من مجموع 18 مليون و760 ألف و400 ناخب، لم يصوت سوى 6 ملايين و687 ألف و838، خلال تشريعيات 17 ماي 2007، أي بنسبة مشاركة بلغت 35.65 بالمائة، مقابل 46.17 بالمئة، في برلمانيات 2002، وقد أحصت وزارة الداخلية، إلغاء 961 ألف و751 ورقة إنتخابية، حيث بلغ عدد الأصوات المعبر عنها 5 ملايين و726 ألف و87، بنسبة 85.62 بالمائة. تبعا لهذه الأرقام النهائية والرسمية، يطرح مراقبون الإستفسارات التالية: لماذا إمتنعت أو "قاطعت" الأغلبية الساحقة، بما يقارب 12 مليون ناخب(65 بالمائة)، الإنتخابات التشريعية؟، هل هذه النسبة معبرة فعلا عن دائرة "المقاطعة"، أم هي تقرأ تفسيرات أخرى ومختلفة؟، ما معنى أن يلغى نحو مليون صوت شارك في الإقتراع؟، ثم من يتحمل مسؤولية هذه النسبة التي يعتبرها البعض "كارثية" وضعيفة، ويصفها البعض الآخر بأنها "عادية" وطبيعية مقارنة بإنتخابات مماثلة عبر عدد من الدول الراقية؟. بالعودة إلى حصيلة المشاركة في الإنتخابات التشريعية، تسجل أوساط مراقبة الملاحظات التالية: أولا: لا يمكن بأي حال من الأحوال إلحاق نسبة الممتنعين عن التوجه إلى مكاتب الإنتخاب، للأطراف التي دعت إلى المقاطعة، فلا الأفافاس ولا عباسي مدني ولا علي بن حاج ولا تنظيم "القاعدة" ولا غيرهم، يمكن أن ينسب قرابة 12 مليون إلى رصيده. ثانيا: الإعتقاد بأن التهديدات الإرهابية كانت وراء عزوف الناخبين، خاطئ ولا أساس له من الصحة والواقع، فالتزاحم والطوابير التي شهدتها رئاسيات 2005 والجزائر في أوجّ الأزمة الأمنية وتصاعد الإرهاب، يثبت بأن لا علاقة للخوف بضعف المشاركة الإنتخابية. ثالثا: الإعلان عن "حقيقة" الأرقام المرتبطة بالعملية الإنتخابية، في شقها المتعلق بنسبة المشاركة، يبدد إحتمالات التزوير والتلاعب بالإرادة الشعبية، مثلما كان يحصل خلال مواعيد إنتخابية سابقة. رابعا: الأصوات الملغاة وعددها قرابة المليون صوت، تعكس رغبة شريحة واسعة من الناخبين، في ممارسة حقهم وواجبهم الوطني، لكن دون مقاطعة الإقتراع، وإنما بواسطة "التصويت العقابي" بعدم إختيار أي حزب أو مترشح. وعند الوقوف على غياب نحو 12 مليون ناخب عن صناديق الإقتراع، يمكن تسجيل عدد من الدوافع والأسباب: 1- إفلاس الأحزاب السياسية وعجزها عن إقناع الناخبين أثناء الحملة الإنتخابية وقبلها وكذا تورّطها في عدم الوفاء بعهودها ووعودها السابقة. 2- ظهور البرلمان السابق على أنه مجرد غرفة تسجيل ومركز لتسمين النواب بدل حل مشاكل المواطنين وإقتراح البدائل العملية والواقعية. 3- إنسداد شهية الناخبين بسبب طبيعة ومستوى وسيرة المترشحين لعضوية البرلمان، موازاة مع إنتشار مسلمات تشير إلى أن المشاركة في الإقتراع هو "تواطؤ" لإيصال المترشحين إلى البرلمان وتسهيل عمليات إستغلال السلطة والنفوذ وجمع المكاسب والمنافع الشخصية. 4- عجز الأحزاب عن تقديم برامج إنتخابية تنافسية، وتفضيلها الإختباء وراء برنامج رئيس الجمهورية، في محاولة للنصب والإحتيال على الناخبين. 5- الإعتقاد بأن الهيئة التشريعية لا تسمن ولا تغني المواطن من جوع، جعل الإنتخابات التشريعية أقل شأنا من الإنتخابات المحلية والرئاسية. ولتجنب مثل هذه النتائج، أو التقليل منها ومحاصرة تطورها نحو الأسوأ، خلال المواعيد القادمة، ترى أوساط متابعة، أنه يستلزم إجراءات إحتياطية ووقائية، منها: التعجيل بمراجعة قانون الأحزاب وتشديد شروط الترشح لعضوية البرلمان، خاصة فيما يتعلق بالمستوى التعليمي والسن والسيرة الذاتية والسياسية، وعلاوة على ذلك، ينبغي على الأحزاب، أن تراجع حساباتها وتغيّر لاعبيها غير المرغوب فيهم وتبحث عن مدرب جديد إن إقتضى الأمر، وإبتعاد المترشحين عن لغة الإبتزاز والمساومة جمال لعلامي:[email protected]