أفادت مصادر أمنية أن أمير المنطقة التاسعة لتنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" المدعو بن مسعود عبد القادر المعروف باسم "مصعب أبو داود" قد سلم نفسه قبل أيام للسلطات العسكرية بولاية الجلفة بهدف الاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وهي المرة الأولى التي يلجأ فيها قيادي بارز بدرجة "أمير منطقة" في تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى تسليم نفسه تلقائيا للسلطات منذ فترة طويلة وقد جاء قراره بعد خلافات حادة مع "أبو مصعب عبد الودود". حول المنهج المعتمد في التنظيم المسلح منذ تفجيرات "الأربعاء الأسود" في 11 أفريل الماضي والتي خلفت مقتل 32 شخصا وإصابة 226 آخرا بجروح متفاوتة الخطورة بينهم أطفال ورضع. كما سجل تحفظات كثيرة حول "انحرافات" تتم في المنطقة الثانية ولم يتم الحسم فيها مثل سلب الأموال الأبرياء والاختطافات وعدم محاسبة ناشطين مسلحين حولوا أموال "الغنائم" إلى عائلاتهم. وعين "مصعب أبو داود" على رأس المنطقة التاسعة التي تضم ولايات الجنوب في أوت 2006 خلفا لمختار بلمختار المكنى "خالد أبو العباس" و"الأعور" بعد عزله من طرف "أبو مصعب عبد الودود" أمير التنظيم المسلح بسبب رفضه المتكرر تزكية توليه قيادة التنظيم المسلح في سبتمبر 2004 بعد شهرين على مصرع الأمير السابق نبيل صحراوي. وكشف أمير المنطقة التاسعة في اعترافاته لأجهزة الأمن بأن العديد من نشطاء التنظيم المسلح "يرغبون في استغلال أول فرصة تمنحها لهم السلطات للاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، وقال أنه تساهل مع بعض المسلحين ممن أثيرت حولهم شكوك بأنهم سيسلمون أنفسهم للسلطات قصد الاستفادة من تدابير المصالحة ولم يقم بعرقلتهم في العودة إلى ذويهم. الانظمام الى تنظيم القاعدة كان انفراديا وتحدث أمير المنطقة التاسعة عن قرار انضمام "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى تنظيم "القاعدة" في خريف 2006 وقال أنه كان "قرار إنفرادي اتخذه أمير التنظيم أبو مصعب عبد الودود رفقة ثلاثة قياديين آخرين فقط دون مشاورة قادة النواحي أو اللجان على مستوى التنظيم المسلح"، مشددا في هذا الشأن على أن ميثاق تأسيس تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" ينص صراحة على أن القرارات الأساسية للتنظيم المسلح تتخذ بالشورى وبتزكية قادة النواحي واللجان. وحسب "مصعب أبو داود" فإن أول قيادي في "الجماعة السلفية" الذي كانت له علاقة مباشرة مع تنظيم "القاعدة" هو مختار بلمختار المكنى "خالد أبو العباس" ويلقب أيضا باسم "الأعور" وقد تمت هذه الاتصالات عبر عدد من الموفدين الأجانب الذين دخلوا التراب الجزائري عبر منطقة الساحل. وبسبب "احتكار" مختار بلمختار للاتصالات مع "القاعدة" منذ قصة "أبو محمد اليمني" سنة 2001 قرر أمير التنظيم المسلح "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" أبو مصعب عبد الودود استرجاع مبادرة الاتصال ب "القاعدة" بهدف التحكم أكثر في الأوضاع داخل التنظيم المسلح بهدف تحجيم "خالد أبو العباس" وعزله سيما وأنه لا يزال لحد الساعة يرفض، حسب رواية أمير المنطقة التاسعة، تزكية تعيين "أبو مصعب عبد الودود" على رأس "الجماعة السلفية للدعوة والقتال". ولأول مرة منذ قضاء قوات الجيش على نبيل صحراوي المكنى "أبو إبراهيم مصطفى" الأمير السابق لتنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في أعالي جبال أكفادو بولاية بجاية في جوان 2004 كشف أمير المنطقة التاسعة بأن إمارة التنظيم المسلح كانت ستسند خلال الأسابيع الأولى إلى مختار بلمختار "خالد أبو العباس" وهذا لأنه كان القيادي الأكثر توازنا وأيضا معرفة بخبايا الكثير من المناطق وأيضا لأن الوحيد الذي كان يمكن تبوأ هذا المنصب حسان حطاب "أبو حمزة" كان قد عزل وأبعد من قيادة التنظيم المسلح. وحسب ما جاء في اعترافات "الأمير" الذي قرر التخلي طواعية عن العمل المسلح قصد الاستفادة