تزورنا الليلة مناسبة عزيزة على قلوب الجزائريين ألا وهي ذكرى مولد خير الأنام محمد رسولنا الكريم عليه أعطر وأزكى التسليم، وهي مناسبة ترتبط بالعديد من الطقوس التي تميز أغلب الأسر الجزائرية وتتحد فيها كامل ولايات الوطن من أجل خلق أجواء روحانية يكثر فيها الدعاء والتبجيل والصلوات على نبينا الأمين، وتمزج تلك الأجواء بين الأعراف الإيجابية في إقامة الصلاة والتذكير بسيرة نبينا، إلا أنه وللأسف تحمل تلك الأجواء أيضا عادات سلبية تظهر من الجشع الذي يطبع التجار إلى جانب الاستعمال السلبي للمفرقعات وتخليف عشرات الضحايا تزامنا مع المولد النبوي الشريف على الرغم من الحملات التحسيسية والتحذيرات التي يطلقها الكل. تتلألأ الأنوار في هذه الليلة في كافة البيوت احتفاء بمولد رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام وتملأ أرجاءها الروائح الزكية للعنبر والبخور، وتحضر وجبات خاصة تلتف من حولها الأسر على صوت المدائح الدينية والأدعية والأذكار المنطلقة من المساجد تبعا للبرنامج الخاص الذي تطلقه أغلب القنوات العربية على غرار القناة الجزائرية احتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف، وتصنع أجواء خاصة كتقليد سنوي دأبت عليه أغلب العائلات، بحيث تذهب النسوة إلى التحضير للمناسبة قبل حلولها ما تعكسه الحركية الواسعة بالأسواق من أجل اقتناء مستلزمات الطبخ وتحضير الأطباق التقليدية الخاصة، من دون أن ننسى (الطمينة) كعرف عهدت عليه النسوة تزامنا مع ازياد المولود الجديد، ولم يفوتن فرصة إعدادها احتفاء بذكرى مولد نبينا الكريم، وتختلف الأطباق الحلوة من ولاية إلى أخرى وهناك من يذهب إلى تحضير الرفيس والمبرجة والحلويات المعسلة التي تحضر للسهر في ليلة المولد، أما الأطباق فعادة ما تكون أطباقا تقليدية محضة فهناك من يفضل إعداد الكسكس بالمرق وهناك من يفضل الرشتة أو الشخشوخة أو التليتلي .... ما أجمعت عليه أغلب النسوة اللواتي كان لنا معهن حديث بحيث أوضحت السيدة مريم التي التقيناها ببلكور العتيق أن المولد لازالت تطبعه نفس الأجواء على غرار إشعال الشموع على مستوى البيوت وإبقائها مشتعلة إلى ساعات متأخرة خاصة وأن كل الأفراد يسهرون وهم ملتفون حول صينية القهوة والشاي ليذهب الأطفال إلى اللعب بالمفرقعات في بهو المنازل دون أن ننسى الزيارات التي تعقد بين العائلات لاقتسام فرحة المولد معا، وقالت إن المناسبة عزيزة على كل القلوب وتغمر السعادة بحلولها كل البيوت. أما السيدة سامية فقالت إن المولد له جو خاص عند الجزائريين الذين يولونه بالأهمية القصوى افتخارا برسولنا الكريم، ومن أجل تحبيب أطفالنا في تلك المناسبات التي تسهم بشكل كبير في تربيتهم على الأسس الدينية الصحيحة، وهي شخصيا تقيم عدة طقوس في تلك الليلة فالطبق التقليدي الخاص لا نقاش فيه إلى جانب إشعال الشموع والعنبر والجاوي وكذلك الحناء تكون حاضرة لتخضيب أيادي الأطفال. ارتفاع الأسعار ينغص الفرحة عرفت أسعار أغلب المستلزمات عشية المولد ارتفاعا صاروخيا وهو العرف السلبي الذي دأب عليه أغلب التجار خلال المناسبات مما ينغص الفرحة ويحرم البعض من عيش أجوائها، بحيث هب التجار إلى الزيادة في أسعار السلع على غرار الكوسة واللفت وهما نوعان تستلزمهما الأطباق التقليدية من دون أن ننسى الدجاج الذي صعد إلى 400 دينار فما فوق قبيل المولد كونه مادة مطلوبة جدا، وتفاجأ الكل لذلك الارتفاع الذي يزعجهم في كل مرة من طرف التجار الانتهازيين وعرفت بعض المقاطعات استغلالا واضحا لم يخفه التجار الذين راحوا إلى إلهاب الأسعار على غرار المرادية، المدنية، ميسونيي بحيث تحدثنا إلى بعض المواطنين الذين استاءوا لتلك السلوكات المتكررة من طرف التجار في كل سنة وانتهازهم للمناسبات الدينية من أجل رفع شعار الربح خلالها، وهو ما أجمع عليه المواطنون بسوق المرادية بالعاصمة الذي عرف إاقبالا من طرف الزبائن تحضيرا للمولد بحيث تفنن الباعة في عرض