لطالما عرفت ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف حالة استنفار قصوى وطوارئ بالنسبة لبعض الأجهزة الخاصة بحماية صحة المواطنين وعلى رأسها الحماية المدنية والصحة العمومية، غير أنّ اللافت للانتباه هذا العام هو تراجع الإقبال على المفرقعات والألعاب النارية مقارنة مع ما تعودنا على ملاحظته في سنوات خلت. طاولات الشباب التي كانت تنصب لأسابيع قبل حلول المناسبة باتت قليلة ومصالح الأمن كانت لها بالمرصاد، غير أنّ المواطنين أحجموا عن الاقتناء وهو ما تجلى في ليلة الاحتفال أمس، التي مرت هادئة نوعا ما، ليلة لم نسمع فيها صافرات سيارات الإسعاف ولم نشهد فيها استنفارا في مصالح الاستعجالات والحروق، إلاّ حالات نادرة… وأكد في هذا السّياق مصطفى زبدي، رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، تسجيل تراجع كبير في الإقبال على اقتناء المفرقعات واستعمالها على مستوى جميع ولايات الوطن بنسبة فاقت الخمسين بالمائة. وقال زبدي أن تراجع المفرقعات كان منتظرا بالنسبة لهم، مرجعا الأمر لثلاثة عوامل أساسية، تتمثل في تشديد الرقابة على الألعاب النارية والمفرقعات من قبل الأجهزة الأمنية وعمليات المراقبة والتحري التي تم تكثيفها بشكل لافت للتصدي لهذه الظاهرة ومن ابرز ما يدل على ذلك هو العملية النوعية التي تم القيام بها في ولاية سطيف بحجز مليون ونصف مليون وحدة مفرقعات. وأشار زبدي في حديثه عن العامل الثاني إلى الأسعار الباهظة لتلك المفرقعات التي ناهز ثمن بعضها 10 آلاف دج وتدني القدرة الشرائية للمواطنين في ظل الازمة العامة التي تعصف بالجميع. وفي الأخير، أوضح زبدي أن العامل التوعوي والحملات التحسيسية أتت أكلها وساهمت بشكل كبير في تراجع وانحصار انتشار المفرقعات من قبل المجتمع المدني والهيآت الرسمية وكذا دور وسائل الإعلام الإيجابي سواء المكتوبة أو المرئية أو المسموعة التي تجنّدت بقوة وتبنت القضية وأدلت بدلوها في التوعية من مخاطر الألعاب النارية ومضارها الاجتماعية والصحية. وختم زبدي بالقول لأول مرة منذ زمن لم نشهد ليلة استنفار قصوى من قبل بعض القطاعات، فالاحتفالات لم تكن بالحدة التي عهدناها في سنوات سابقة. من جهته، اوضح ممثل الحماية المدنية لولاية الجزائر خالد بن خلف الله ان العاصمة لم تسجل سوى 3 حوادث لنشوب حرائق على مستوى شرفات المنازل في كل من بلدية دالي براهيم وخرايسية وآخر في قبو شرق العاصمة. كما قامت وحدات الحماية المدنية بإخماد 08 حرائق حضرية ومختلفة بكل من ولاية الجزائر، سطيف، جيجل، المسيلة، عنابة، ميلة، ادرار، تم التحكم في هذه الحرائق وعدم انتشارها بالتدخل السريع لأعوان الحماية المدنية ولم تسجل اية خسائر بشرية. وعلق ممثل الحماية قائلا “هنالك تراجع كبير وكبير جدا لاقتناء المفرقعات هذا العام، ومن ثم قلّت آثارها السلبية بشكل قياسي وغير مسبوق”. وبرر المتحدث الأمر بالمجهودات المبذولة على مستوى السلطات الأمنية ممثلة في عمليات الحجز التي تقوم بها الشرطة والدرك والجمارك وكذا غلاء أسعار المفرقعات وانتشار الوعي لدى المواطنين. جلسات عائلية.. احتفاليات دينية وألعاب نارية هكذا احتفل الجزائريون بالمولد النبوي الشريف أحيت