يقع مسبح سيدي مسيد من الناحية الشمالية أسفل مدينة قسنطينة حيث يعتبر بلا مبالغة كنزا سياحيا حقيقيا كان له مجد عظيم لعشرات السنين من افتتاحه في أول جوان 1872 وإلى غاية سنوات التسعينيات التي تعرض خلالها إلى إهمال كبير، ضيع بريقه وأحاله إلى منطقة محرمة جراء الفضائح والموبقات التي كانت تقترف عند عتباته. في الوقت الذي كان هذا المكان التاريخي محل تكوين وتدريب لأبطال عالميين وإفريقيين في السباحة وكرة الماء، واليوم تحاول السلطات المحلية إعادة بعثه إلى الواجهة، لكن هل نجحت في ذلك؟ لنبدأ من البداية.. منذ بضع سنوات رحل عن دنيانا بطل من أبطال إفريقيا في السباحة إبان الخمسينيات دون أن يذكره أحد، وكان الرجل في عز انتصاراته قد تنقل إليه الشيخ ابن باديس شخصيا إلى مسبح سيدي مسيد الذي كان يجري فيه تدريباته ثم أخرجه من المسبح وقبله على جبينه قائلا له "إنك شرفت المدينة والجزائر وأمتك العربية الإسلامية" وكان ذلك بعد فوز هذا السباح الماهر بلقب بطولة إفريقيا، إنه بشاغا بن شايب ابن قسنطينة البار، الذي تلقن مبادئ العوم في مسبح سيدي مسيد "البريمو والأولمبيك والمسبحين الصغيرين" قبل أن يصبح بطلا شهيرا. وقبل بن شايب كان هناك شاب يتدرب منذ كان عمره 8 سنوات على مبادئ السباحة بشكل يومي إلى أن صار من أبرز السباحين المعروفين بالمدينة، مدينة قسنطينة التي ولد بها في 18 نوفمبر 1915 إنه ألفريد نقاش الذي صار فيما بعد بطل فرنسا 15 مرة وبطل أوروبا مرتين وبطل العالم في صنف 200 متر سباحة على الصدر عام 1941 وقد توفي فجأة على إثر أزمة قلبية، والطريف في الأمر أن هذا السباح الشهير الذي كان ينتمي إلى الديانة اليهودية، عانى كثيرا من الفرنسيين بعد هجرته من قسنطينة التي أحبها حد الجنون وكان يمدح تعايش الديانات الثلاث بها على عكس ما حصل له بفرنسا حين منع في الأول من العوم في مسابحها كي لا ينجسها حسب تعابير المعادين له. وفي الإمكان ذكر أيضا سباحين أبطال آخرين تخرجوا من مسبح سيدي مسيد بقسنطينة على غرار عائلة فوغالي وناصري في اختصاص كرة الماء وباشتارزي وغرهم كثير، واليوم يعيش هذا المسبح التاريخي الذي تم فتحه أول مرة في الفاتح من جوان 1872 وضعية صعبة للغاية، فزيادة على كونه موقع تدريب وتكوين السباحين فهو يقع في أروع مناطق قسنطينة السياحية وتحيط به الأشجار والخضرة من كل جانب، فضلا عن منحدرات جبل سيدي مسيد الذي سمي على ولي صالح مدفون فيه قبالة "المونيمون" وبمحاذاة موقع يطلق عليه "سيدة السلام" والمكان في مجمله يعد "تحفة" جغرافية بكل المقاييس، غير أن المعضلة التي تحز في النفس الإهمال الكبير الذي تعرض له المسبح بكل مرافقه على غرار النزل مثلا، حيث أصبح مرتعا لكل المنحرفين والشواذ، ومع أن تحسينات أجريت عليه في المدة الأخيرة بعد ضخ المياه إليه عن طريق مضخات خاصة وإشراف البلدية على تنظيفه وحراسته، فضلا عن أحاديث حول إمكانية استثمار أحد الخواص لهذا الموقع قريبا، يبقى مسبح سيدي مسيد يثير الكثير من المواجع والأشجان فهو كنز سياحي لم نوفق في استثماره كما يجب. رشيد فلالي