ما كان حلما بالنسبة للإخوان المسلمين في كل دول العالم تحوّل إلى حقيقة، والجماعة التي ظهرت للنور في عام 1928 وجدت نفسها بين الشيوعية والرأسمالية والصهيونية، وحتى الإسلام المتشدد، تصارع قوى تضمر لها الكثير من الأحقاد، ورغم أن الجماعة تشعبت وظهرت لها أطياف ونسخ في كل المعمورة، بما في ذلك البلدان غير العربية مثل باكستان، بالخصوص بزعيمها أبو الأعلى المودودي، إلا أنها بقيت عاجزة حتى عن النشاط جهرا، فكانت السنوات تمر وكانت الأمنيات تبتعد إلى أن حملت نسمات الثورة المصرية الأخيرة الإخوان إلى سدّة الحكم في أكبر امتحان في تاريخهم، وكان الزعيم الأول حسن البنا وخليفته عمر التلمساني في كتابتهما ومذكراتهما، يقولون دائما أنه لو كان الحكم بأيديهم لما بقي لإسرائيل باقية ومكانا في العالم العربي والإسلامي، وأنه لو كان الحكم بأيديهم لقضوا على الفقر، وحققوا للأمة كل أمانيها، ودقت ساعة الحسم الآن. ولد حسن البنا أحمد عبد الرحمان عام 1906 وعرف باسم الساعاتي، لأن والده كان يصلح ساعات اليد، وبين التصوّف وإنشاء الجمعيات الخيرية، ومنها "منع المحرمات" و"مكارم الاخلاق"، كبر حلم النظام الإسلامي في فكره لحل مشكلات المسلمين وتعويض إفلاس الاشتراكية والرأسمالية، فباشر ثورة التعليم التي تمسك بها الإخوانيون، رغم مرور قرابة قرن من الزمن على وضع حجر أساسها من طرف حسن البنا، الذي تابع ما يجري من حوله في بلدان العالم، وللأسف فإن حسن البنا تعرض للاغتيال قبل خمس سنوات عن قيام الثورة الجزائرية المسلحة، فلم يكن له رأي فيها، فكان معجبا بحركة جمعية العلماء المسلمين، وهناك من الإخوان من قال أن الجماعة أخذت من الفكر الباديسي، وكانت تعتبر الشيخ عبد الحميد بن باديس نبراسا يضيء العالم، بدليل أن الراحل حسن البنا عندما أنشأ أول جريدة عام 1946 أي بعد ست سنوات عن رحيل الشيخ عبد الحميد بن باديس، أسماها الشهاب التي سبق للعلامة ابن باديس أن أسسها، وأخذ الشيخان أيضا من محمد عبده، وبقيت وسطيتهما هي الجامع الذي جعل جماعة الإخوان المسلمين وجمعية العلماء المسلمين يلتقيان في زمن واحد ومكان مختلف، وقال الشيخ البشير الإبراهيمي ومحمد الميلي كلاما طيبا عن إخوان مصر، وقال الإخوانيون على الدوام كلاما طيبا عن الجيل الباديسي، ورغم أن أعداء الإخوان المسلمين في رحلتهم مع الحكم لن يقتصروا على الصهاينة والشيوعيين والعلمانيين، بل قد ينضم إليهم الكثير من السلفيين خاصة المتشددين، إلا أن التاريخ يشهد على أن الراحل الشيخ الألباني خص حسن البنا بخطبة كاملة، وصفه فيها بشهيد الإسلام، أما الشيخ عبد الحميد كشك فكان يعتبره من الصحابة الذين تخلفوا زمنيا فقط عن العصر المحمدي، وكان يسميه فاروق العصر الحديث، إلى درجة أن أكثر الانتقادات التي تهاطلت على الشيخ عبد الحميد كشك كانت بسبب إطرائه على سيرة الراحل حسن البنا، وبقيت دعوة حسن البنا متنقلة من مكان إلى آخر، والشهيد أحمد ياسين قالها عدة مرات أن حماس هبّ إخوان فلسطين، ويحتفل