الطفولة وكل ما تحويه الكلمة من معاني تمثل ثلثي سكان الجزائر. وقد أشارت آخر الإحصائيات أن عدد الأطفال ببلادنا بلغ 12 مليون و 800 ألف طفل ما يترجم نسبة 30 بالمئة من المجموع السكاني، حيث يمثل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة 63 بالمئة فيما تتجاوز نسبة هؤلاء ممن تقل أعمارهم عن الخمس سنوات 20 بالمئة وهي في رأي المختصين نسبة معتبرة تحتاج للرعاية و التكفل الحقيقي ،خاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية وولايات الداخل. حذرت اليونيسيف من ظاهرة عمالة الأطفال مشيرة إلى أن 4,13 مليون طفل عربي تتراوح أعمارهم بين 5 و 14 عاما يمارسون أعمالا خطرة تهدد حياتهم. في حين يدخل سوق العمل بالجزائر سنويا 3 آلاف طفل. وطالبت لمواجهة ذلك برفع سن التعليم الإلزامي إلى سن العمل لإبقاء الأطفال في التعليم، والعمل على إيجاد مصادر بديلة للدخل.تشير الأرقام إلى وجود 28 بالمائة من أطفال خنشلة يمارسون نشاطهم بعيدا عن مقر سكناهم. أما عن الظروف التي بعثت بهم للعمل مبكرا فقد أجمع أغلبية الأطفال على أن السبب راجع للظروف المادية الصعبة التي يعيشها ذووهم. علما أن معظم هؤلاء الصغار يمدون عائلاتهم بالمال الذي يحصلون عليه كمقابل لعملهم. وفي جولة ميدانية قادتنا إلى بعض أحياء ولاية خنشلة مشهد الطفولة ينقسم إلى قسمين، فمنهم من يتمتع بطفولته ومنهم من تحولوا إلى عمال بؤساء يجرون وراء أكياس الخبز اليابس وهي إحدى الحرف الحديثة، إذ يقطع هؤلاء الصبية مسافات طويلة على الأقدام بحثا عن الخبز اليابس في كل مكان، فيما لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة ورغم سنهم الصغير وعدم استعدادهم الجسمي والنفسي للدخول إلى معترك الحياة العملية تجدهم يعانون ويتعبون طوال اليوم وفي مختلف الظروف المناخية، خاصة في فصل الصيف، فكثيرا ما يصادف المواطن الخنشلي أطفالا مستلقين على الأرض متكئين على الجدران بعدما نال منهم التعب، ورغم كل هذا تجدهم يضحكون ويلعبون. خارج هذه الشوارع وفي أزقة السواقة بوسط المدينة توجد فئة أخرى تبحث عن رزقها وعن الاستثمار في الفضلات، فترى جموعهم في عمر الزهور تتراوح أعمارهم بين 09 و14 سنة على أكثر تقدير في مختلف أزقة وسط المدينة تترصد بلهفة تناقص النشاط والزائرين لمباشرة عملها هناك حيث تتوزع مجموعات هنا وهناك تقتنص فرصة لها لجمع بقايا الكارتون والبلاستيك التي يرمي بها الباعة من جهة وكذا تقديم خدمات للباعة من خلال مساعدتهم على جمع معروضاتهم وكل مستلزماتهم. ------------------------------------------------------------------------ ''بينازة'' وآخرون يعملون للحصول على ''البلاي ستايشن'' ------------------------------------------------------------------------ حاولنا الاقتراب منهم لمحاورتهم فكانت كلماتهم بريئة براءة عمرهم، لكن معانيها عميقة عمق المعاناة التي يعيشها أغلبهم، وإن كان حديثنا معهم قد سرق البعض من وقتهم، إلا أن الحيوية والنشاط الذي كان يغمرهم لم يمنعهم من متابعة عملهم في الوقت الذي كانوا يتحدثون فيه إلينا، وكانت البداية مع حمزة الملقب ب(بينازة) يبدو أن اسمه كان اسما على مسمى إذ يتمتع بقصر القامة وبحرارة كبيرة في العمل بالرغم من كونه اصغر طفل بينهم فهو يبلغ من العمر 08 سنوات