لماذا يعتمد التجار في المساحات والمراكز التجارية الكبرى على الأسعار التي تنتهي بالرقم 9999.. فعند تجولك بين الممرات، تلاحظ أنها تعلوها لافتات صفراء اللون أو حمراء، تشير إلى أسعار المواد الغذائية أو مواد التجميل أو الأجهزة الكهرومنزلية وغيرها.. كلها ليست أعدادا طبيعية، بل عشرية تختلف فقط في جزء من المائة أو جزء من الألف، لكن المواطن يدفع الثمن كاملا. وفي ذلك، إما سرقة موصوفة أو خدعة تسويق نفسي خطير، يخدع البصر، فقد لا يحس الزبون بالفرق، لكن التجار يجنون من هذه الاستراتيجية أرباحا بالملايير. نظرية تسويقية جديدة، ظهرت في العالم قبل أزيد من عشرية من الزمن، بدأت في أمريكا ثم في أوروبا، وبعدها صار العالم الكل يعتمدها، بما فيه الجزائر، يسمى أيضا بالتسعير النفسي أو التسعير النهائي أو السحري.. وهي استراتيجية للتجار في التسويق، مرتبطة بالتأثير النفسي للسعر على المستهلك. ويطلق عليها أيضا بالتسعيرة بالرقم الغريب، حيث يظهر الرقم أقل مما يبدو عليه في الواقع، ويميل المستهلك إلى شراء السلعة. وقد أشارت الدراسات النفسية إلى أن الأسعار تساهم في رفع إيرادات البيع، حيث تسعيرة 1.99 دينار تجعل المستهلك ينظر إلى اليسار، فالعين ستقارن بين الرقمين 1 و2، فيظن المستهلك أنه اشترى سلعة بدينار فقط وليس بدينارين. الأسعار التي تنتهي ب99.. مفادها أن السعر ثابت ولا يحتمل تنزيلا أو تخفيضا، ويعتقد الباحثون في التسويق أن الزبون هو في الواقع ضحية لخداع بصري، حيث يقوم بتدوير حركات العين عند قراءة الملصق أو "الكتالوغ"، وأول شيء يقع عليه البصر هو السعر، فتتوقف الأعين عند كثير من المعلومات إلى يسار الفاصلة. فسلعة ب18.99 دينارا، مثلا يعتقد صاحبها أنه اشتراها ب18 دينارا وليس ب19 دينارا، حيث لا يحتسب الفاصلة، فيحمل الدماغ الرقم الصحيح فقط دون الرقم العشري. عندما سألنا خبراء التسويق، قالوا إن هذه الاستراتيجية حديثة وناجحة في العالم، وحققت أرباحا كبيرة، خاصة للمصنعين وأصحاب الشركات، لأن السعر النفسي له دور واضح.. فالمفاهيم الرئيسة للتسويق بهذا النمط، يتجاهل فيها المستهلك تكلفة التصنيع الفعلية، وعليه الاعتماد على حدسه والتوصل إلى استنتاجات ثلاثة: إما أنه مكلف للغاية، أو غير مكلف بما فيه الكفاية، أو أن السعر مناسب، ودائما تخفيض الرقم إلى جزء بالمائة أو جزء من الألف يعطي انطباعا بأن السعر مناسب جدا، بل ومنخفض. فعلا هل هي تسعيرة يهودية؟ زرنا العديد مراكز تجارية كثيرة ونقاط بيع تعتمد لافتات ضخمة، كتبت عليها الأسعار التي تنتهي بالرقم 9999، أولها شركات بيع السيارات، مثل "هيونداي" و"فولكسفاغن" و"بيجو"، وغيرها.. فسألنا عن سبب اعتماد هذه الأسعار، فلم نجد إجابة واضحة، فقط الجميع يردد: "تسمى التسعيرة اليهودية"، أي إن اليهود، وهم الذين يتحكمون في مفاصل التجارة في العالم سواء في أمريكا أم أوروبا، هم أول من اعتمد هذا السعر.. فالسيارة التي تحمل السعر 199.999 مليون سنتيم، يعتقد الزبون أنه اشتراها ب199 مليون وليس 200 مليون، وأن التقسيط الشهري في حال القرض مثلا 24.999 ألف دينار، يعتقد الزبون أنه سيسدد 24 ألف دينار، لكنه في الواقع يسدد 25 ألف دينار.. وهي خدعة كبيرة تدفعها سياسة تسويق "يهودية". وللسعر تفسير آخر بحثنا عن أصل السعر النفسي، فوجدنا أن الأصل في اعتماد أجزاء صغيرة من المائة في السعر الحقيقي، كان بدافع محاربة السرقة، فقد اعتمد أحد كبار التجار في نيويورك وصاحب علامات تجارية هذه السياسة بعد أن شك في أن موظفيه يسرقون عائدات المبيعات.. فسرقة فاتورة 200 دولار مثلا سهلة، لكن سرقة 199.99 دولار تعقد المهمة. وربما يكون هذا السبب الحقيقي والدافع ربما إلى اعتماد هذه التسعيرة.