كثير هم المسنون الذين تتخلص منهم مراكز الإيواء في الجزائر الخاصة بهم، أو يفرون منها برغبتهم، ليجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في مستشفى الأمراض النفسية، باعتباره الملجأ الوحيد لهم. وفي سياق متصل، أسرّ إلينا عامل على مستوى مستشفى فرانس فانون، بوجود أشخاص مسنين لا يعانون من أي مرض نفسي أو عقلي، بعضهم تم جلبهم على أساس أنهم في حاجة إلى معالجة نفسية، ليكتشف الأطباء في المصحة-بعد الكشف- أنهم لا يعانون من أي اضطراب سواء نفسي أم عقلي، وأنه تم جلبهم إلى المستشفى لعدم وجود مأوى لهم. ومن بين الحالات التي وقفنا عندها، حالة “عمي خالد”، الستيني، الذي تخلت عنه عائلته ليجد نفسه في دار المسنين بسيدي موسى، التي لم يستطع التأقلم مع يومياتها، ليقرر الفرار ويحتويه الشارع ويدخل عالم التشرد، إلى أن عثرت عليه وحدات الإسعاف الاجتماعي التي جلبته على أساس أنه متشرد خطر على المجتمع. وهو كما يبدو للرائي من الوهلة الأولى متأقلم جدا مع حياته الجديدة، ولو أنها خطر عليه من الناحية العقلية وحتى الجسدية. وفي حالة أخرى، تظهر ملامح تعيسة لعجوز في نهاية العقد الخامس، تدعي الجنون حتى لا يتم طردها خارج أسوار المشفى، لأنه بعدما تخلت عنها بناتها لا مأوى لها غير هذا المكان.. حاولنا التقرب منها، فادعت الجنون، لكن سرعان ما هدأت وصارحتنا بأنها طردت من دار للمسنين بالغرب الجزائري، بحجة الاكتظاظ، الأمر الذي قادها إلى المبيت في الشارع، ومن هناك تنقلت بين الولايات لتجد نفسها هنا.. وكحماية لنفسها، تدعي الجنون وتكون عدوانية باستمرار كي لا تطرد من هناك مجددا. كما يعدُّ المستشفى الكبير حالات أخرى مماثلة لعجزة وجدوا أنفسهم مقيمين دائمين بمصحات المجانين، عوض دور العجزة..غادرنا المكان قاصدين مستشفيات عقلية أخرى على مستوى العاصمة، حيث تفاجأنا بحالات مماثلة فضلت تقاسم الفراش والطعام مع المختلين والمرضى النفسانيين، عوض معيشة الذل في بعض دور العجزة حتى لا نعمم فشل هذه الأخيرة في تأطير هذه الفئة. وجودهم هناك يعرضهم لأخطار معنوية وفي نفس الباب، تقول الأخصائية النفسانية، “فضيلة بخيتي”، إن وجود المسنين العقلاء في مثل هذه الظروف يعرضهم لأخطار معنوية كبيرة، وقد يقودهم إلى الانهيار والجنون، موضحة أنه من الضروري على وزارتي الصحة والتضامن إنشاء هياكل خاصة بهؤلاء الأشخاص، وتحديد مهام الهيئات الوصية، مع إلزامية وضعهم في مؤسسات خاصة بفئتهم تخضع لقوانين معينة.