ألهمت ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي كبار الفنانين والشعراء والمطربين، فوقفوا وقفة إجلال لتضحيات الشعب الجزائري وخلدوها بقصائد وكلمات ماتزال محفورة في القلب قبل الذاكرة، أهدوها فنا عظيما وشعرا وزنه وزن الرصاص، مازالت الأجيال تردده وتحييه في كل مناسبة. رابح درياسة وحزب الثوار كبرنا على صوته الشجي نردد أغنيته "حزب الثوار الله ينصر ومعاهم هانت لعمار.. الله ينصر حزب الثوار احنا محينا الاستعمار… في واد سنان شبان صغار وشجعان قهروا العديان والقومية" "قالوا فلاقة يا فرنسا.. ماناش فلاقة لكن رفاقة غدوة في جيش التحرير" في هذه القصيدة الطويلة يذكر فيها كل المعارك والوديان والجبال وأسماء للشهداء وهي بمثابة شهادات تاريخية موثقة. شاعر الثورة مفدي زكرياء خط مفدي زكرياء بدمائه وداخل زلزانة بسجن بربروس كلمات مدوية خالدة خلود النشيد الوطني تهتز لها الأبدان وتقف لها الشعوب وقفة إجلال إلى درجة انه صنف كأقوى نشيد وطني "قسما" الذي كتبه في افريل سنة 1955م وهي قصيدة تختزل معنى الكفاح والتضحيات وتعبر كلماتها عن تاريخ شعب هزم أكبر قوة استعمارية والتف حول قيادته وجبهته حتى انتزع الاستقلال بالقوة. خلدت كلمات مفدي زكرياء ودواوين شعره الثورة وكان سجلا من الأبيات والدواوين والملاحم أشهرها ظلال الزيتون، اللهب المقدس، من وحي الأطلس، إلياذة الجزائر التي تضم ألف بيت وبيت دون أن ننسى نشيد المقصلة يردده المحكوم عليهم بالإعدام. شاعر الجهاد محمد الشبوكي من منا لا يعرف قصيدة "جزائرنا يا بلاد الجدود، نهضنا نحطم عنك القيود، ففيك برغم العدى سنسود ونعصف بالظلم والظالمين"، لكن الكثير يجهل قائل هذه الكلمات الثائرة، انه شاعر الجهاد كما يسمى محمد الشبوكي من مواليد مدينة الشريعة بولاية تبسة، ينحدر من بطون أولاد حميدة من فرع النمامشة سنة 1916، درس على يد العربي التبسي أصول اللغة وألف دواوين وقصائد وتقلد عدة مناصب بعد الاستقلال منها نائب في البرلمان من سنة 1988 إلى غاية 1992 وتوفي سنة 2005. علي معاشي شهيد الكلمة واللحن من مواليد تيارت 1927م تأثر بكتاب الشعر الملحون في الغرب الجزائري فأسس فرقة موسيقية تسمى "سفير الطرب"، تنقل بين تونس ومصر وهو لم يكمل 18 من عمره، مزج بصوته العذب واللهجة الوهرانية أغان خالدة فتغزل بالمرأة والثورة وبدأ يؤثر في الجزائريين، يرددون ألحانه وكلماته التي كانت كالرصاص فاختطفته فرنسا وأعدمته في ساحة عمومية تدعى اليوم ساحة الشهداء، ونكلت بجثته رفقة ثلاثة من الأبطال، وأصبح يطلق عليه شهيد الكلمة واللحن، ومن أغانيه الخالدة "أناس اماهو حبي الأكبر لو يسألوني نسعد ونفرح ونقول بلادي الجزائر…". صليحة الصغيرة… و"يا ثورة الأحرار" هند زكرياء أو صليحة الصغيرة كما تلقب، من مواليد مدينة الكاف بالحدود الجزائريةالتونسية قرب وادي سوف سنة 1943م، كفيفة، لكنها أبصرت حب الجزائر بصوتها الذي يهتز له القلب والمشاعر، عرفها الجزئريون برائعة "يا ثورة الأحرار" من كلمات الشاعر حافظ البحيري وألحان الموسيقار تيسير عقلة. من أقوى الأصوات التي غنت للثورة، تقشعر لها الأبدان، علق عليها أحد المعجبين بانها الأغنية التي كلما سمعها أحب الجزائر اكثر فأكثر. بقار حدة.. "الجندي خويا، جبل