يشنّ مثقفون خليجيون ودوائر صهيونية هذه الأيام، حملة شرسة مشترَكة على حركة حماس الفلسطينية، على خلفية قيامها بتعليق صور كبيرة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في شوارع غزة، بمناسبة الذكرى الأولى لاغتياله، فضلا عن تصريحات قيادييها وقياديين في حركة الجهاد عن دور سليماني في تسليح المقاومة بالصواريخ وتقنيات تصنيعها، ووصف صهاينةُ الاحتلالِ حركةَ حماس ب"الميليشيا الإيرانية في غزة"، أما صهاينةُ الخليج، من مثقفين وإعلاميين مأجورين، فادَّعوا أنّ ورقة التوت قد سقطت عن حماس وأنّ شعبيتها في البلدان العربية والإسلامية قد انهارت بسبب "التصاقها" بإيران وسوريا وحزب الله، وكأنّ هؤلاء المرتزقة الذين "تخصَّصوا" مؤخرا في تبييض الوجه الدموي للاحتلال وشنِّ حملات كراهيةٍ ضدّ الفلسطينيين، قد قاموا بعمليات سبر آراء في البلدان المذكورة وتوصّلوا إلى هذه النتيجة الغريبة، التي تُعدّ نتاج أمانيهم وأحقادهم وما تمليه عليهم أنظمتُهم المهروِلة، ولا علاقة لها بالواقع. إذا كان هناك طرفٌ سقطت عنه ورقةُ التوت، فهو الأنظمةُ التي طالما ادّعت بأنها تدعم فلسطين وتُعدّها "قضيَّتها المركزية الأولى"، قبل أن يُسقِط ترامب هذه الورقة ويُظهر حقيقتها العارية أمام شعوبها والعالم أجمع؛ فهي مجرَّد أنظمةٍ متآمرة عميلة منبطحة أقامها الاحتلالُ البريطاني قبل عقود لتفتيت الوطن العربي حتى لا تقوم له قائمة ويحمي الاحتلالُ الصهيوني عروشَها اليوم مقابل بيع القدس والأقصى والتحالف معه لتصفية القضية الفلسطينية، أمّا حماس فلم تكن تتغطى بورقة توتٍ حتى تسقط عنها اليوم؛ حماس كانت منذ البداية واضحة في منطلقاتها وأفكارها ومنهجها المقاوِم ولم تُخفِ يوما تحالفها مع إيران واعتمادَها الكلي عليها في تسليحها ومدّها بالصواريخ للدفاع عن غزة والصمود أمام جيش العدوّ خلال حروبه عليها، بعد أن يئست تماما من إمكانية الحصول أيّ دعمٍ عسكري عربي، فجلُّ الدول العربية ترفض دعمها ببندقيةٍ واحدة خوفا من أمريكا، قبل أن ينتقل بعضُها في الأشهر الأخيرة من الخذلان إلى التخندُق العلني مع الاحتلال والتطبيع معه ودعمِه في مساعيه لشيْطنة المقاومة وتنفير الشعوب العربية والإسلامية منها. خلال الثورة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي، لم تكترث قيادة الثورة بديانات الدول التي قبلت مدَّها بالسلاح والمال والدعم الدبلوماسي والإعلامي، لم تقل هذه القيادة قطّ إنها ترفض الأسلحة من الصين لأنها دولة بوذية أو الاتحادِ السوفيتي ويوغسلافيا وأوربا الشرقية لأنها بلدانٌ مسيحية أو شيوعية ملحِدة، بل تعاملت مع الجميع وقبلت دعمه بغضّ النظر عن ديانته وطائفته إلى أن حققت انتصارا تاريخيا على الاستعمار الفرنسي. اليوم نسمع أناسا مسكونين بالطائفية المقيتة يعيِّرون المقاومة الفلسطينية السُّنية بالاعتماد على إيران الشيعية في تسليحها، وهم الأجدر بأن يُعيَّروا بتجنيد أقلامهم المسمومة لتسويق أجندة الكيان الصهيوني العنصري وتبرير تحالف أنظمتهم العميلة معه. إنها المعايير حينما تتبدّل!