أشارت إحصائيات تركية حديثة إلى أن أكثر من 1900 مريض، زار مستشفيات تركيا لتلقي العلاج، خلال السنة الفارطة 2018.. رقم يوحي بنجاح العلاج الذي تقدمه هذه الجهات، نظرا إلى الثقة والإقبال الكبيرين، لكن! ماذا يقول واقع يتراوح ما بين مرضى فضلوا التداوي بالملايين والمليارات في مستشفيات أجنبية، دون أدنى علم بما تقدمه من خدمات، ومرضى اضطروا إلى طلب المساعدة وجمع التبرعات لركوب طائرة الأمل نحو الشفاء المزعوم.. الشروق العربي، التقت بعض الحالات العائدة بخيبة من زيارات استشفائية في تركيا، وحققت في الموضوع. الرغبة الشديدة في الشفاء، والأمل فيه، تدفع المريض إلى السعي إليه عبر كل السبل، حتى ولو اقتضى الأمر التنقل إلى تركيا.. فالإشهار النفاذ الذي باتت تستعمله المستشفيات التركية لجلب الطامعين في التخلص من السقم، استقطب إليها الآلاف منهم، نسمع عن قصصهم وعنائهم في جمع المبالغ الباهظة، ثم تنتهي أخبارهم بمجرد ركوبهم الطائرة، لأنه وباختصار، نادرا ما يعودون بنتائج إيجابية. هكذا يتم استقطابهم إن غالبية المرضى الجزائريين الذين ينتقلون للعلاج في تركيا، لم تسبق لهم زيارة البلد من قبل، ولتمهيد الطريق لهم، وتسهيل المهمة، فإن هذه المستشفيات خصصت فرق اتصال واستقبال عربية، لتتواصل مع الراغبين في زيارتها، وإقناعهم، إذ تؤكد الحالات التي التقيناها، أنه فور الاتصال بالمستشفى، يتولى شخص عربي مهمة إرشادك وتوجيهك، وتقديم معلومات يتبين لك بعد التجربة، أن جلها مغلوطة وخاطئة.. تقول السيدة كريمة من تيبازة، والدة الطفلة نورهان، ثماني سنوات، مصابة بشلل كلي، نتيجة خطإ طبي حدث فور ولادتها: “عند اتصالنا بمستشفى “آكتيف” بتركيا، أخبرونا بأنه من بين الخدمات المقدمة التي تشملها تكلفة العلاج المقدرة ب 170 مليون دينار، هي استقبال المريض ومرافقه في المطار، ونقلهم إلى الفندق، غير أن الطفلة نورهان التي تنقلت رفقة والدها، اضطرا إلى الانتظار أكثر من أربع ساعات، رغم المرض وعناء السفر، قبل أن يتم نقلهما في سيارة جماعية مكتظة”.. أما محمد. م، سبع وعشرون سنة، من تيبازة، فيعاني من إعاقة في قدميه، إثر سقوطه من مكان عال، فيقول: “رغم أنني حظيت بسائق استقبلني في المطار، غير أن الكثير من الخدمات التي استقطبني بها مستشفى “آكتيف” لم يكن لها وجود على أرض الواقع، لا العلاج كان في المستوى الذي حدثونا عنه، ولا الإقامة مريحة، ولا حتى الطعام..”. يضيف محمد. م: “بمالك الخاص، وتشعر بأنك ذهبت لتتسوّل خدماتهم الدنيئة”. إقامة متعبة وطعام غير صحي بالرغم من أن هيئات الصحة العالمية، تعتبر النظام الغذائي والراحة من أهم الشروط التي تساعد على نجاعة العلاج، إلا أن زوار المستشفيات التركية من المرضى الجزائريين، يشكون من سوء المعاملة، وعدم الراحة في الأماكن المخصصة لإقامتهم، فضلا عن النظام الغذائي السيئ.. فبدل تقديم وجبات ساخنة متكاملة، تقبل مطاعم المستشفيات التركية- حسب شهود- على تقديم بعض الأطباق الباردة والفقيرة إلى عناصر الطاقة، تقتصر على بعض الحساء أو الخضروات المطهوة بشكل سيئ جدا.. تقول السيدة كريمة، والدة الطفلة نورهان: “لقد اكتسبت ابنتي أمراضا أخرى، نتيجة التغذية غير المتوازنة خلال فترة الإقامة في المستشفى، فقد أشارت تحاليل أجريت لها بعد عودتها إلى الجزائر، إلى أنها تعاني من فقر دم حاد، وفقدان رهيب في الوزن”. العلاج بأساليب الحمامات الجزائرية تطلب إدارات المستشفيات التركية من المرضى الذين يتواصلون معها، إرسال فيديوهات تبين وضعيتهم الصحية، وتظهر مدى قدرتهم على الحركة، ثم توجه إليهم بيانات تعد بمثابة دعوة رسمية، تتضمن تشخيصا مبدئيا لحالة المريض، والطرق المتاحة لعلاجه، مع تقييم شامل لتكاليف العلاج.. والجدير بالذكر، أنه