خالد مشعل والكثير من الحماسيين بذكرى استشهاد حسن البنا ،الذي اغتيل من الحكومة المصرية عام 1949 . ويوجد الآن الكثير من المسلمين بما في ذلك السياسيون والعسكريون من عاود الاعتراف بنهج حسن البنا الوسطي، الذي يتركز على الدعوة بالتي هي أحسن، ولم تضبط الجماعة إلا نادرا مستعملة للقوة، وفي الغالب للدفاع عن أفرادها، رغم أن الكثير من الأنظمة خاصة في سبعينات القرن الماضي، كانت تحاربهم وتتابعهم كما حصل لللشيخ الراحل عمر التلمساني في مصر، وللشيخ محفوظ نحناح في الجزائر، ولإخوان سوريا، الذي دكّ الرئيس السابق حافظ الأسد المساجد على رؤوسهم في حماه، ومنع الراحل هواري بومدين كتبهم وأشرطتهم، وكان مجرد ذكر إسم حسن البنا جريمة لا تغتفر، رغم أن الجزائر كانت تشهد في زمن بومدين ملتقيات الفكر الإسلامي، التي كان يحضرها زعماء إخوانيون، منهم الشيخ محمد الغزالي والشيخ القرضاوي وغيرهما، وكان الراحلان نايت بلقاسم وأحمد حماني يذكران الإخوان بكل خير، رغم أن الصحوة الإسلامية في الجزائر في أواخر السبعينات زادت الفجوة بين إخوان مصر والشيخ أحمد حماني، الذي اتهموه بكونه تابعت للسكة، وهو تلميذ العلامة عبد الحميد بن باديس. لم يعش الشيخ حسن البنا إلا 43 سنة فقط، ومع ذلك كون أسرة صغيرة ما زال الأحفاد فيها يواصلون العمل الإخواني، فقد رزق بست بنات، كانت أصغرهن على إسم استشهاد، وتوفيت في حياته قبل استشهاده، ورُزق بطفلين أسماهما على إسم خاتم الأنبياء والقوة، وهما أحمد سيف الإسلام ومحمد حسام الدين وأصبح اسم ابنيه جريمة في حكومة رئيس وزراء مصر النقراشي باشا الذي أعلن عام 1948 حل جماعة الإخوان المسلمين، وصادر أموالها واعتبرها خطرا على الأمة، وحُرم حسن البنا من سلاحه فعجز عن الدفاع عن نفسه في اليوم المشئوم، عندما كان خارجا من مقر جمعية الشباب المسلمين، حيث زرع أحد الأشخاص المجهولين رصاصات في بطنه، واتضح أنه تابع للمباحث الجنائية الحكومية أو مخابرات الحكومة المصرية، وقاوم الشيخ حسن البنا في ست ساعات الألم، ولكن الحكومة المصرية منعت عنه الاطباء فقتله النزيف، وهو الاغتيال الوحشي الذي لم ينسه الإخوان المسلمون، وعملوا في السر والكتمان، ورفضوا أن يُهدم الصرح الدعوي الهادئ الذي بناه حسن البنا، وشباب الثورة المصرية بكل أطيافهم، من وطنيين وعلمانيين ومسيحيين ومسلمين، الذين زلزلوا عرش الرئيس الأسبق، حسني مبارك، يعترفون أن الإخوان المسلمين ساهموا في تأطير الثورة، وإعطائها نفس الصبر والتضحية، فحققت هدفها بإسقاط الدكتاتورية، ومنحت الأمل الأخير في المنعرج الحاسم في الانتخابات الرئاسية، حتى سقط آخر بيادق نظام حسني مبارك بسقوط احمد شفيق، ليبدأ مسار جديد، ليس في الخفاء كما حصل منذ 84 سنة، وإنما أمام الملأ، والعالم كله يتفرج وينتظر الخطأ قبل الصواب، لأن إخوان مصر تبعهم إخوان آخرون في كل دول العالم، على مدار قرابة القرن من الزمان، وإذا نجحوا في إيصال مصر إلى التقدم المنشود، سيكون لهم تابعون أيضا في كل العالم.