تعرف ظاهرة شراء الهواتف النقالة من السوق السوداء إقبالا واسعا من طرف الجزائريين خاصة أصحاب الدخل المحدود، بعدما أصبح الهاتف النقال من الأولويات التي يحرص الناس على امتلاكها، نظرا لما يتميز به من خدمات متعددة تسمح للزبون التمتع بأحدث التقنيات كنظام البلوتوث والتصوير الرقمي الذي بات يستعمل في مختلف الأفراح والمناسبات. ولأن أسعار هذا النوع من الهواتف النقالة تكون أحيانا خيالية في المحلات الخاصة ببيع هذه الأجهزة إذ يصل بعضها إلى ستة ملايين سنتيم، فقد أصبحت الأسواق السوداء التي تعرض هذا النوع من الهواتف ومستلزماتها قبلة تستهوي العديد من المواطنين. "لعقيبة... شجارات، مفاوضات وجنسيات مختلفة يقع سوق الدلالة أو "لعقيبة" كما يحلوا للعاصميين تسميته بين أزقة أحياء بلوزداد العتيقة المبنية منذ الحقبة الاستعمارية، حيث يستقطب يوميا مئات الزبائن لما يوفره من أسعار تنافسية وبضاعة مغرية، وتنطلق عملية البيع في هذا السوق على الساعة الرابعة مساء، عادة ما تكون بدايتها شجارا عنيفا بين العارضين لاختيار أفضل الأماكن في شوارع ضيّقة تجمع عددا كبيرا من الباعة معظمهم من المراهقين والشباب الذين جعلوا من هذه التجارة مكسب رزقهم الوحيد محمد البالغ من العمر 15 سنة كان أحد الباعة الذين وجدناهم في الدلالة واقفا يبيع جهازا من نوع نوكيا1100 مستعملا بمبلغ 2000 دج، وقد أكد لنا أن ثمنه في المحل يتجاوز 3500 دج، وعن سبب تواجده في السوق أوضح محمد أن أوضاع عائلته المزرية أرغمته على ترك مقاعد الدراسة بعدما توفي والده، فصار المسؤولَ الوحيد عن أخواته الخمس. كما شد انتباهنا في السوق صراخ شيخ جاوز السبعين وهو يروّج لعشرة هواتف من الطراز القديم وسط زحام كبير من الباعة، وبعد حديث معه، كشف لنا أن هذا النوع من التجارة يكسبه ضعف ما تمنحه له الدولة، قائلا "إن منحة التقاعد التي أتقاضاها شهريا لا تسمن ولا تغني من جوع، إنها لا تكفيني لعشرة أيام.... المتجول بين أزقة الدلالة يلاحظ الإقبال المتزايد للصينيين، فلقد وجد هؤلاء في بيع الهواتف النقالة تجارة مربحة رغم صعوبة تواصلهم مع الجزائريين الذين يُتقنون فن "التبلعيط" على حد تعبير أحد "الشناوة" الملقب ب جاكيشان الذي أكد أنه في كثير من الأحيان يبيع هواتفه القديمة دون أن يربح دينارا واحدا نظرا "لتمسمير" وطمع الزبائن... كما وجدنا أمامه بائعا من كينيا يفترش على الأرض ثلاثة هواتف من نوع نوكيا فضل العاصميون تلقيبه "طايزُن"، ويعود سبب تلقيبه بهذا الاسم عندما أقدم يوما ما على لكْم أحد الزبائن الثرثارين فأرداه صريعا، وبعد دردشة خفيفة معه قال إنه يعشق في الجزائريين روح الدعابة والمرح التي لا تغادر وجوههم. الدلالة تعني المخاطرة كثير هم الذين يقصدون الدلالة بحثا عن الأثمان الزهيدة لهواتف معظمها مستعمل، ولكن هناك من يعشق النوعية مفضلا آخر ما يجود به السوق من هواتف آخر طراز على غرار الهاتف النقال "نوكيا 8800" الذي طلب صاحبه 40000دج ثمنا له، في حين عرض علينا جهازا من نوع "سوني إيركسن ن 95 " بمقابل قدره 30000 دج. وفي حديث مع الباعة أكدوا أن هذه الأسعار معقولة جدا مقارنة بما تعرضه المحلات وهو ما جعل الزبائن يجدون ضالّتهم في هذه الأسواق، آملين في تحقيق صفقة مربحة تمكنهم من ادّخار بعض المال على حساب الباعة الذين يتنازلون عن هواتفهم النقالة بأبخس الأثمان نظرا لضائقة مالية ألمّت بهم، أو حبا في التغيير، أو أن يكون الجهاز المعروض مسروقا يريد بائعه التخلص منه بأي ثمن. إنّ المثل القائل "إذا عجبك رخصو.. تخلّي نصّو" لينطبق تماما على شراء بعض الهواتف النقالة من السوق السوداء، فقد يكون الزبون محظوظا باشتراء هاتف نقال متطور ومستعمل بثمن معقول، ولكن أحيانا يصبح السعر المنخفض للهواتف طعما يصطاد به أصحاب الضمائر الميتة ضحاياهم من الزبائن الذين تدوم فرحتهم بالهاتف الذي اشتروه سويعات قليلة، ليكتشفوا بعدها عيوبا تجعل الهاتف لا يساوي شيئا. فالمخاطرة في اشتراء الهاتف بهذه الطريقة تحتاج إلى فطنة وخبرة واسعتين في مجال الهواتف النقالة لتجنب العواقب الوخيمة بعد ذلك والتي يضطر الزبون إلى تحملها رغما عنه لعدم وجود ضمان من طرف الباعة، خاصة إذا كان الهاتف مسروقا. فقد كشف لنا أحد الضحايا من الزبائن الجدد أن هاتفه أُصيب بعطب بعد عشر ساعات فقط من اشتغاله، هذا رغم أن بائعه أكد له أنه جديد لم يسبق استعماله. هذه بعض الظواهر التي تقع مرارا في الأسواق السوداء، والتي يدفع ثمن الخسارة فيها الزبون، عكس المحلات الخاصة ببيع أجهزة الهواتف النقالة التي تقدم للزبون ضمانا تتراوح مدته من ثلاثة أشهر إلى سنة، ويتحمل صاحب المحل المسؤولية كاملة في حالة تعرض الجهاز لأي خلل خلال هذه الفترة. وعلى الرغم من أن اقتناء أجهزة الهواتف النقالة من السوق السوداء يجنب الزبون غلاء الأسعار إلا أنه يعرّضه لمشاكل هو في غنى عنها، لكن السؤال المطروح هو هل يتمكن المواطن من الصمود أمام هذا الزخم من التطور الذي يعرفه مجال الهواتف النقالة دون اللجوء إلى اقتنائها من السوق السوداء والاكتفاء بالمحلات الخاصة ببيع هذه الأجهزة؟ غير أنه وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نضع نصب أعيننا أن عين الجزائري بصيرة ويده قصيرة. بلقاسم حوام