من تدابير ميثاق السلم فإن تعيين "أبو مصعب عبد الودود" على رأس "الجماعة السلفية" تم بناءا على تكتل لعدد من المسلحين الذين ينحدرون من منطقة برج منايل بزعامة سعداوي عبد الحميد المكنى "أبو يحي" وأشار في روايته حول قصة تعيين الأمير الحالي لتنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" أن "أبو مصعب عبد الودود" واسمه الحقيقي عبد المالك درودقال "لم يكن قائدا ميدانيا معروفا ولا هو شخص له مؤهلات القيادة ولكن حصل على الإمارة بدعم مجموعة سعداوي". وأضاف موضحا أن "أبو مصعب عبد الودود لم يتخذ أي إجراءات زجرية لمعاقبة أبو يحي ومعاونيه وهذا بعد أن تأكد بأنه يقف وراء عمليات نهب وتحويل أموال ضخمة لنفسه ولبعض أقاربه ممن التحقوا بالعمل المسلح دون إذن قيادة التنظيم" وذكر في هذا الشأن أن "قياديين في التنظيم المسلح أخطروا أبو مصعب بقصة الحواجز المزيفة التي تسلب فيها أموال الأبرياء بغير حق لكنه قرر بعد تردد تنحية أبو يحي دون محاسبته على الأموال التي حصل عليها بطرق غير مشروعة". ويذكر في هذا الشأن أن أجهزة الأمن أوقفت مؤخرا المكنى "زكرياء" وهو صهر عبد الحميد سعداوي "أبو يحي" وحجزت ممتلكاته ومبالغ مالية ضخمة بولاية تيزي وزو منها فيلات وخمسة محلات لبيع الروائح والعطور ومحل أكل سريع تبين أن هذه التجارة كانت عبارة عن عمليات تبييض للأموال التي سلبت من الأبرياء خلال السنوات الأخيرة حيث تعرض خلال سنة واحدة 87 رجل أعمال ومقاول وتاجر كبير إلى عملية خطف وأطلق سراحهم مقابل مبالغ مالية ضخمة تجاوزت 51 مليار سنتيم دفعت للتنظيم المسلح كفدية. وقال المتحدث في اعترافاته أن مجموعة برج منايل "تمارس نفوذ وضغوط كبيرة على الأمير الوطني للتنظيم المسلح" وتابع "ليس بمقدوره التحرك أو عزلهم لأنهم يسيطرون على الوضع بشكل كبير على مستوى مركز القيادة". درودكال يسير على نهج زوابري وذهب بن مسعود عبد القادر إلى التأكيد بأن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" تعيش حاليا "انحراف خطير عن المنهج السلفي الجهادي" وذكر في هذا الشأن بأنه سمع من "أبو مصعب عبد الودود" كلاما حول المنهج الجديد يشبه إلى حد كبير كلام نسب في السابق إلى عنتر زوابري في آخر أيامه عندما حول المجازر الجماعية إلى وسيلة ثم غاية. وبشأن تطور الأوضاع داخل التنظيم المسلح في الصحراء فقد كشف المتحدث أن مختار بلمختار المكنى "خالد أبو العباس" وهو القيادي الأول الذي اعترض على نهج "العمليات الانتحارية" يتعامل بريبة شديدة بعد تعيين الإرهابي "جوادي يحي" المكنى "أبو عمار" الذي عينه "أبو مصعب عبد الودود" على رأس إمارة الساحل التي تضم كل من أقصى جنوبالجزائر، مالي، النيجر وموريتانيا وهي أبرز المناطق التي تنشط فيها كتيبة "طارق بن زيادة" مما دفع بلمختار إلى معاودة ربط الاتصال مع رفاقه "الأوفياء" سواء الناشطين ضمن المنطقة التاسعة والمنطقة الخامسة ليطلب منهم الالتحاق به وتدعيم صفوفه بسبب مخاوفه من التعرض إلى التصفية الجسدية من طرف "أبو مصعب عبد الودود" وهذا بعد إبعاده من المناصب القيادية في التنظيم المسلح. وقال في هذا الشأن أن "أبو مصعب عبد الودود" طلب عدة مرات من مختار بلمختار الالتحاق بمركز القيادة بمنطقة القبائل "لكن بلمختار رفض ذلك لأنه يعرف أن القصد من ذلك هو التخلص منه نهائيا" وكشف أن "أبو مصعب عبد الودود" أصدر قرارا لتصفية "خالد أبو العباس" وقد كلف أحد مساعديه لتصفيته بدعم من "عبد الحميد أبو زيد" أحد أبرز خصوم بمختار في الصحراء. وأكد أمير المنطقة التاسعة في اعترافاته صحة ما أوردته "الشروق اليومي" قبل أشهر حول طبيعة الخلافات بين مختار بلمختار "خالد أبو العباس" و"أبو مصعب عبد الودود" وقال أنه سمع من العديد من المسلحين الذين ينشطون تحت قيادته "خالد أبو العباس" بأن بلمختار يرغب التخلي نهائيا عن العمل المسلح والاستقرار لدى قبلية البرابشة وهي من توارق شمال جمهورية مالي بعد الزواج من ابنة أحد أعيان هذه