“السلام عليكم”.. لم تكن هذه الكلمة من إمام مسجد الرحمة بالعاصمة إلا إيذانا ببدء حناجر المصلين في إطلاق شعارات، دأب الحراك على ترديدها كل جمعة.. “دولة مدنية.. ماشي عسكرية”، “اييي فيفا لالجري يتنحاو ڨاع” وغيرها، بدأت تغطي على أزيز الهيلكوبتر، التي تثبتت فوق رؤوسنا طيلة خطبتي الجمعة والصلاة.. لكن الملفت في الجمعة 21 الماضية، هو تلك الشعارات الجديدة المنادية بإطلاق المجاهد لخضر بورڨعة، وتركيز المتظاهرين على ما سموه “خيانة الڨايد صالح”.. كنت قد سحبت ابنتي “ليلى”- التي تعرفت لأول مرة على الحراك- إلى الدرج المحاذية لمسجد الرحمة، التي تؤدي مباشرة إلى شارع ديدوش مراد المنتهي عند ساحة أودان.. لم يكن الزحام بتلك الكثافة التي عرفتها الجمعات الأولى للحراك، ولا التي تلتها.. بل واضح أن هذه الجمعة ستكون مختلفة من حيث الزخم، ومن حيث نوعية المشاركين فيها.. ففي خلال الأسبوع الذي سبق الجمعة 21، كانت دعوات أطلقت على مختلف منصات التواصل الاجتماعي تدعو إلى عدم الخروج لهذه الجمعة بالذات الموافقة ل5 جويلية عيد الاستقلال.. بالنسبة إلى هؤلاء، فإن هناك مخططا عدائيا يجري تنفيذه، بمشاركة قوى سياسية تنشط منذ ما قبل عهد المخلوع، وبتحالف مفترض مع قوى أجنبية.. ويبدأ تطبيق هذا المخطط من هذه الجمعة وما يليها من ندوات حوار سياسية ستبدأ من السبت 6 جويلية.. شخصيا، وخلال بحر ذاك الأسبوع، كانت وصلتني معلومات حول “تحالف” يكون قد تشكل بين أقطاب من الدولة العميقة التي كان يتزعمها الجنرال توفيق، ومؤثرين من حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحل (FIS).. بحسب المصدر، فإن “محادثات متكررة” جرت حول الدفع نحو إضعاف الجيش، والتعهد بإعادة إدماج وتعويض كل ضحايا من قتلوا أو فقدوا أو شردوا من عائلات مناضلي الفيس خلال العشرية الحمراء.. يشدد المصدر على أنه ليس متأكدا من الصيغة التي قدم عبرها هذا المقترح لقيادات في الفيس تضررت كثيرا من سلوكات النظام عبر مختلف حقبه، ولا التبرير الذي قدم لها في سبيل إنجاح المخطط، لكنه يصر على أن النتيجة هي نفسها: تحالف لإسقاط النظام مع ضمان تعويض آلاف المتضررين.. المصدر، وهو من الأفافاس ومن عائلتي الكبيرة، أوضح أن تنفيذ المخطط له عدة آليات، لكن رأس الحربة فيه هو قناة المغاربية، التي ستتكفل بهندسة وعي معين لدى هذه الشريحة المستهدفة في الاتصال.. والغرض هو الاستثمار في حالة اللاثقة بين هذه الشريحة والمؤسسة العسكرية، ورسم صورة ذهنية أكثر سوءا عنها بغية إضعافها من جهة، وتقليص هامش المناورة لديها محليا ودوليا.. المصدر الذي أثق في مصداقيته ومعلوماته، أشار أيضا إلى علاقة مفترضة بين رجل مال وأعمال محبوس حاليا وعدة تنظيمات وشبكات في المهجر وفي مناطق بالجزائر بعينها!! هذه المعلومات، وأخرى متعلقة بلقاء مفترض بباريس بين أشخاص في الأرسيدي والأفافاس والماك وصحفيين، كانت وصلتني مباشرة بعد حراك الجمعة 19، التي شوهدت فيها جرعة كبيرة من استعداء الجيش من جهة، وفتح ملف الهوية أكثر من خلال رفع رايات غير الراية الوطنية ولافتات صنفت في خانة “المريبة”.. لكن في الجمعة 20 – 5 جويلية، وعلى طول الشارع كانت راية واحدة ترفرف هي الراية الوطنية.. لكن كانت ثمة خطب ما.. كانت المسيرات مقسمة مجموعات مجموعات، ورايات كل مجموعة متشابهة في الطول وفي مكان رفعها، حيث يخيل إلى الرائي أن هناك تنظيما محكما لذلك.. اللافتات أيضا كانت متشابهة إلى حد الغباء.. لافتات من قبيل “المادة 7 و8 من الدستور” و”libérez les détenus” و”أطلقوا سراح عمي لخضر” كان واضحا أنها خرجت من مطبعة واحدة!! وقفت وابنتي تحت ظل شجرة، في نصف المسافة بين مقر حزب الأرسيدي والجامعة المركزية.. مكان استراتيجي يسمح لك بمشاهدة الشارع بطوله.. ولكن أيضا لمتابعة سيمفونية يتم عزفها باسم الشعب!! عددت، وأنا أشاهد المسيرات، 4 مجموعات ذات نسق واحد في اللافتات والشعارات.. قبل أن تكسر هذا النمط مجموعة تحمل لافتة تطالب بالزج بخالد نزار في السجن، وتصفه بالجزار.. تلك المجموعة كان أغلب من فيها يلبسون العباية وهم ملتحون.. لم تطق ليلى الوقوف.. بقيت تطالب بأن نندمج