من بين الأساليب التي تعددها الوثيقة، علاجات تقدم هنا في الجزائر بأثمان بخسة جدا، مقارنة بتكلفتها في تركيا.. فحصص العلاج بالشمع أو بالبخار، أو إعادة التأهيل والتدليك، لا يتعدى سعرها في العيادات الخاصة ومراكز العناية الجسدية، ألفي دينار، بينما تقدر هناك بالملايين.. تقول سليمة، 29 سنة، من البليدة، تعاني من إعاقة في رجلها اليمنى: “لقد أصبت بالإحباط الشديد من رحلتي العلاجية إلى تركيا، وجدت أنني أتلقى العلاج ذاته الذي كنت أتلقاه في مصحة الحي، لكن مقابل ثمانين مليونا، من دون أن أصل إلى النتيجة المرجوة، فلا وجود لتكنولوجيات متطورة للتدليك وإعادة التأهيل.. كل ما وجدته هناك بعض الآلات المهترئة، التي لا ترقى خدماتها إلى مستوى المتوسط..”. عند اتصالنا هاتفيا بعيادة جراحة وتقويم العظام بمستشفى ايكول في ولاية أزمير التركية، استفسرنا عن الخدمات المقدمة، والآليات التي تستعمل للعلاج، فكان رد مسؤول المصلحة على لسان المترجم: “لدينا أجهزة حديثة وروبوتات متطورة لتدليك المرضى وإعادة لياقتهم البدنية، لكن السر الحقيقي يكمن في كفاءة أطبائنا..” وكأن الطبيب يود تعليل النتائج السلبية التي يعطيها ما يسمى بتكنولوجيات العلاج هناك. استهتار بصحة المريض تفيد بعض الحالات التي تلقت علاجا في تركيا منذ فترة قصيرة، من بينها والدة الطفلة نورهان، بأن نظام المستشفيات هناك يشبه مراكز العناية الجسدية في الجزائر، ف”الأمر مختلف تماما عما يروج له، يصيبك بالخيبة والإحباط” على حد قول محمد. م، مع استهتار واضح بصحة المرضى، خاصة، الجزائريين والتونسيين والمغاربة. تقول السيدة كريمة، أم نورهان: عند الحجز في مستشفى آكتيف، قدموا لنا رزنامة بها جميع مواعيد العلاج، كان البرنامج يبدو ثريا وفعالا، لكن الواقع المخيب تجلى منذ أول يوم، بحيث توجهت نورهان إلى العلاج بالروبوت، لقد كانت تلك الحصة الاستشفائية تشبه لعب جولة في مدينة ألعاب، لا هدف منها سوى رج المريض يمينا ويسارا من دون حتى متابعة.. ولمدة عشرين دقيقة لا أكثر”. ويؤكد المرضى العائدون من رحلة التداوي، أن هذا الأمر ينطبق كذلك على تقنية العلاج في القفص، الذي تصنفه هذه المستشفيات كإحدى التقنيات الحديثة والمتطورة، التي تعطي نتائج مضمونة وسريعة، بينما شبهته والدة الطفلة نورهان، وبقية المرضى، بالأرجوحة المخصصة للعب، خاصة أن حصة القفص لا تتجاوز هي الأخرى عشرين دقيقة. كان لزاما علينا التواصل مع مستشفى آكتيف، للتحقق من المعلومات المقدمة لنا، فقد حصلنا على رقم الواتس آب، الذي يحمل شعار العلاج الطبيعي والمضمون، حاولنا الاستفسار عن مدى إيجابية النتائج التي يحرزها طاقمهم الطبي والوسائل والتقنيات المسخرة لذلك، لم يتأخر القائمون على الاتصالات في الرد: “مستشفى أكتيف يسخر روبوتات متطورة جدا، تستخدم في العلاج، إلى جانب العلاج الطبيعي والجراحة..” وهذا عكس ما يظهر في صور وتوثيقات المرضى الذين التقيناهم.. أما بخصوص إمكانية التعويض في حالة عدم إحراز نتيجة، فيقول أحد المستقبلين في المستشفى: “لا يمكن استرجاع المال أو نسبة منه مهما كانت النتيجة، فعندما يدخل المبلغ المطلوب إلى الحساب لن يعود إلى صاحبه، نتائجنا مضمونة..”. في الجهة الأخرى، يقول محمد. م، الذي تكبد دفع 12 ألف دولار مقابل تداويه في ذات المستشفى: “أكد لي الطاقم الطبي أن نتائج العملية التي أجريها لديهم، تظهر بعد مرور ستة أشهر، وقد مضت تسعة أشهر على عودتي من تركيا، دون أي تغير ملحوظ..”. إن الخيبات الكثيرة التي يعود بها غالبية المرضى من الدول الغربية والعربية بعد رحلة علاج، مكلفة ومجهدة، باتت تستدعي، التنقيب جيدا عن كفاءة الأطباء ونوعية الخدمات، عن طريق معاينة ميدانية أو شهود موثوق بهم قبل التنقل للعلاج.