العائلات الجزائري ذكرى المولد النبوي الشريف بتقاليد تختلف من منطقة إلى أخرى، غير أنها تشترك في إقامة الجلسات العائلية والسهرات الدينية ولا تستغني عن الألعاب النارية التي كانت هذا العام أقل حدة بسبب حملات التحسيس الواسعة، خاصة أن ليلة المولد النبوي الشريف تحظى بقدسية كبيرة عند الجزائريين لا تضاهيها إلا قدسية ليلة القدر في شهر رمضان، حين يحتفلون بختان الأطفال وتنظيم احتفاليات في المدارس و”قعدات” على وقع المدائح الدينية والجلسات العائلية… تحضر العائلات الجزائرية خلال هذا اليوم من كل سنة مختلف الأطباق التقليدية التي تزين بها طاولتها “كالرشتة” التي تشتهر بها الجزائر خصوصا في شرقها وهي عبارة عن مزيج من الطحين والدقيق يمزجان بالماء والملح ويتم تقطيعها لصناعة الرشتة، ثم تجفيفها لتطهى بالزبد ومرق الدجاج والبصل والجزر واللفت والحمص، لتقدم وعليها قطع الدجاج الشهي أو اللحم. “التريدة” و”الكسكسي” و”الشخشوخة”.. تختلف هذه الأطباق باختلاف تقاليد المنطقة وهي أكلات شعبية غالبا ما نربطها بهذه المناسبات، إضافة إلى بعض الحلويات للسهرة “كالطمينة” المصنوعة من الدقيق والعسل والزبدة بالإضافة إلى الشموع لخلق جو عائلي ديني يستذكرون من خلاله السيرة العطرة لأفضل خلق الله محمد صلوات الله عليه. الشموع والحناء والعنبر عادات لا جدال فيها تزينت البيوت الجزائرية وشرفات العمارات السبت بأضواء الشموع المنيرة التي تعد عادة لا يستغنى عنها في مثل هذه المناسبة ورائحة العنبر التي تلطف المكان بالإضافة إلى الأغاني والأناشيد الدينية التقليدية التي تنشدها الجدات وهي تطلي الحناء على أيادي أحفادها وتروي لهم قصص الصحابة وسيرة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام. ويردد الأطفال الأناشيد والقصائد الدينية على رأسها “طلع البدر علينا”. ختان الأطفال في ذكرى مولد خير الأنام ويفضل الجزائريون في بعض المناطق ختان أبنائهم في ليلة المولد النبوي الشريف اتباعا لعادات وتقاليد متوارثة منذ القدم على غرار منطقة الجنوب التي تخلق جوا يحسس الأطفال بقدسية هذا اليوم وبأهميتهم من خلال وضع “راية” خاصة على سقف منزل الطفل الذي سيُختن ليلة المولد النبوي الشريف. هذا ما يبرز تبرك سكان المنطقة بذكرى مولد النبي صلاة الله وسلامه عليه. احتفالات المولد بين الأمس واليوم تغير طابع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين الأمس واليوم، فقد تراجعت العادات القديمة حين كانت تزين المنازل والشرفات وأسطح المباني بالشموع. و”بابا سالم” الذي يمر على الأحياء بطبله الكبير لجمع مال الصدقات من المحسنين. وبعدما كان مقتصرا في الماضي على إشعال الشموع والنوالات والعنبر، صار منحصرا على من يملك أقوى أنواع المتفجرات باختلاف أسمائها من “تي أن تي”، إلى “شيطانة”، وغيرها من الأسماء المفجعة التي تبث الرعب في النفوس قبل حتى سماع صوت تفجيرها، ومع وصول ليلة المولد النبوي حتى تصبح شوارعنا جحيما لا يطاق، أشبه بحرب شوارع، هذا ما ولد حوادث مأساوية خاصة لدى الأطفال الذين يستهويهم تفجير المفرقعات. هذه المفرقعات التي صارت دخيلة على مجتمعنا تكاد تفقد هذه الذكرى المجيدة معانيها.