وسط أجواء تحكمها المنافسة وتسير وفق نمط خاص تشهد العديد من أسواقنا الشعبية وجها جديدا من أوجه عمالة الأطفال بين أكوام الكرتون التي أضحى ثمن بيعه ب 300 دج للقنطار مبلغا مغريا أشعل نار المنافسة بين الأطفال الفقراء والمحتاجين حتى أضحى مصدر رزق للكثير منهم على غرار "عصابة شيرود". يبدو أن ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر تخطت كل الخطوط الحمراء وقد أصبح كل شيء قابل للبيع والاستثمار، فبعد العمل في جمع وبيع البلاستيك والنحاس والحديد ...هاهو نمط جديد يخلق مشهدا جديدا، حيث تشهد الكثير من الأسواق الجزائرية الخاصة ببيع الألبسة على غرار سوق بومعطي ودبي نشاطا مميزا مع كل مساء يطبعه انتشار مجموعة من الأطفال في عمر الزهور تتراوح أعمارهم بين 09 و14 سنة على أكثر تقدير في مختلف أزقة الأسواق تترصد بلهفة تناقص النشاط والزائرين لمباشرة عملها هناك ،حيث تتوزع مجموعات هنا وهناك تقتنص فرصة لها لجمع بقايا الكرتون التي يرميها الباعة من جهة، وكذا تقديم خدمات للباعة من خلال مساعدتهم على جمع معروضاتهم وكل مستلزماتها من جهة أخرى. حاولنا الاقتراب منهم لنتحاور معهم، فكانت كلماتهم بريئة براءة عمرهم، لكن معانيها عميقة عمق المعاناة التي يعيشها أغلبهم، وإن كان حديثنا معهم قد سرق البعض من وقتهم إلا أن الحيوية والنشاط الذي كان يغمرهم لم يمنعهم متابعة عملهم في الوقت الذي كانوا يتحدثون إلينا، "عصابة شيرود" هو الاسم الذي أطلقوه على أنفسهم وكانت البداية مع سفيان الملقب "بهريسة" ويبدو أن اسمه كان اسما على مسمى إذ يتمتع بحرارة كبيرة في العمل بالرغم من كونه أصغر عضو فهو يبلغ من العمر 09 سنوات يعمل رفقة شقيقه محمد البالغ من العمر 12 سنة، يعملان في هذه المهنة من سنة، يتنقلان مساءا للسوق لمباشرة عملهما الذي حدد وقته مع إخلاء السوق من زبائنه يساعدان الباعة على حزم منتوجاتهم وإعادة ترتيبها، وكذا حمل كميات من الكرتون إلى خارج السوق. ورغم جسم سفيان النحيل إلا أن نشاطه جعله يتنقل من محل لأخر يعرض خدماته على الباعة وحمل بقايا الكرتون مقابل مبلغ لا يفوق 20 دج في كثير من الأحيان، وعن السبب الذي جعلهما يتجهان إلى هذا العمل بالرغم من صغر سنهما أخبرنا "هريسة" أنه يسعى لكسب "مصروف في جيبه" باعتبار أنه لا يحبذ فكرة طلب النقود من والده. عن مجال استغلال هذه النقود أخبرنا أنه ينفقها في اللعب بألعاب الفيديو "بالي ستا يشن" أو يشتري بها جهاز أم بي 3. محمد .. بلقاسم و بلال هم نماذج أخرى من نماذج رحلة البحث عن الرزق بين أكوام الكرتون، وقد يبدو أن دافعهم مختلف لأنهم اختاروا هذا العمل بغية إعالة عائلاتهم التي تعيش في ظروف اجتماعية سيئة إلى حد ما، عدا بلال الذي كان دافعه شخصيا واختياريا حيث أنه اشتغل لمدة عامين في هذا المجال إلى أن فتح الله عليه بعمل آخر، وقد وجدوا في علب الكرتون رزقا يمنحهم مبلغا ما بين 100إلى 200دج يوميا يساهمون به بشكل أو بآخر في مصروف البيت. ولأن المنافسة حاضرة في كل مجال حتى في الكرتون فقد قسّم هؤلاء الأطفال الأسواق إلى مناطق نفوذ لتقاسم الغنائم حتى لا يكون هناك تناحر . تجارة الكارتون..عمل منظم ومقنن !! خارج حدود أزقة السوق توجد فئة أخرى تبحث عن رزقها والاستثمار دائما واحد. فبينما تقوم الفئة الأولى بجمع الكرتون وإخراجه تقوم الثانية بحمله وجمعه في سيارات وشاحنات بكميات كبيرة، ومن ثم نقله وبيعه إلى مؤسسة"سونيك" التي تعمل على إعادة تحويله. ويقول الشاب "فضيل" أحد العاملين بهذا المجال رفقة شقيقه محمد البالغ من العمر 12 سنة أن الخوض في هذا العمل لم يكن اختياريا بل إن الحاجة هي التي دفعت به إليه، وقد أطلعنا على أنه يتجول بين عدة أسواق على غرار باش جراح ودبي وبومعطي وغيرهم، وهو يجمع في السوق الواحد بمساعدة شقيقه أكثر من 160 قنطار شهريا، مشيرا إلى أن القنطار الواحد يباع ب300دج. كما أضاف أن جمع الكارتون أصبح مهنة واستثمارا للعديد من الأشخاص على مختلف مستوياتهم الاجتماعية، حيث هناك من سخّر شاحنات وسيارات نفعية "ماركة" تجوب وتتجول بين الأسواق مستخدمة عددا من الأطفال الذين يساعدونهم على جمع الكارتون وهم يحصدون مبالغ لا يستهان بها من وراء هذا العمل. التجار والأولياء مسؤولون أيضا .. السؤال الذي طرح نفسه أثناء تجوالنا بين هؤلاء التجار الصغار هو مسؤولية ودور الأولياء اتجاه أطفالهم في هذا المقام. وبهذا الخصوص ذكر الطفل موسى 11 سنة وهو من سكان الحي المجاور لسوق الحراش، أنه كان يمارس عمله هذا عقب خروجه من المدرسة، فيما أضاف الشاب فضيل أن جلّ الأطفال العاملين بجمع الكارتون يعملون دون علم أوليائهم وهذا بسبب عدم وجود رقابة وتتبع من طرف أبنائهم الذين يتجهون إلى الشارع ليستقوا منه ما لذ وطاب لهم. أما مجموعة التجار فأقر أحدهم أنهم يساهمون في استغلال هذه الطفولة وتوسيع دائرة انتشار مثل هذه الانتهاكات، مرجعا المسؤولية بالدرجة الأولى إلى الوالدين الذين تملّصوا من واجبهم،كما أضاف أنه "في كثير من الأحيان نرفض منح هؤلاء الأطفال فرصة جمع بقايا الكرتون لكن إصرارهم هو الذي يجبرنا على القبول مقابل مبالغ رمزية متفاوتة بين 200 إلى 500 دج". والجيد في كل ما قيل هو أن رجال النظافة قد استحسنوا مثل هذا العمل الذي اعتبره "عمي بلقادر" يسير في مصلحتهم إذ ساهم في تخفيف الضغط والعمل عنهم لأنهم وجدوا من يتحمل معهم عبء تنظيف وحمل مخلفات السوق من أكياس وعلب كرتون .. وبعيدا عن هذا وذاك فإن الأمر المؤكد الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن الضحية الوحيدة في كل هذا هم الأطفال الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على تحمل عبئ مشاكل الدنيا في عمر مبكر. زهيه رافع