عبد الناصر عندما بزغت الصحوة الإسلامية في الجزائر ما بين أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، كان خطابها الإجتماعي بالأساس يحارب التقليد الأعمى الذي جعل الشاب الجزائري لا يرضى على هندامه، إلا إذا كان مطابقا لصور التقطها من الضفة الأخرى.. وكان هذا الخطاب يلقى تجاوبا واستحسانا وقبولا على الأقل بالقلب.. وذاك أضعف الإيمان، لأن الهوية الجزائرية كانت تذوب في تسريحة الشعر الإنجليزي والسروال الأمريكي والحذاء الإيطالي واللسان الفرنسي، بالرغم من أن هذا الخطاب الإجتماعي كان دائما مدعما بكتابات حسن البنا المصري وتوجيهات أبو الأعلى المودودي الباكستاني.. ولم تمر إلا بضع سنوات حتى سار الإسلاميون عندنا على الطريقة ذاتها في تقليد "الماركات" القادمة من حركات إسلامية من طريقة لبس أفغانية ولحية سعودية وزواج من البوسنيات، وحتى القيادات الإسلامية الجزائرية برغم ثراء التاريخ الجزائري المعاصر بالمفكرين الكبار من أمثال الشيخ بن باديس ومالك بن نبي والبشير الإبراهيمي تشبث كل واحد منها بنهج مفكر أو داعية أو فقيه إسلامي من غير الجزائر. فكان المرحوم محفوظ نحناح مفتونا بالمرحوم حسن البنا والشيخ علي بن حاج مهموما بفتاوى المرحوم ناصر الدين الألباني، وامتزجت الفرق والشيع الإسلامية في خليط لم يعط شيئا لحد الآن من إقليمية وإخوانية وسلفية كلها قادمة من مشارق الأرض وحتى من أقصى جنوب شرق آسيا.. وعندما اختارت بعض الجماعات النهج المسلح سمت نفسها بالتكفير والهجرة "المصرية" والسلفية "السعودية" والقاعدة "الأفغانية" وحتى ما يسمى بالإسلام المعتدل ينهل فقط من القادم من المشرق. إذ يبقى البوطي وعمرو خالد والقرضاوي وليس غيرهم من الجزائريين قدوة الكثير من شبابنا، وتتحمل السلطة عندنا والجامعات الإسلامية ووزارة الشؤون الدينية الكثير من المسؤولية، لأنها منذ الاستقلال عجزت عن صنع أو تدعيم عالم أو فقيه أو داعية جزائري واحد، بل عجزت حتى عن إنشاء دار للفتوى يلجأ إليها الجزائريون الذين يمثلون الزبون الأول لقنوات الفتاوى المشرقية والخليجية.. صحيح أن الإسلام دين شامل ونبيّه مبعوث للبشرية جمعاء وعلماءه من دون جنسيات، لكن أن ننقل معارك الفرق والشيع المشرقية والخليجية إلى مساجدنا ونقبر حتى مصاحفنا، فإن الأمر يدل على أننا نعيش فعلا إفلاسا اقتصاديا، سياسيا وتكنولوجيا.. وحتى دينيا!