القبلية العربية التي تستقر بمنطقة "قاو" غير بعيد عن الحدود الجزائرية المالية. وكشف بأن الخلافات بين "أبو مصعب" و"خالد أبو العباس" أثرت بشكل سلبي على معنويات المسلحين في المنطقة التاسعة التي يقود إمارتها والذين انهارت معنوياتهم بشكل كبير بسبب تراجع المؤونة إلى حدود قياسية وأيضا تراجع الموارد المالية التي كان التنظيم المسلح يحصل عليها في الصحراء وتعرض بعض المسلحين إلى أمراض مزمنة بسبب تزايد مخاوفهم من الاقتراب من المدن والأحياء السكنية التي توجد فيها إمكانية لحصولهم على العلاج فيها فضلا عن غياب ناشطين جدد ضمن المنطقة التاسعة وغياب شبكات الدعم والإسناد. وأشار أمير التنظيم المسلح أنه منذ تنحية مختار بلمختار طلب "مصعب أبو داود" من عناصر التنظيم المسلح عدم تبني الأساليب المتبعة من طرف المنطقة الثانية للتنظيم المسلح والتي تضم ولايات بومرداس، تيزي وزو والبويرة في توفير الدعم والمؤونة مثل نصب الحواجز المزيفة وسلب أموال الأبرياء مثل الفلاحين وترويعهم وخطف الأثرياء ومطالبتهم بتقديم مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم لأنها "أعمال لا تمت بصلة للإسلام". إرهابيون أجانب فروا بسبب الأوضاع داخل التنظيم وبخصوص الأجانب المتواجدين ضمن معاقل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" كشف بن مسعود عبد القادر أن سبعة مسلحين أجانب منهم عناصر من مالي، النيجر وموريتانيا كانوا ينشطون ضمن "كتيبة طارق بن زياد" التابعة للمنطقة التاسعة في تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" قد فروا إلى خارج التراب الجزائري وانسحبوا نهائيا بسبب تردي الأحوال داخل التنظيم خاصة تقلص حجم الدعم والمؤونة. وقال في اعترافاته أن قياديين في مركز قيادة "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" سألوه عن وضع الأجانب في الصحراء ومدى ارتباطهم بالتنظيم المسلح وفهم من محدثيه أن المسلحين الأجانب في الشمال يرغبون في العودة إلى بلدانهم لأنهم كانوا يعتقدون في البداية، كما نقل عنهم، بأنهم سيتدربون في معاقل "الجماعة السلفية" بهدف التنقل لاحقا إلى العراق لكنهم وجدوا أنفسهم مجرد جنود يستغلون لتعزيز صفوف التنظيم المسلح في تنفيذ الاعتداءات التي تستهدف قوات الجيش في منطقة القبائل. من هو مصعب أبو داود؟ اسمه الحقيقي بن مسعود عبد القادر ويعرف ضمن تنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" باسم "مصعب أبو داود" وهو من مواليد 1975 بولاية الجلفة التحق بتنظيم "الجماعة الإسلامية المسلحة" في عهد جمال زيتوني المكنى "أبو عبد الرحمان أمين" سنة 1995 حيث ظل ينشط في مناطق مختلفة إلى غاية استقراره إلى جنب مختار بلمختار "خالد أبو العباس" سنة 2002 وفي السنة الموالية التحق مع عماري صايفي المكنى "عبد الرزاق البارا" في منطقة الساحل وبعد حادثة خطف السياح الألمان التي انتهت في أوت 2003 نشط في المنطقة الصحراوية لعدة أشهر قبل أن يلتحق بالكتيبة التي يقودها "أبو زيد" ومنها عاد إلى النشاط في منطقته الأصلية ببوكحيل ثم الطاسيلي وبعدها في الساحل رفقة مختار بلمختار سنتي 2004 و 2005 قبل أن يقرر "أبو مصعب عبد الودود" تعيينه على رأس المنطقة التاسعة التي تضم ثلاثة كتائب أساسية تتقاسم الاعتداءات الإرهابية في منطقة الصحراء الكبرى والساحل في أوت 2006 بعد شهر واحد فقط من عودته إلى بوكحيل. وبسبب تمسكه بالنهج السلفي رفض "مصعب أبو داود" أن يكون سببا في مقتل مختار بلمختار ولذلك قرر التخلي نهائيا عن العمل المسلح وعن إمارة المنطقة التاسعة وتسليم نفسه للسلطات العسكرية للاستفادة من تدابير العفو بدل أن يكون سببا في مقتل "خالد أبو العباس" الذي يعتبر أول قيادي بارز في "الجماعة" يخرج عن طاعة عنتر زوابري سنة 1998 بسبب المجازر الجماعية وأيضا القيادي الوحيد الذي لا يزال يرفض لحد الساعة تزكية تولي "أبو مصعب عبد الودود" قيادة الجماعة السلفية. أنيس رحماني:[email protected]