عندما توجهنا لشبه الغرفة التي تقيم فيها الخالة سامية بعيرة ذات ال 52 عاما الساكنة بشارع الشهيد مريزق أحمد ببلدية وادي النجاء بولاية ميلة، لم نكن نتوقع بأن حجم المعاناة بهذه الدرجة، فلا أعيننا تماسكت عن ذرف الدموع ولا نحن تمكنا من إكمال بعض الكلمات التي أردنا أن نستفسر بها عن حالة الخالة المقعدة على شبه سرير تحت درجة حرارة فاقت الأربعين تطهو طعامها وتتناوله بداخلها، وأي طعام؟ فهو لا يسمن ولا يغني من جوع، كما أنها تقضي حاجاتها البيولوجية رفقة ابنتها الوحيدة بداخلها في الأكياس البلاستيكية ..تقول الخالة سامية إنها متزوجة ولها فتاة وحيدة في عمر الزهور، وهي تحضر لاجتياز امتحان شهادة البكالوريا العام المقبل، مضيفة "أتمنى أن تنجح وتوفق في الحصول على الباك" وتعيد علينا السؤال القريب إلى الاستفسار هل ستنجح ابنتي وتفرحني..؟ وجدنا على شبه الطاولة المستعملة للأكل والقراءة الكثير من النمل والذباب يتجول ليقتات من رأس الأم قبل فتات الخبز، فنصف وجهها متآكل تماما، ورم سرطاني أتى على عينها اليمنى بالكامل أخذ في نهش أذنها وباقي رأسها ...ألم لا يمكن وصفه بالكلمات... مأساة يعجز اللسان عن التعبير عنها، تقول الخالة سامية أنها أصيبت بهذا المرض الغريب منذ خمس سنوات تقريبا، وكان آنذاك عبارة عن حبة صغيرة بجانب العين لتتطور بعدها عبر السنين إلى مرض خبيث أتى على نصف وجهها... لأنه وببساطة الفقر منعها من العلاج، لا عمل لها فهي تعيش من صدقات المحسنين وتعيش على التسّول، هذا طبعا عندما كانت تستطيع المشي لكنها الآن مقعدة داخل شبه غرفة أعارتها لها جارتها التي بجانبها لأن الكوخ الذي تسكنه والملاصق لبيت جارتها، حتى أن الحيوانات تأبى العيش بداخله فسقفه من الترنيت وجدرانه من الطوب القديم جدا، وفي الشتاء تتسرب مياه الأمطار من كل الجهات، حتى أن الجرذان وجدت فيه مرتعا لها. والغريب والمؤسف في الوقت نفسه هو أن الزوج استفاد من سكن، وهو الآن يقيم فيه منذ سنوات، ولا يهتم لأمر أسرته، وهو متقاعد منحته لا تكفي حتى لسد قوت يومه، كما أنه يعاني من اضطرابات نفسية، وقد تحاشينا الحديث معه لأن تصرفاته قاسية، تقول الخالة سامية وهي تعتصر ألما "أصبحت الآن لا أستطيع الوقوف أحس بدوار باستمرار"، لكنها وقفت على قدميها لترينا بيتها كوخها الذي كانت تعيش فيه، فقد تدخل فاعلو الخير مؤخرا رفقة مصالح الحماية المدنية، وقاموا بتنظيف بيتها من أكوام الفضلات والأوساخ التي فاقت كل التصور، هي الآن تناشد مساعدتها على العلاج وتوقيف ألمها الذي لا يحتمل ولو للحظات، يقول أحد الشباب ممن التقيناهم عند خروجنا من زيارتها: أظن أن حالة التعفن التي أتت على النصف الأيمن من وجهها وأصابت الدماغ جعلتها تدخل في المدة الأخيرة في حالة من الهلوسة، حيث تنهض من فراشها وتخرج إلى البراري وهي تمسك برأسها وتصرخ من شدة الألم، وفي كثير من الأحيان تصبح لا تعرف أحدا حتى ابنتها التي تأتي إلينا، وهي في حالة حرجة للبحث عن والدتها وإعادتها لغرفتها، وقد وجدناها أكثر من مرة في الغابة القريبة من كوخها، وهي في حالة غيبوبة وفاقدة للوعي تماما.