بوخضرة، دمو سايل بين الويدان"، اغان قديمة رددتها الراحلة بقار حدة وهي أشهر فنانات التراث الجزائري، ذاع صيتها داخل الجزائر وخارجه، تغنت بالثورة وكانت تشحن العواطف وتخلد تضحيات الشعب بصوتها المليء بمكامن الأحزان، ورغم ان الكلمات التي ترددها بسيطة، الا ان الصوت الحزين من حنجرتها كان تعبيرا كافيا عن مآسي الجزائريين ابان ثورة التحرير فغنت اغنيتها المشهورة "الجندي خويا"، وهي اغنية خالدة لدى جيل الثورة، "جبل بوخضرة"، واغنية "دمو سايح بين الويدان" غنتها ترثي فيها الشهيد عباس لغرور. وردة، بليغ، قنديل، محمد فوزي وآخرون كانت الثورة الجزائرية بمثابة "المرأة الجميلة" التي يتغزل بها كبار الشعراء والمطربين والملحنين العرب، قالوا فيها اجمل الألحان وغنت لها اجمل الأصوات في الوطن العربي، فمنح الملحن محمد فوزي أروع الحانه للنشيد الوطني وهو الملحن المعروف بألحانه الرومنسية والخفيفة فأبدع على سلم موسيقى الثورة لحنا يردده 40 مليون جزائري. من الأصوات الصادحة حبا للثورة هي الراحلة وردة الجزائرية رغم اقامتها في جمهورية مصر العربية الا ان ولاءها للوطن لا ينكره أحد فغنت سنة 1999 بقاعة حسان حرشة وامام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقالت "أنا لم أزل للجزائر"… بصوتها القوي الجميل والجياش، غنت قصائد رائعة اشهرها "ادعوك يا املي" للشاعر الجزائري صالح خرفي في الذكرى العاشرة لاستقلال الجزائر سنة 1972م ولحنها بليغ حمدي فجاءت رائعة امتزج فيها الحب وفرحة النصر. غنى كارم محمود في إذاعة صوت العرب عدة أغان عن ثورة اول نوفمبر وعن كفاح الجزائريين اشهرها رائعة "باسم الأحرار الخمسة"، كلمات الشاعر اسماعيل الجبروك والحان بليغ حمدي "منفوتش التار يا فرنسا احنا الاحرار منفوتش التار تار الاحرار الخمسة احنا الاحرار حالفين بيمين وبأغلى يمين لنعيش لنموت واقفين…". كما غنى كارم محمود من كلمات الشاعر احمد شفيق كامل وألحان علي اسماعيل "شعب الجزائر غضوب وتائر على الغاضبين". وغنى عبد الفتاح مصطفى من ألحان محمد فوزي قصيدة بعنوان "مليون شهيد سبع سنين والحرب دايرة والشعب قضى العمر ثاير.. مليون شهيد كتبوا انتصارك يا جزائر". اما محمد قنديل فأبدع ايضا في غنائه للثورة الجزائرية، ومن اشهر أغانيه "نشيد الجزائر"، طالب فيه الجماهير العربية بدعم الثورة "فوق الجبل شعب الجزائر البطل محتاج سلاح.. اديله مال يجيب سلاح تروح عساكر الاحتلال ويا الرياح". كما غنى "حي على الكفاح" من كلمات الشاعر الكبير بيرم التونسي وألحان احمد صدقي، يقول فيها "حي على الكفاح في ارض الكفاح المؤمنة.. أحرارها نار ونور في الليالي المظلمة". قافلة كبيرة من الأسماء والنجوم العرب والشعراء الذين كانوا يكتبون لسيدة الطرب العربي أم كلثوم والعندليب عبد الحليم حافظ وفيروز، كتبوا كلمات لثورة الجزائر بقيت خالدة كما يخلد التاريخ. يذكر أن الكاتب عثمان سعدي جمع في كتاب ضخم من ثلاث مجلدات بعنوان "الثورة الجزائرية في الشعر العربي"، القصائد لشعراء من سوريا والعراق والسودان والبحرين كسليمان عيسى الذي كتب 37 قصيدة عن ثورة الجزائر ولقب بشاعر الثورة إضافة إلى أسماء لامعة في الشعر من أمثال بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي.. .