شهدت عروض أزياء أوروبية، وخاصة فرنسية، هذه السنة، إقحام الألبسة ذات البعد الديني، وخاصة الإسلامي، ضمن توجهات الموضة. فبعد أن أخضعت الحجاب والجلباب والخمار، أو ما يطلق عليه وشاح الرأس، في أزيائها، وإقبال كبار عارضات الأزياء على ارتدائه على "الرانواي"، هاهي اليوم دور الأزياء تخوض تجربة سوق جديدة في اللباس السلفي، وتدخله بيت الموضة، في ما يسمى ب "إسلام السوق". فبدأت تستثمر في المرجعيات المتعددة. القميص ونصف الساق المستوحى أيضا من الأزياء التقليدية الباكستانية والهندية والإيرانية، طغى على عروض الأزياء الكبيرة، فظهر عارضو أزياء "متدينون" ملتحون، يلبسون القميص. وهو نفس الشكل الذي يرتديه السلفية في الجزائر، أو في دول أخرى، مع إدخال بعض اللمسات الحديثة عليه، كالسحاب والخطوط، والجيوب وبعض القصات والتفاصيل الصغيرة، لكن في مجمله لم يخرج اللباس في عمومه عن "القميص ونصف الساق". موجة عروض الأزياء هذه، قوبلت بنوع من الاستغراب لدى الكثير، الذين تناقلوا صورا لشبان على صفحات التواصل الاجتماعي، ملتحين، يجوبون منصات العرض بالألبسة "الدينية"، مع بعض التعليقات الرافضة، التي تتهم فرنسا أو دور الأزياء بالاستهانة باللباس السلفي. وذكر البعض أنه لطالما كان اللباس السلفي، سواء الحجاب أم القميص ونصف الساق، له علاقة وثيقة مع تجربة الإسلام السياسي، لذا حورب من جميع الدول الرافضة لهذا المد السياسي، على غرار تونس والمغرب والجزائر، وبعده حدثت ثورة في هذا اللباس، وانشر بسرعة وسط الشباب، فمنع من ارتداؤه في الإدارات والمدارس. أمام هذا التناقض، كانت مبادئ التسويق العالمية حاضرة. فبعد الأرباح الكبيرة التي حققتها دور الأزياء، التي استثمرت في تصنيع اللباس الإسلامي النسائي، مع التخفيف من حدته السياسية، وإخراجه من فكرة ارتباطه بمذهب أو معتقد، ليصبح مجرد تصميم أو لباس على منصات العرض، هاهي اليوم تخوض تجربة "ترويض اللباس السلفي بإدخاله بيت الموضة"، نظرا إلى ما يمكن أن تجنيه من الاستثمار في مجال الأزياء الدينية الاسلامية الرجالية الجديدة. خلال السنوات الأخيرة في الجزائر، أصبح القميص ونصف الساق لباسا على قدر كبير من "الأناقة"، لدى بعض الرجال، تظهر عليهم مظاهر الرخاء، يقودون سيارات فاخرة، وينتعلون أحذية ذات علامات تجارية باهظة الثمن، مع إكسسوارات وساعات سويسرية مثلا، وصارت موضة العصر، بل، وأصبح هذا اللباس خيارا للشباب أو كمظهر لمظاهر التدين، أو ما يطلق عليه أيضا "الجنتلمان الإسلامي".. وهو ما أخرج هذا اللباس من دائرة التطرف، وأصبح زيا مألوفا ومميزا أيضا. وكان المفكرون في السابق قد حذروا من كون ظاهرة الموضة بكل أشكالها تعبر عن تشويه للمقدسات وللقيم، وقالوا بأن "طيش الأزياء" جاء نتيجة فرضتها معايير تشوه التقديس البطولي للأخلاق، وسبق أيضا لرجال الدين المسيحيين أن وصفوا الموضة بعلامة الخطيئة الكبرى، لأن إعلاء الموضة يعني انتصار ذوق الغواية. اليوم، هاهي الموضة تروض نصف الساق، وتدخل اللباس السلفي بيتها، وتؤممه، وتستثمر فيه ملايين اليوروهات، لتعيد تصديره إلينا، في شكل من أشكال العصرنة والتقدم، وربما سيقبل كل الشباب على شرائه ولباسه والترويج له، لكن، سيكون مجرد زي فارغ ملحق بمجموعة الماركات التجارية.