميدي (أن الإمام الشافعي كان يختم القرآن ستين ختمة في رمضان). وبإمكان الباحث في هذه الأخبار الغريبة والكاذبة أن يملأ بها صفحات المجلدات ويلاحظ ويدرك أن قصد واضعيها كان الرفع من مكانة مشايخهم ودعاتهم ومحبيهم والانتصار لهم ضد مخالفيهم وخصومهم، مع الإشارة إلى أن هؤلاء العلماء لم يكونوا في حاجة لهذه الافتراءات حتى يقرّ لهم المسلمون في العالم بالفضل والتفوق في العلوم الشرعية. والحق كان الأولى لأتباع ومحبي الشيخ فركوس أن يشفقوا عليه من الفتنة جراء مدحهم له لاحتمال أن يتسرب إليه اعتقاد أنه الأمين الوحيد على معاني الكتاب والسنة بنفيه عنهما تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، وأنه أكثر الدعاة والمشايخ حملا لعبء حماية عقائد وأحكام شريعة الله في الجزائر أو اعتقاد تفوُّقه علما وعطاء واجتهادا وجهادا بالكلمة والقلم على غيره من المشايخ والدعاة السابقين واللاحقين. والغريب في أمر هؤلاء أنهم أكثر الناس ادعاءً الالتزامَ بسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لا يتجنبون ما حذر منه صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلاً يثني على رجل ويطريه في المدحة قائلا له (أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل) وفي رواية (ويحك قطعت عُنُقَ صاحبِك) رواه البخاري ومسلم. وفي المقابل كان الأجدر للشيخ فركوس منع نشر هذا المقال على موقعه في الانترنت لما جاء فيه من وصفه بأنه (مِنْ أكثر الشخصيَّات الدِّينية في زماننا هذا إِنْ لم يكن أكثرَهم علمًا وعطاءً لبلده الجزائر على وجه الإطلاق) فأصحاب المقال لا يستطيعون تأكيد ذلك من خلال أعلى الشهادات العلمية التي نالها أو عدد المحاضرات والدروس التي ألقاها أو الكتب التي ألفها، بل ربما كان الأنسب أن يحثّ التراب على وجوهم لمجازفتهم ومبالغتهم في المدح التزاما بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم واقتداءً بأصحابه رضي الله عنهم، حيث ذكر همام بن الحارث أن رجلا جعل يمدح عثمان بن عفان، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا رأيتم المدَّاحين فاحثوا في وجوههم التراب) رواه مسلم قال ابن بطال (وإنما أراد بذلك إذا مدحوه بالباطل وبما ليس فى الممدوح) شرح صحيح البخارى لابن بطال1/ 38. صحيح أن الإنسان بطبعه يحب الثناء ويعجبه المدح ويحلو له الاستماع له، لكن المدح المبالغ فيه لا يختلف عن الذم القبيح، فهو استغباء للممدوح من حيث إعطائه صفات ليست فيه، وهو يعلم أنها ليست فيه وهذا هو الاستغباء بعينه. والحق لا أرى مناقشة أستاذ جامعي في الشريعة الإسلامية لرسائل دكتوراه وماستر شرفاً يميزه عن أستاذ آخر في تخصص آخر، ولا فضل يميِّزه بتولي بعض الطلبة المتخرجين على يده وظائف ومسؤوليات في مؤسسات الدولة، بل لو قارنا عدد الذين نالوا مناصب ومسؤوليات في البلد بعد تخرجهم على أستاذ في الشريعة الإسلامية بعدد من تخرجوا على يد أستاذ آخر في تخصص آخر، لما صح اعتقاد تفوق أستاذ الشريعة الإسلامية على غيره للأسف، بل ربما كان العكس. والحق أن أكثر ما استفزني في المقال هو القول بأنه (صارت الجزائرُ بالشيخ فركوس تُعرَف في أقاصي البلدان الإسلامية وغيرها فيقال: بلد الشيخ محمَّد علي فركوس). وهكذا عند هؤلاء الجزائر كبلد ووطن لم يكن يعرفها الناس في العالم الإسلامي والعربي رغم أنها أكبر بلد مساحة في إفريقيا وقامت بأكبر ثورة ضد المستعمِر الكافر في العصر الحديث ومات من أجلها مليون ونصف مليون شهيد ومن رجالاتها المجاهدون الكبار كالأمير عبد القادر وعلمائها الكبار كالشيخ بن باديس والبشير الإبراهيمي وأنها كانت مجهولة حتى ظهر الشيخ فركوس وبفضله باتت تّعرف ولها مكانة بين الأمم. وأنا أقترح تماشيا مع هذا المعنى أن نغير اسم بلد الجزائر ونسميها بأهم ما يميزها ويعرّف بها عند هؤلاء المتعصبين وهو أن نسميها "الفركوسية". أليس المعروف عند الناس أن أنسب أسماء الأشياء أن تُسمى بما يميزها ويعرف بها ويبرزها؟ كنت أتمنى أن يذكر لنا محبو الشيخ فركوس مدى مساهماته في تقليص عدد الخمارات وبيوت الدعارة في البلد، وتأثيره على الحكام وأولي الأمر في السماح بالحجاب في بعض المؤسسات التي تمنعه، وفي تطبيق الحدود الشرعية، وتعميم استعمال اللغة العربية لغة القرآن وهي لغة رسمية للبلد في مؤسسات الدولة، وفي إصدار الفتاوى في حرمة استيراد الخمور من خارج البلد وحرمة التزوير بصفة عامة والانتخابات بصفة خاصة وغير ذلك كثير… فهذه الأمور التي سيُحمد ويُشكر عليها الشيخ فركوس. كنت أتمنى أن يذكروا كل ذلك مع ما قام به ويقوم به مشكورا من محاربة الإرهاب ومنع الشباب من الالتحاق بالجماعات الإرهابية.