أثبت المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة أن لديه جمهورا راقيا ووفيا لطبعاته. وذلك، من خلال الحضور الكثيف، والتوافد اليومي، على سهراته منذ افتتاحه يوم 18 ديسمبر الجاري، بدار الأوبرا، بوعلام بسايح. سهرات فنية، أخذتنا إلى عوالم لم نكن نعرفها من قبل، حيث سكتالجمهور، وتكلمت الموسيقى، تروي تاريخا من ظهورها، وتختصر قصصا للبشرية. فمن الموسيقى العربية والقدود الحلبية وبلاد الشام القديمة، أبدعت فرقة "لوفنون" اللبنانية في سرد مقاطع نادرة لفيروز وزكي نصيف وصباح ووديع الصافي.. وصرح أحد أعضاء الفرقة، العازف على الكلارينات والناي، مصطفى نمير،إلى "الشروق العربي" بأنه سعيد جدا، للمشاركة في هذا المهرجان، وأن لديهاطلاعا على الموسيقى الأندلسية، والموسيقى الجزائرية عموما.. وقال إن الشعبي الجزائري قريب جدا من الأغاني القديمة اللبنانية، فقط اللغة "صعبة".. الرديف و"السنتور" ينقل الجمهور إلى عالم الموسيقى الروحية أما الموسيقى الساحرة، الروحية والغامضة، فكانت حاضرة مع الفرقة الإيرانية طرب، بقيادة الموسيقار والباحث حسن طبر. وهو من أوفياء المهرجان، حيث شارك في الكثير من طبعاته السابقة. هذه الفرقة، التي عزفت وغنت "الرديف"، الذي يمثل الوجه الأصيل للموسيقى الإيرانية، أبهرت الحضور، خاصة بعزف منفرد ومتميز على آلة "السنتور"، إحدىالآلاتالعتيقة في الموسيقى الفارسية..كما أدت المغنية ساراة حميدي وصلات رائعة، صدحت في أرجاء الأوبرا، بصوت "مخملي"، يعكس حضارة بلاد فارس، التي امتزجت في ما بعد بالحضارة الإسلامية. حسن طبر، صرح بأن الموسيقى الإيرانية، اليوم، تدرس في أربع جامعات عالمية، بعد أن كانت كلمة موسيقى من المحرمات، وكان الفنان الإيراني يخجل من أداء الموسيقى الإيرانية القديمة، بآلاتها العتيقة، واتجهوا إلى الموسيقى الأوروبية، لكن اليوم، نعيش ثورة حقيقية، أعادت الموسيقى العتيقة "الوترية"، المستمدة من الحضارة الفارسية، إلى قيمتها العالية. وهي الموسيقى التي أبهرت "ألكسندر الأكبر"، لكونها موسيقى ساحرة، نمت على روافد الحضارات وعبق التاريخ. "أغورا" ورقصة الزوربا "ديو" جزائري يوناني تألقت الفنانة لامية آيت عمارة، رفقة الفنانة اليونانية المشهورة إيلينا فازيليادي، في السهرة الرابعة للمهرجان، على ركح أوبرا الجزائر، في ثنائية غنائية باهرة، انتقلت فيها المقامات على سلم موسيقي بدقة من الأغاني الجزائرية الأندلسية، إلى ما يقابلها في نفس السلم الموسيقي للأغاني اليونانية،انتقالا سلسلا، يوحي وكأن الوصلات لأغنية واحدة. لمياء آيت عمارة، التي دخلت الفن في سن الرابعة، وهي إحدى تلاميذ يوسف زناجي وإسماعيل هني، عباقرة الموسيقى الأندلسية في الجزائر، تمكنت من إيصال مشروعها "أغورا"، الذي عملت عليه لمدة سنتين، وأحدثت تقاطعا بين نوعين مختلفين من الموسيقى، لكن قريبين في نفس الوقت، ويتعلق الأمر بتراث قديم.وأكد مشروع أغورا أن الموسيقى لغة إنسانية، يفهمها جميع البشر.وفي الأخير، أدت الفنانتان رقصة "زوربا" اليونانية المشهورة، وهي ما يعرف برقصة الموت والحب والعشق… موسيقى "البرد"من بحيرات السويد.. عزف الثنائي، جيني ديماريت وضابط الإيقاع جيروم سالومون، مقطوعات رائعة من الموسيقى الإسكندنافية من هولندا إلى النرويجإلى السويد. واستعملا آلات موسيقية سويدية معروفة، منها "نايك لاربا"، ودف كردستان، والطبل، في معزوفات، رحل معهاالجمهور إلى المناطق الباردة والهادئة في اكتشاف أوروبا في العصر الوسيط.وكان للثنائي أيضا أن أدى معزوفة راقصةللتراث العربي، قالا إنها من تراث "سوريا".