بعيدا عن الإحصائيات الرسمية المتضاربة والمتعلقة بعدد المرضى الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها بمصالح ال- بمستشفيات البويرة، لا تزال إلى غاية اليوم أغلبية العائلات على مستوى القرى والمداشر تواجه بشراسة وبمختلف الوسائل فيروس الكورونا بصبر جميل وبالتقيد بالعزل الكلي عن المجتمع لتفادي الانتشار المرعب للفيروس الذي أصاب عائلات بأكملها وحول حياتها إلى جحيم حقيقي. قبل الانتشار السريع لفيروس كورونا كان أغلبية الضحايا يمارسون حياتهم بطريقة عادية، وكان أغلبيتهم يتقيدون بالإرشادات الطبية الخاصة لتفادي الإصابة بالمرض، بدءا باستعمال مواد التعقيم وارتداء الكمامات وتفادي المصافحة وغيرها، لكن الفيروس زارهم من حيث لا يدرون ليجدوا أنفسهم ضمن قوائم المرضى بمستشفيات البويرة. لكن الملاحظ ميدانيا، أن أغلبية الأشخاص الذين مرضوا بالكوفيد 19 فضلوا تجنب زيارة الطبيب أو الذهاب إلى المستشفى، واكتفوا باتباع النصائح الطبية هاتفيا، فيما فضل الآخرون الاستنجاد بالعم "غوغل" للبحث عن الطرق البسيطة وغير المكلفة للشفاء، لكن استهزاء بعض المرضى بالمرض ورفضهم الذهاب إلى المستشفى رغم خطورة حالتهم سبب كوارث لا تحصى، "ولولا لطف الله" لانقرضت عائلات بأكملها، وبالتالي، تتكرر مأساة "التيفيس"، التي عرفتها منطقة القبائل التي فتكت بقرى كاملة. هكذا ساهم الجميع في نشر كرونا بالبويرة عادة، تفضل عائلات المصابين بفيروس كورونا الاتصال بالحماية المدنية في الوقت بدل الضائع، حين يكون الحامل للفيروس في مرحلته الأخيرة، غير قادر على الحركة والتنفس ويصارع الموت، حيث يتجنب الجميع نقله إلى المستشفى خوفا من العدوى، فيتصلون بالحماية التي تستجيب للنداء، ويتكفل الأعوان بنقل المريض بوسائل بسيطة جدا، وهو بين الحياة والموت، إلى مصلحة الاستعجالات، وهنالك تبدأ رحلة عذاب جديدة للحامل للفيروس، وهو ما حدث مؤخرا لإطار يشتغل بولاية البويرة، حيث أصيب هذا الأخير بالمرض، وفضل زيارة طبيب خاص، سلم له دواء، لكن حالته ساءت من يوم إلى آخر، ولما وجد نفسه في حالة يرثى لها اتصلت عائلته بالحماية المدنية التي نقلته على جناح السرعة إلى مستشفى محمد بوضياف، وبعين المكان انسحب أعوان الحماية المدنية وتم تركه في طابور حلزوني للمرضى المتألمين الذين ينتظرون دورهم للاستفادة من الفحص الطبي. ورغم أن حالة المريض تستدعي تدخلا سريعا، لكن كثرة المنتظرين والصابرين والحاملين لفيروس كورونا عرقلت ذلك.. الدلاع والكرموس والكسكي بلحم القديد لمرضى الكورونا ورغم أن زيارة مرضى مصلحة الكوفيد 19 ممنوعة على العائلات، إلا أن الجميع يتابع إلكترونيا وعبر الكام يوميات المريض فى رحلته "الكورونية" للعلاج، حيث مباشرة بد مغادرة الطاقم الطبي لغرفة المريض يفضل هذا الأخير قضاء ساعات كاملة في الدردشة الإلكترونية مع العائلة والأصدقاء، الذين يقاسمون آلام وأفراح مريضهم في كل لحظة، وعادة المريض بمصلحة الكوفيد المغلقة ينتظر على أحر من جمر أي خبر مفرح يزفه إليه الطبيب المعالج، لكن بعض المرضى ينتظرون بفارغ الصبر موعد وصول "القفة العجيبة"، التي ترسلها إليهم عائلاتهم يوميا. وهذا لتفادي تناول وجبات المستشفى التي لا تسمن ولا تغنى من جوع، وعادة، قفة المصاب بالكورونا لا تشبه قفة المساجين التي تمر عبر الإدارة لتفادي دخول الممنوعات، لكن قفة حاملي الفيروس لا تختلف كثيرا عن القفف التي ترافق العائلات بالقرى خلال موسم جني الزيتون، لكونها متنوعة، وأحيانا تجد داخلها أغراضا لا يمكن تصورها، حيث يشترط أغلبية المرضى نوعية الغذاء الذي يرسل إليهم يوميا، الذي يتقاسمونه عادة مع زملاء الغرفة في أجواء مميزة تنسيهم معاناتهم مع المرض. وقد سبق لعائلات المرضى أن تابعت عبر الكاميرات الأجواء الاحتفالية لمرضاهم وهم يتقاسمون صحون الكسكسي الممزوج بالخضر المرفق بلحم القديد، كما تابعوا لحظات تقسيم دلاعة من الحجم الكبير، ولحظات التهام صحون الكرموس والتين، الذي يرسل إليهم يوميا، الذي ينسيهم ألم المرض الذي افتك بأجسادهم، وهم ينتظرون سماع الحكم النهائي للطبيب الذي يقرر موعد مغادرة المصلحة للعودة إلى أحضان العائلة. مرضى يتحولون إلى أطباء ويتحول عادة المريض الذي يغادر المستشفى إلى أكبر مختص في عالم الفيروسات وتجده يقدم نصائح وإرشادات طبية لكل من يحاول أن يستهزئ بالكورونا، خاصة الشباب المتهورين الذين يساهمون في نشر الفيروس بسبب رفضهم متابعة الإجراءت الخاصة بتفادي انتشار الفيروس الذي حول حياة المرضى رأسا على عقب، لكن يبقى المؤسف والمثير للحيرة أن بعض ضحايا الكورونا الذين انتحلوا صفات خبراء الفيروسات تجدهم على مستوى أحياء البويرة يقدمون نصائح لأصدقائهم لتفادي الوقوع في فخ الفيروس، وهم دون كمامات، ما يشكل خطرا على الصحة العمومية، رغم أن البحوث العلمية أثبتت أن المصاب بالكورونا رغم شفائه، إلا أنه يبقى لعدة أسابيع يشكل خطرا على الغير.