يكشف عز الدين جرافة أبرز قيادي جماعة الشرق (الجماعة الإسلامية)، في سلسلة حواراته ل"الشروق"، عن خبايا الصراع الداخلي مع عبد الله جاب الله، منذ تأسيس الجماعة بداية السبعينات وحركة النهضة في عهد السرية والعلنية، كما يعرج على قضايا "الفيس" ورابطة الدعوة الاسلامية، ولجنة الحوار والمصالحة، ويفرد الحلقة الأولى بالتحدث عن صراع الإسلاميين مع الشيوعيين، والاعتقالات التي طالته وأفراد جماعته في مسيرته الدعوية. كيف تشكلت نواة الجماعة الإسلامية التي انطلقت منها؟ بدأت النشاط الدعوي في المسجد الكبير لمدينة جيجل ومدينة الطاهير ومسجد "السعيد" ومسجد حي موسى، كنا نعقد حلقات بعد صلاة العصر، يحضرها مجموعة قليلة جدا من الشباب لأن أغلب مريدي المسجد يومها كانوا كبار السن وتدينهم كان في غالبه وفق العادات والتقاليد.. وظل النشاط بسيطا ما بين 1975 و1977، كنا نجمع بين أسلوب الدعوة والتبليغ والسلفية والإخوان المسلمين، حيث كنا نخرج للشوارع المحاذية للمسجد فنتكلم مع الناس في السوق وفي الشوارع للمسجد، ثم ندعوهم لحضور جلسة خاصة في المسجد مخصصة لتعليم الصلاة وأحكامها وشروطها. ما هي الدوافع لذلك؟ دوافع تعبدية محضة تدخل ضمن إحياء الدعوة للإسلام في بعده العملي والسلوكي كإقامة الصلاة مع الالتزام بالشعائر والآداب والأخلاق العامة، وقد كان مرتادو المساجد يومها يعدون على أصابع اليد الواحدة وأغلبهم من الشيوخ والعجزة ونادرا ما تجد شابا. كيف استفدتم من جماعة الدعوة والتبليغ حينذاك؟ في نهاية 1975، تم الاتصال بنا من طرف شخص بالعاصمة اسمه أبو بكر من جماعة التبليغ وحضر معنا مرتين أو ثلاث، وأخذنا منه بعض الأساليب في كيفية دعوة الناس وإحضارهم إلى المساجد ولو لم يكونوا من المصلين، وذلك عبر تشكيل شبه تنظيم مصغر في كل خرجة، يتكون من: أمير ومتكلم وعنصرين يذكران ويسبحان الله فقط.. كنا ندخل في حوار مع شخص أو مجموعة، فيدعو المتكلم محاوره للصلاة ويحببها له، ثم يدعوه لجلسة في المسجد، ومن يوافق على الصلاة تأخذه لجنة للحمام الشعبي فيغتسل بنية الصلاة ويتوضأ، ثم يأتي إلى المسجد وهكذا يلتحق بالجماعة، فترافقه جماعة في تعليم بقية أركان الإسلام. وبهذه الطريقة التحق بالمسجد كثيرون، ومنهم اليوم أطباء ومهندسون وبرلمانيون وإطارات سامية في الجيش والدولة. تعطي صورة وكأن الإسلام كان مغيبا تماما؟ تأسيس تنظيم الشرق كان جماعيا وجاب الله مجرد أمير كان يومها الانحلال الخلقي متفشيا في المجتمع بشكل ملحوظ، لدرجة أن المجاهرة بشرب الخمر مثلا وسوء الأخلاق والتبرج والمجاهرة بالمعصية وانتشار الملاهي في قاعات السينما قد أصبح شيئا مألوفا.. وقد وجد الفكر الشيوعي المتطرف ضالته في ذلك ليقوم بحملة واسعة النطاق لإشاعة الفاحشة في المجتمع، الذي تحرر لتوه من وطأة الإستعمار الفرنسي، ومع الأسف فقد وقع النظام السياسي يومها رهينة لذلك الفكر الشيوعي المتطرف فاستسلم أو كاد لمخططاته الرامية لإفساد الشباب أخلاقيا، حدث كل ذلك وكأننا لسنا في مجتمع مسلم، وكان النشاط الشيوعي بالجامعات قد بلغ ذروته في بداية السبعينات خاصة على مستوى الجامعات والأحياء الجامعية، كما عرفت الساحة الوطنية نشاطات مشبوهة مضادة للقيم الإسلامية في محاولة لقبر الإسلام عمليا في داره وبين أهله، لدرجة أننا أصبحنا نجد حتى في القرى الصغيرة من يشرب الخمر ويجاهر به.. ولذلك ركزت الجماعات على محاربة الشيوعيين وفضح أساليبهم الماكرة والعمل على إسقاط الأقنعة على نشاطاتهم ومخططاتهم المدمرة. لا تقل لي أنكم تعرضتم الى مضايقات من السلطة؟ هذا الأمر لم يرض السلطة الحاكمة في تلك الفترة، وأثار حفيظة بعض رجالات الأمن في بعض الولايات وعلى مستوى الجامعات، كما أثار قلقلا شديدا في أوساط المسؤولين المحليين ثم المركزيين على اعتبار أن ذلك النشاط يستحيل أن يكون عفويا حسب ظنهم، وقد تصادف أنه في إحدى حلقات دروس الخميس بعد صلاة العصر، تم الهجوم من قبل عناصر الأمن بالزي المدني والرسمي على المسجد الكبير الذي يقع في صلب مدينة جيجل فأخذوني رفقة مجموعة من الشباب الحاضرين في تلك الحلقة. لماذا أنت بالذات؟ بحكم أنني كنت المدرس في تلك الحلقة، وطبعا بدأت الأسئلة وكلها كانت تدور حول البحث عن التنظيم وخيوطه: من أين أتيتم بالفكرة؟ لماذا دعوة الناس للمسجد؟ وما هو الغرض أو الهدف منها؟ من يدفع ثمن الاستحمام والوضوء؟ ليدخلوا بعد ذلك في صلب موضوع الاستجواب عن طريق أسئلة كانت تتكرر كثيرا تقريبا في كل استجواب .. ما هو اسم التنظيم الذي تنتمون إليه؟ ومن هو رئيسه؟.. لكن مثل تلك الاستجوابات كانت دون تعذيب ولا ضرب وفي الغالب كانت حربا نفسية لاستخراج المعلومات التي يرغبون فيها. ما هو الأمر البارز الذي أثار حفيظة مصالح الأمن؟ هو تزايد عدد المنخرطين في هذه العملية غير منظمة وغير القانونية، وأصبح ذلك يوحي كأن هناك تنظيما، وخاصة بعد ظهور نشاطات مكثفة بزاوية حرة صغيرة كانت تسمى مسجد السعيد، وكان غالبا ما يحضر معنا أستاذ يدعى: "ماتر رولا" واسمه العربي رولة، وهو أحد السياسيين الكبار قبل الثورة وأثناء الثورة.. لكنه رفض بعد الاستقلال أي منصب في الدولة.. لقد كان رجلا مثقفا ثقافة عالية جدا باللغة الفرنسية.. كما كان معروفا على المستوى الوطني والمحلي بنشاطه وبدفاعه عن استقلال الجزائر، واحتراما لتلك اللغة الفرنسية البليغة التي كان يبعث بها رسائله للجنرالات والمسؤولين الفرنساويين، فقد كان الرد يأتيه غالبا عن طريق جنرال فرنسي والذي يوجه له التحية العسكرية قبل تسليمه تلك الرسالة.. كما أنه كان مدافعا عن حقوق العمال ومدعما لكل إضراب يشنونه.. وبعد الاستقلال عارض أسلوب نظام الحكم وميثاق 1976، فحكم عليه بالإقامة الجبرية من طرف الرئيس بومدين، لكن بحكم تاريخه ونضاله وعلاقته لم يستطع النظام أن يقوم بتعذيبه أو نفيه.. وقد كانت له رحمه الله وقفات وكلمات يلقيها مباشرة بعد إتمام الإمام لصلاة العصر، كلها كانت ذات أبعاد سياسية وإن لم يكن في ذلك الوقت من يفهم معناها ولا مقصدها.. غير أن حضوره الدائم والمستمر معنا أثار حفيظة رجال الأمن وحتى الفضوليين من محافظة جبهة التحرير الوطني يومها.. ما هو محل "رولا" بين الجماعة؟ قلت أنه كان معارضا لميثاق 1976، وأن طرحه السياسي كان متقدما جدا بالنظر لتلك المرحلة فوجد شبابنا والذين كانوا يصلون معنا في ذلك المسجد الحر- دون إمام رسمي- رغم أنهم لم يكونوا يفهمون أبعاد أطروحاته تلك - كأنه نصيرا لهم.. كما أن هذا الرجل قد ارتاح لهؤلاء الشباب ووجد فيهم بريق أمل للمستقبل.. فكان يجلس معنا ويشد على أيدينا ويعجب بأخلاقنا ومحافظتنا على الصلوات، ويتابع باهتمام تعرضنا لأي استجواب أو تحقيق. حوكمت بتهمة الصيام وعارضت ميثاق 76 وعمري لا يتعدى 20 سنة وذات يوم من سنة 1976، تكلم رولا كثيرا في قضايا سياسية لم يفهم الكثيرون ماذا يريد منها، ثم : "نحن المسلمين يجب أن نصوم يوم غد.. وكان متوافقا مع يوم التصويت على الميثاق "، وصدفة كان يوم الإثنين وكنا نصوم الإثنين والخميس، فصمنا ذلك اليوم، لكنه كان يقصد بذلك عدم التصويت على هذا الميثاق المشؤوم - حسب نظره - والذي لا يخدم الجزائر ولا يلبي طموحات الشعب. يعني تواجهون الميثاق الوطني بالصوم؟ بالرغم من أننا كجماعة صغيرة غير منظمة لم نكن نقصد ذلك، إلا أن الأمر وصل إلى مسامع رجال الأمن، فأخذوني، فيما بقي السيد رولا لأن لديه حماية، فاستجوبوني ومن خلال ذلك الاستجواب الذي كان فيه بعض المشاحنات، وجدت نفسي أمام القاضي وكان عمري يومها لا يتعدي 20 سنة، فاندهش القاضي اندهاشا كبيرا لدرجة أنه سألني مرارا: "هل أنت هو عز الدين جرافة" قلت نعم: رددها مرارا..ثم أخلي سبيلي. ولم تدم تلك الجلسة سوى بضع دقائق، لم أتذكر منها إلا اندهاش القاضي واستشارته لوكيل الجمهورية، ثم أغلق الملف تماما. وماذا كانت التهمة؟ لم أتذكر التهمة لعدم اكتراثي بالمحاكمة أصلا، إلا أن رجال الأمن سألوني من بين أهم الأسئلة حول التنظيم والعلاقة مع الرئيس بن بلة .. والعلاقة مع الخارج، وأغلب تلك الأسئلة لم تبق في ذهني أصلا. لأن التنظيم لم يكن موجودا لا بمفهومهم ولا بأي مفهوم آخر. معناه كل التهم ضد النظام تلفق إليكم؟ نعم، لأن ذلك النشاط غير المسبوق لجماعة من الشباب أغلبهم طلبة، إما في الثانوي أو الجامعي كأبعد تقدير، والذي تحول خلال سنتين ليصبح عددهم بالمئات، فهذا يوحي بأن هناك تنظيما لابد من معرفته في نظر السلطة، لكون الظرف السياسي يومها، لا يسمح بأي نشاط أو عمل دعوي، خاصة وأن نشاطات متشابهة في العاصمة وقسنطينة وعنابة ومعظم ولايات الشرق، ومن ثم بدأ الأمن يحرص على تنفيذ استجوابات أسبوعية، بالسؤال: هل يوجد تنظيم ومن هو قائده؟ وما هو برنامجه وعلاقاته مع الغير؟.. فبالنسبة للداخل كانت الأسئلة عن العلاقة مع الرئيس بن بلة، أما الخارج فعن العلاقات مع المخابرات الأمريكية وغيرها.. ورغم المضايقات فقد التحق بنا في تلك المرحلة عدد معتبر من شباب تلك المرحلة وأغلبهم اليوم إطارات سامية ودكاترة وضباط، وفي سلك القضاء والأغلبية في التعليم ما بين الثانوي والجامعي.. كم مرة خضعت للاستجواب طيلة مسيرتك الدعوية؟ حوالي 150 مرة تم استجوابي في محطات مختلفة. متى توجهتم نحو العمل التنظيمي؟ لم تكن لدينا أي علاقة تنظيمية، ولم يتصل بنا أي شخص من تلك التنظيمات التي لم نكن نعرف عنها ولا عن وجودها أصلا. وكانت هناك علاقات شخصية مثل التي حصلت مع الشيخ الأبيض العيد الذي جاءنا في سنة 1976 - ليس باسم التنظيم- ولم نكن نعرف يومها أنه يوجد تنظيم يسمى الدعوة والتبليغ كما لم يحدث أي التزام معه.. وقد استقبلناه ببساطة وكان يوم اثنين، فجلسنا معه بعد صلاة العصر إلى غاية صلاة المغرب وكنا صائمين.. وبكل محبة وعفوية عرضت عليه مرافقتي للبيت فوافق دون تردد، فأفطرنا على حساء فاصولياء "لوبيا" دون تكلّف ولا سابق تحضير ثم عدنا للمسجد لصلاة العشاء وكنا سعداء بذلك، سعادة لا تضاهيها سعادة.. لقد كانت يومها أخلاق رفيعة جدا حيث كان الجميع يعمل لله تعالى، مع قناعة تامة أن هذا الإسلام سيعود إلى الوجود كما بدأ أول مرة.. وفي سنة 1978 جاء الأستاذ: عبد الحميد عبد اللاوي من خنشلة ليعمل كأستاذ في ثانوية الطاهير ولاية جيجل، وهو خريج جامعة قسنطينة، وكان يومها ينتمي لجماعة الشرق فوجد كأن الأمر غير طبيعي، حيث لاحظ أن هناك عدة أنشطة في مساجد متعددة مع وجود فتيات متحجبات، فبدأ يشك في وجود تنظيم ما، وقد حصلت لي معه جلسات عادية.. وفي إحداها سألني عن الجماعة التي أنتمي إليها، وخاصة بعد أن لاحظ أثرا واضحا للمنهج الإخواني وأدبياته.. وحضورا قويا لكتب الشيخ حسن البنا وللشهيد سيد قطب رحمهما الله والمودودي وحتى كتب الفقه السلفي والسيرة النبوية، فأكدت له انه ليس لدينا أي اتصال بأية جماعة، فتعجب لكنه لم يبد ذلك للحاضرين.. ولما عاد بعد العطلة الشتوية إلى جامعة قسنطينة اتصل بالشيخ عبد القادر بوخمخم وأخبره، فابتسم عبد القادر وقال له "لا تخف" وانزع كل الشكوك من بالك، فلما عاد إلى جيجل توطدت العلاقة بيننا أكثر فكان الالتحاق بجماعة الشرق بصفة رسمية في نهاية1978. نعود لمعركتكم مع الشيوعيين، ما هي أهم المعارك والأسلحة؟ في البداية، تحالفت جماعة الشرق مع بعض أفراد من جماعة التعريب سنة 1976، ضد تطرف الشيوعيين ولحماية الهوية الجزائرية والأخلاق العامة، بعدما سيطر الشيوعيون على الأحياء والتنظيمات الطلابية، عبر عرض مسرحيات تسيء إلى الإسلام وتمس ببعض مقدساته في النوادي الطلابية وفي بعض قاعات السينما. وقد وجدوا دعما داخليا من الإدارة الجزائرية يومها بالسكوت عليهم وغض الطرف عن نشاطاتهم المشبوهة، وخارجيا من طرف أجهزة مخابراتية سوفيتية على الخصوص. وقد اكتشفنا حقائق عن ذلك عندما اقتحمنا مكاتبهم التي كانت محصنة، في سنة 1980م في جامعة قسنطينة وفي حيي القصبة ونحاس نبيل ..وقد سلمت بعض تلك الوثائق للمسؤولين- سلمتها بنفسي شخصيا رفقة ثلاثة أفراد من طلبة تلك المرحلة للسيد الوالي ولقائد الناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة (خالد نزار). هل بإمكانكم ذكر تفاصيل الهجوم على الشيوعيين سنة 1980م؟ في تلك المرحلة قام الشيوعيون المتطرفون بعرض مسرحيتين مشؤومتين وهما "محمد أحمل حقيبتك.." و"أما آن لهذه الصواريخ أن تنطلق" ويقصد بها صوامع المساجد، وقد حدث ذلك انطلاقا من سنة 1977 _ 1980. وفي منتصف السنة الدراسية الجامعية لسنة 1980، قامت مجموعة من الطلبة بجامعة قسنطينة بالتحضير لهجوم مباغت ومتزامن ليشمل مختلف الأماكن التي يتواجد فيها الشيوعيون على أساس أن يسبق عملية البدء في عرض تلك المسرحيات المشار إليها أعلاه. وكان عدد الطلبة المكلفين بهذه المهمة لا يتعدى ثلاثة أو أربعة أفراد في كل موقع، لكن مع صيحات التكبير والتهليل خيّل لجميع الحاضرين كأن جيشا قد هاجمهم وحاصر مقراتهم مما أحدث هلعا كبيرا وفوضى عارمة وهروبا جماعيا، كأنها حرب قائمة انتصر فيها هؤلاء الإخوان.. دون أن ننسى ذلك الدور الكبير لجماعة المعربين يومها..