ونغني معهم، وأنا أومئ برأسي فقط، إلى أن أفلتت يدي واخترقت تجري في إحدى هذه المسيرات.. تلك المجموعة كان ظاهرا أنها ليست من العاصمة إطلاقا، فاللكنة، ومظاهر التعب كانت بادية رغم أن المسيرة بدأت لتوها! أمسكت ابنتي بيد شابة، تحمل علما صغيرا فلحقتها، قبل أن يرمقني أحد الشباب ببنية عضلية مبسوطة.. لكنني سارعت لتعنيفها بالقبايلية.. والحمد لله مرت سلامات.. كان الوقت قد مر بنحو ساعة من الزمن عن انقضاء صلاة الجمعة، حين بدأت تظهر مجموعات أخرى، وبشعارات تمجد الجيش، وترفع لافتات شهداء، وتندد بفرنسا الاستعمارية.. “نحينا الخامسة ومازال ولاد فرانسا”، و”جيش شعب خاوة خاوة”، وغيرها كأناشيد حزب الشعب القديمة، كانت تصدح هنا وهناك.. لم تمنع درجة الحرارة المرتفعة حينها هؤلاء الشباب من التوقف عن الأهازيج، لكن ليلى تعبت وطالبت بالعودة إلى البيت.. بعد ساعة تقريبا، كنت في المنزل، وبدأت أتصفح بعض المواقع والصفحات والمجموعات، لأتفاجأ بسمفونية سياسية بدأت تعزف للتو، أن “هذه الجمعة هي أكبر الجمعات زخما” مع تداول صور، كان يمكن لأي متابع بسيط أن يكتشف أنها من جمعات سابقة.. كانت المطالب في تلك التصريحات تتنوع بين إطلاق سراح “سجناء الرأي”، وضرورة “عودة الجيش إلى الثكنات”، و”استرجاع الجيش” كما قالها أحدهم صراحة!! كنت أنتظر منتبها في تلك الجمعة وما بعدها أكثر إلى تصريحات كل من سعيد سعدي وعلي بلحاج وكريم طابو والعربي زيطوط ومحسن بلعباس.. قبل أن أتفاجأ بتصريح القيادي البارز في الفيس، عبد القادر بوخمخم، الذي اعتبر البعض تدخله “ضربة معلم”، جاءت في سياقها وفي توقيتها.. بوخمخم، اعتبر أن الجيش ذو توجه وطني، وأن هناك ظلما يطال هذه المؤسسة، وغيرها من التصريحات التي تفهم أنه يدعم القيادة العسكرية الحالية.. يوم الثلاثاء الماضي، وأنا بولاية عنابة، وصلتني رسالة غريبة من مصدر في قناة المغاربية في لندن.. يقول فيها صاحبها إن اجتماعا تم في مكتب القناة بباريس، وكان هناك حديث عن تصعيد خلال هذه الأيام نحو “الدعوة إلى عصيان مدني شامل”.. بحسب المصدر، فإن من كان بالاجتماع زميل صحفي بالمغاربية، تحفظ عن ذكر اسمه، وشخص من حركة رشاد، وشخص مناضل في الأفافاس.. للأمانة، فقد حاولت أن أتأكد من المعلومة من مصدر ثان، ولم أفلح إلى حد الآن.. لكن المصدر نفسه، تحدث عن سعي حثيث هذه الأيام للتواصل مع شخصية نمساوية من اليمين المتطرف هناك، لها علاقات متشعبة مع بعض المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، لإقناعه بمسعى معين، يقول المصدر إنه يرجح أنه على علاقة بمساجين الحراش والبليدة!! شخصيا، لم أعر هذا الخبر أهمية كبيرة في التحري، لعدة أسباب قد يطول شرحها، لكن وفقت في لقاء أحد المقربين من علي بلحاج، وهو على قدر كبير من المصداقية والوطنية، وقد كان سجينا أيضا في فترة التسعينيات.. ناقشت هذا الأستاذ حول “التحالف” المفترض بين أركان من دولة التوفيق وقيادات من الفيس المحل، يقضي بإرجاعهم حقوقهم وتعويضهم وعائلاتهم عن سنوات الظلم الذي عاشوه، وتعهد بإرجاع الفيس إلى وضع ما قبل 1992، مع بعض الشروط التي يجب الالتزام بها، كعدم الحديث عن “دولة إسلامية” أو إطلاق تصريحات تحريضية وغيرها.. نفى الأستاذ علمه بذلك.. لكن عرج على الحديث معنا إلى ما استفززته به مما وصفه بعض المحللين من “فقدان علي بلحاج البوصلة وضربة معلم من عبد القادر بوخمخم”.. يشدد الأستاذ على أن هناك “غياب ثقة تامًّا” بين النظام ككل وبين قواعد الفيس قاطبة.. وتابع: “يعني، أنا من ربع قرن، وأنا أقتل (بتشديد التاء) وأشرد وأمنع من تقاعدي ومن عملي ووو ثم لمجرد أن يدخل فلان وعلان السجن تطلب مني أن أعطيك صكا على بياض أن هناك ثقة”.. سألته: “في اعتقادك، ما الذي يجب أن تفعله السلطة الحاكمة الآن كي تكسب ثقتكم؟”.. قال: “خطوات تبعث على الثقة، كإطلاق سراح العشرات ممن هم مسجونون من 20 و25 سنة.. أو على الأقل تقريب سجنهم من مقر سكنى أهلهم.. بأي حق تبقى عائلة من بشار تزور سجينها في تازولت بعد 3 أيام سير في الطريق؟” بحسب تعبيره.. وأضاف: “علي بلحاج ممنوع حتى من الصلاة، لمَ لا يرفع الحظر عنه”..