رغم الحرارة الشديدة وقلة الإمكانات، وشح السلطات، ناهيك عن خذلان وتشكيك البعض، إلا أن شباب قرية آث يخلف ببلدية مشدالة بولاية البويرة، تمكنوا من تحويل قريتهم إلى تحفة فنية جميلة أبهرت الجميع، ما يرشحها لتكون أجمل قرية وأنظفها بالمنطقة. استغلال جائحة الكورونا، لتحويل القرية إلى لوحة فنية، كان مجرد فكرة عفوية بسيطة، تولدت لدى مجموعة محدودة من الشباب لخدمة القرية عند حضورها اجتماع خلية أزمة للوقاية من كورونا لشباب آخر تطوعوا للتكفل بالجانب الإنساني بمساعدة العائلات التي تأثر دخلها بفعل الجائحة. في البداية، اكتفت المجموعة بطلاء واجهات المستوصف وملحقة البلدية، لكن سرعان ما تطورت الفكرة بزيادة عدد الشباب المتطوع وزيادة الهبات والصدقات المادية المتدفقة، فازداد الطموح لتتوسع الأعمال لتشمل إنشاء أرصفة بنوعية مدروسة، وتزيين محيط ملحقة البلدية، وكذا بناء جدران في أماكن محددة على الطريق عند الحاجة، وإنشاء قناة تصريف مياه الأمطار بجانب المتوسطة، فضلا عن طلاء واجهات الهياكل العمومية وحتى منازل أو محلات الخواص الموجودة على الطريق الرئيس للقرية. لكن، الملفت للنظر هو تفجر طاقات إبداعية في ميداني الرسم والفن التشكيلي، حيث أقدمت مجموعة من الشباب المبدع على تشكيل لوحات إسمنتية معبرة، منها التي ترمز للهوية والأصالة كحروف الأمازيغية والحلي القبائلية. ومنها ما يرمز لثورتنا ورموزنا الوطنية. ومنها ما يرمز للإنسانية عامة كالحب والتآخي وكل ما هو خير، وهو ما جسده الفنان المبدع أميري جلول في لوحاته الكثيرة على طول جدران الطريق الرئيس للقرية، وكذلك الشباب دربال سليم، وليمام وحيد، وعالم خالد، وعالم حميد، وقبلي حسين، حيث شكلوا لوحاتهم في نفس المواضيع فعبروا وأبدعوا، وأبهروا المارة وأهل القرية. وفي مجال الرسم، بزغت أيضا مواهب جلية للعيان، حيث سطع نجم الشاب ساسي ماسي، الطالب في السنة الثانية ثانوي برسوماته الدقيقة في تفاصيلها والمتناسقة في أشكالها وكذلك الدقة في اختيار الألوان، ونفس الشيء مع الشاب مجاط ياسين، الطالب في الثالثة ثانوي الذي رسم رسومات مختلفة لامعة، وكانت موضوعات الرسم هي أبطال الرسوم المتحركة وأعلام وطنية ورياضية خاصة على جدران المدرسة الابتدائية.. كلها مواهب تستحق التشجيع ومدها بيد المساعدة لتتطور. فمؤسف أن تضيع ولا يستفيد منها أصحابها ولا الوطن، شباب مبدع يستحق التفاتة لدفع موهبته قدما إلى الأمام من طرف المسؤولين أو من طرف الذين هم في الميدان. وجب الإشارة إلى أن الشباب المتطوع الذين استغلوا جائحة الكورونا لتغيير وجه قريتهم لم يتلقوا مساعدات بحجم الآمال والبرنامج المسطر والمزمع إنجازه في الميدان، حيث تلقوا مساعدة متواضعة جدا من طرف البلدية في انتظار المزيد، كما تم عقد جلسة مع رئيس الدائرة الذي وعد بمساعدات متمثلة في مواد البناء عامة في انتظار وصولها. وبتحويلهم القرية إلى تحفة فنية أبهرت الزوار، لا نبالغ إن قلنا إن الجيل الذهبي لقرية آث يخلف ببلدية مشدالة يسطر لنفسه تاريخا مشرقا، لكونهم تمكنوا في وقت قياسي من تعويض ولو القليل مما أفسده السياسيون فيها منذ الاستقلال، تجربة "أسود آث يخلف" رائدة وفريدة من نوعها تعزز روح التضامن والوحدة بين أفراد هذا الجيل من شباب القرية ثم بين كل أفرادها وتعبد الطريق للأجيال القادمة للمواصلة فيه.