ويعد ذلك الحراك الطلابي بمثابة الشرارة الأولى أو الحلقة الأولى في مسلسل الصراع بين التيار الإسلامي والتيار الشيوعي وأنشطته الهدامة. الشيوعيون كانوا يسخرون من المآذن ويقولون :أما آن لهذه الصواريخ أن تنطلق ثم تلاه التخطيط للاستيلاء كليا على مراكز نشاطاتهم "سي.في.او" وبذلك طرد الشيوعيون نهائيا من جامعتي قسنطينة وعنابة.. ثم من بوراوي بالحراش وبن عكنون ثم من المدرسة العليا للأساتذة بالقبة، وصولا إلى وهران بعد هزيمة نكراء لم يكونوا يتوقعونها ولا يزال ذلك الجيل من الطلاب يذكرونها إلى يومنا هذا. وقد كانت تلك بحق معركة كبيرة شارك فيها بالإضافة إلى الطلبة الجامعيين - منتمون وغير منتمين- دعاة وأئمة من مساجد الضواحي القريبة من جامعة قسنطينة.. فاحتلت ساحة بهو الجامعة المركزية لقسنطينة مباشرة بعد الفجر بواسطة عناصر كانت منظمة تنظيما محكما يصعب اختراقه ..وتعرف تماما ما تريد وكيف تحقق ذلك..وقد توزعت على شكل مجموعات على امتداد الشارع الرئيسي كل بمهمته المحددة التي لا يتجاوزها. فلما جاء الشيوعيون في الصباح وأرادوا الالتحاق بساحة الجامعة حيث توجد مقراتهم ومعداتهم.. فوجئوا بذلك الكم الهائل من الطلبة الذين منعوهم من الوصول إلى مبتغاهم، حيث أسر أغلبهم وتم نقله إلى القاعة رقم 63 التي خصصت لذلك. وعندما تم اقتحام مقراتهم وجدنا بها أشرطة ووثائق تثبت ارتباطهم بالمخابرات الروسية، ووسائل جنسية كانوا يستعملونها لترويج الفاحشة وصورا خليعة..إلخ، وقد أحصينا عدد الذين تم توقيفهم في تلك المعركة 69 عنصرا وزعوا على قاعتين، وأخضعوا للاستجواب والاستنطاق.. وأذكر أنه لما جاء عناصر الأمن حاولوا البحث عن المسؤولين فلم يجدوا مع من يتكلمون لأن كل واحد مهمته كانت محدودة لا يتجاوزها.. كانت مهمتي يومها الإشراف على الساحة المركزية للجامعة، بهدف التنسيق بين الطلاب وعامة شباب المدينة الذين جاؤوا لهذا الغرض.. فسألني بعض أفراد الأمن من المسؤول عن هذا الحراك الطلابي حتى نتحدث معه؟ فقلت لهم: "ليس هناك أي مسؤول..فهذا الذي ترون هو صراع ضد الشيوعيين الذين عاثوا في الأرض فسادا.. وإذا كنتم صادقين في خدمة الدولة الجزائرية فسنطلعكم على بعض الحقائق"، فوعدوني بذلك وقال أحدهم لا أعرف رتبته: "نعم نحن بحاجة لذلك".. وبعد نقاش قصير سألني أحدهم إن كان بوسعه كرجل أمن رؤية المعتقلين، فقال "قد بلغنا أنكم سجنتم بعض الأفراد منهم، وأنهم يتواجدون حاليا بالقاعة63، فهل يمكن زيارتها؟"..ترددت قليلا ثم وافقت على هذا الطلب.. لكن الطلبة المكلفين فهموا وبسرعة تلك الإشارة، فقاموا بالواجب ..فسرنا رويدا رويدا انطلاقا من ساحة الجامعة باتجاه موقع تلك القاعات.. وأثناء الطريق قالوا: "علينا بتفتيش المسجد لأنه وصلتنا معلومات تقول إنه بحوزتكم أسلحة داخل المسجد"..وقد ظهر على وجوه بعضهم شيء من الخوف والقلق .. فأخذناهم للمسجد فوجدوا إخوة يصلون وأخوات تقرأن القرآن. ثم توجهوا للقاعة 63 فلم يجدوا فيها أحدا.. وهكذا انتهى التمرد الشيوعي وتخلصت الجامعة الجزائرية من فساده كما تحرّرت بعض دوائر السلطة من ضغوطاته..