يعمل رفقة شقيقه سفيان البالغ من العمر 12 سنة يتنقلان إلى كل الأسواق الأسبوعية عبر الولاية ولا يقتصر عملهم على جمع الكارتون بل حتى على بيع الأكياس البلاستيكية وينتقلون من محل لآخر لعرض خدماتهم. وعن السبب الذي جعلهما يتجهان إلى هذا العمل بالرغم من صغر سنهما أخبرنا (بينازة) بأنه يسعى لكسب مصروف جيبه باعتبار أنه لا يحب فكرة طلب النقود من والده. وعن مجال استغلال هذه النقود أخبرنا بأنه ينفقها في اللعب (بالبلاي ستيشن2) أو ليشتري بها جهاز (أم بي 3). حميد، عبد الله، سليم هم نماذج أخرى من نماذج رحلة البحث عن الرزق بين أكوام القاذورات خارج المدينة المزبلة العمومية وطريق الوزن الثقيل بحثا عن الحديد والنحاس والبلاستيك وهو نمط جديد بمشهد قديم. وقد يبدو أن دافعهم مختلف لأنهم اختاروا هذا العمل بغية إعالة عائلاتهم التي تعيش في ظروف اجتماعية سيئة إلى حد ما، بلال البالغ من العمر 14 سنة اشتغل لمدة عامين في هذا المجال إلى أن فتح الله عليه بعمل آخر، وقد وجد في هذا العمل رزقا يمنحه مبلغا مابين 300 إلى 500 دج يوميا حيث يبيع الكلغ الواحد من الحديد أو غيره من البلاستيك 20 دج للكلغ، وبما أن المسافة حاضرة في كل مجال حتى في بقايا الخردوات، فقد قسم هؤلاء الأطفال هذه الأماكن إلى مناطق نفوذ لتقاسم الغنائم. والسؤال الذي طرح نفسه أثناء تجوالنا بين هؤلاء التجار الصغار هو مسؤولية ودور الأولياء تجاه أطفالهم في هذا المقام وبهذا الخصوص ذكر الطفل يونس وهو من سكان حي موسى رداح بأنه كان يمارس عمله هذا عقب خروجه من المدرسة فيما أضاف الشاب علاوة أن جل الأطفال العاملين بجمع هذه المواد من الحديد والبلاستيك يعملون دون علم أوليائهم وهذا بسبب عدم وجود رقابة ومتابعة من طرف آبائهم. أما مجموعة التجار فأقر أحدهم أنهم يساهمون في استغلال هذه الطفولة وتوسيع دائرة انتشارهم بمثل هذه الانتهاكات، مرجعا المسؤولية بالدرجة الأولى إلى الوالدين الذين تملصوا من واجبهم كما أضاف انه في الكثير من الأحيان نرفض جمع هذه المواد منهم لكن إصرارهم هو الذي يجبرنا على القبول مقابل مبالغ رمزية. كما تنتشر ظاهرة التسول في الشوارع وفي محطات نقل المسافرين خاصة وأمام المساجد خاصة في المناسبات الدينية حيث تكثر مشاهد نسوة يجررن أطفالهم مابين 06 سنوات و 12 سنة كان يفترض أنهم في المدارس يدفعونهم الى المارة للتوسل وأخذ بضعة دنانير بشتى طرق الإلحاح والمسكنة والغريب في الأمر أنهم يختارون ضحاياهم . ------------------------------------------------------------------------ ''18 بالمائة من أطفال خنشلة يعانون العوز'' ------------------------------------------------------------------------ استفحلت الظاهرة في مدينة خنشلة خاصة في شهر رمضان الكريم والكثير من المواطنين ينددون بغياب الرقابة ويحملون المساعدين الاجتماعيين المسؤولية لأنهم لا يلعبون دورهم كما يجب بل فيهم من يذهب إلى أبعد من ذلك بتحميل السلطات التي من الواجب عليها حماية هؤلاء الأطفال وأخذهم من أوليائهم إذا لم يكن باستطاعتهم أن يوفروا لهم حياة كريمة، ولذا توجهنا لمختلف مكاتب المساعدين الاجتماعيين ورفضوا الحديث معنا وحجتهم أن صلاحيتهم محدودة جدا وأنهم يعانون التهميش والإقصاء واللامبالاة من حيث الامتيازات المهنية خاصة