مختلف المستلزمات وتفننوا أيضا في إلهاب الأسعار بحيث ارتفعت الكوسة إلى 120 دينار واللفت كسلعة موسمية إلى 80 دينارا في الوقت الذي نزلت فيه فيما سبق إلى 25 دينارا، أما الدجاج فصنع الحدث كنوع من اللحوم البيضاء التي بقيت متاحة للطبقة المتوسطة إلا أن البعض أراد إلغاءها هي الأخرى بالرفع من أسعارها بغية إبعادها عن الموائد مثلها مثل اللحوم الحمراء حسب ما قاله السيد عثمان من المرادية، بحيث بين حيرته من الارتفاع الذي شهده الدجاج الذي صعد إلى 400 دينار بعد أن كان منذ أيام لا يتجاوز 350 دينار، ناهيك عن خلو رفوفه في لمح البصر من طرف الزبائن خوفا من عدم الظفر به، ذلك التلهف الذي شجع التجار على انتهاج تلك السلوكات في الرفع من الأسعار خلال المناسبات، وكان على الزبائن العزوف عن الشراء لتلقينهم الدرس. إلا أن الظاهرة تستمر ويستمر الإقبال ونقيض ذلك تقابلنا الشكاوى والاحتجاجات المستمرة من ارتفاع الأسعار مما يؤكد التناقض الحاصل. الحرائق وحوادث الأطفال حتمية الألعاب النارية كعرف سلبي طبع هو الآخر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في مجتمعنا، بحيث لا تمر المناسبة دون تخليف العشرات من الأطفال ضحايا المفرقعات النارية من دون أن ننسى حوادث الحرق التي تطال البيوت، ذلك ما جعل مصالح الحماية المدنية لولاية الجزائر تستنفر قواها تحسبا لأي طارئ ناجم عن استعمال الشموع والألعاب النارية خلال المولد النبوي الشريف لمجابهة تلك الحوادث الناجمة عن الاستعمال السلبي واللاعقلاني للألعاب النارية والتراشق بها ورميها بصفة عشوائية على الأشخاص والممتلكات، وتتأهب المستشفيات هي الأخرى لتلك الحوادث الأليمة المصاحبة لمناسبة المولد النبوي بحيث تتجند الأطقم الطبية التي تداوم عملها ليلا لاستقبال المصابين بجروح وحروق تتفاوت درجة خطورتها من حالة لأخرى والتي قد تصل إلى بتر الأعضاء. وما مهّد لذلك هو الانتشار الواسع لطاولات المفرقعات التي تدخل عبر الموانئ بطرق ملتوية عن طريق التهريب، وتصل إلى الباعة التي يعرضونها في السوق وتلقى إقبالا ورواجا. ما وقفنا عليه على مستوى بلكور العتيق، بحيث انتشرت قبيل المواد تلك الطاولات وعرفت إقبالا من طرف الأطفال وحتى أوليائهم بعد أن باتت تلك الألعاب ضرورة قصوى خلال المولد، انتهزنا الفرصة واقتربنا من البعض أياما قبل المولد فاأجمعوا أن لا نكهة للمولد من دون حضور الألعاب النارية على غرار المفرقعات والفيميجان والألعاب الراقية التي يتلون مفعولها في السماء، لاسيما الأطفال الذين انبهروا بأنواع المفرقعات وراحوا يقبلون على شرائها وهناك حتى من الأولياء من رضخوا لطلبات أبنائهم المتكررة حول اقتناء المفرقعات ووجدوا أنه لا مفر من ذلك مادام أنها باتت عرفا ملتصقا بالمولد النبوي الشريف، ما أوضحه السيد رابح الذي كان يقتني المفرقعات لأطفاله وكان يركز على خفيفة المفعول ليبعد خطورتها على أبنائه، وقال إنهم يلعبون بها أمام أعينه خوفا من تعرضهم إلى أي حادث، ورأى أن حب التقليد بين الأطفال يجعلهم يطلبون مثل تلك المستلزمات من أوليائهم، وعدا المفرقعات خفيفة المفعول يقتني أيضا الشموع والعنبر للاحتفال بالمولد وبيّن حيرته من الأطفال وكذا الأولياء الذين يقبلون على اقتناء الألعاب النارية شديدة المفعول التي تساهم في إلحاق أضرار بليغة بالأطفال ليلة المولد بدليل امتلاء المستشفيات بالمصابين خاصة من فئاتهم. وما نختم به هو ضرورة توخي الحذر في هذه الليلة خاصة وأنها الليلة التي تشهد أجواء حامية أكثر من يوم غد المصادف لحلول المناسبة، وبقدر ما كانت الأجواء حامية بقدر ما يسقط الكثير من المصابين بسبب الاستعمال الجنوني للمفرقعات من دون أن ننسى حوادث الحروق التي تطال المنازل والممتلكات بسبب الشموع، فالاحتياط هو واجب وضروري بفتح الأعين على رقابة الأطفال أثناء لعبهم بالمفرقعات وإشعال الشموع فوق قناديل خاصة بها لضمان ثبوتها وعدم سقوطها لتجنب حوادث الاحتراق.