مع غلاء المعيشة وهو ما انعكس سلبا على مردودهم المهني. وأمام هذه الظروف يبقى 18 بالمئة من الأطفال بخنشلة حسب مصادر مطلعة مكلفة بالشؤون الاجتماعية يعانون الفقر والتهميش بعيدا عن حقوقهم المفروضة، حيث نجد أغلب الأطفال في القرى والبلديات النائية لولاية خنشلة يمارسون حرفة الرعي وتربية الماشية وممارسة النشاط الزراعي حيث استحوذت على عدد كبير من عمالة الأطفال إناث وذكور، حيث في كل عائلة تجد طفلين على الأقل يمارس هذه الحرفة في 15 بلدية في خنشلة وتراهم حفاة، ثيابهم رثة ومظهرهم ككل لا يعكس حاجتهم إلى شيء من النظافة تعيد لهم بريق وجوههم وحاجتهم إلى تسريحة شعرهم المنتصبة. وهي صورة مأساوية جدا لأبرياء توقفت عندهم الحوار لتتحدث إليهم عن يومياتهم مع رعي وتربية الماشية مع مدار العام وهم عرضة للرياح و الحر والبرد، مثلما حصل يوم لقائنا بهم حيث كان الجو حارا حرارة حارقة، هنالك التقينا بالأخوة الثلاثة أكبرهم بلقاسم 14 سنة وربيعة 07 سنوات وشعبان 09 سنوات كلهم لا يعرفون المدرسة بل لا يعرفون حتى أعمارهم. ولما سألتهم عما يقومون به أجاب بلقاسم قائلا: نخرج كل يوم صباحا نرعى الماشية ومنا من يهتم بالزراعة نحن كذلك على مدار العام. لا ندرس. غادرنا المكان و اتجهنا إلى موقع آخر إلى بلدية بابار بالضبط إلى عين لحمة أين التقينا بمسعود صاحب 14 سنة انقطع عن الدراسة بعد 3 سنوات قضاها في الطور الأول الابتدائي وهو يقوم بجمع الماء مستعينا بحمار ولما سألته عن السبب أجاب: لأن ماء البئر مالح. وعندما سألناه عن واقع أطفال المنطقة وأحوال الدراسة أجابنا بأنهم لا يدرسون والقليل منهم انقطع عن الدراسة. ------------------------------------------------------------------------ 20 بالمائة من عمالة الأطفال تتمركز بالأرياف ------------------------------------------------------------------------ أما النشاط الذي تشهده مدينة خنشلة على طوال السنة وهو بيع السجائر (التبغ) وبيع الجرائد، فحسب المعطيات التي أفرزها آخر إحصاء عام للسكان في الجزائر يقدر عدد الأطفال في عالم الشغل ب 000,20 طفل يقل عمرهم عن 15 سنة 60 بالمئة منهم من المناطق الريفية كما تشهد عمالة الأطفال بالمدن الكبرى تزايدا متواصلا رغم التدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية للحد من هذه الظاهرة على غرار فرض قيود على تشغيل الأطفال بين سن ال16 و18 سنة ومنع تشغيل من هم دون سن ال15 سنة مع العلم أن الجزائر قد صادقت على الاتفاقية رقم 182 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بالقضاء على أسوإ أشكال عمالة الأطفال. وكشف بحث ميداني أنجزته الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي أن الطفل الجزائري يستهلك ربع ما يستهلكه الطفل الأوربي من البروتينات مما يؤثر سلبا على وزنه وقامته. وأوضح البحث الصادر أواخر 2006 والذي شمل 1000 طفل ينتمون لثماني ولايات ونشرت نتائجه مجموعة من الصحف الجزائرية أن معدل ما يستهلكه الجزائري من بروتينات لا يتعدى 18 غراما في اليوم، في حين يصل المعدل الأوربي إلى 80 غراما يوميا كما أشار البحث إلى أن 45 بالمائة من الأطفال المستجوبين لهم وزن يبعد بكثير عن الوزن العالمي علاوة على أن أكثر من 53 بالمائة يعانون من قصر في القامة.