سياسة الرئيس جو بايدن لم تكشف عن كل أوراقها بعد، رغم ما لاح في الأفق عن بعض مضامينها، معتمدا ما يعرف ب"دبلوماسية الإصرار والقوة"، وإبداء شيء من المرونة في معالجة الملفات المعقدة عالميا. انقلب على قرارات سلفه الرئيس دونالد ترامب، وألغى بعضها، عائدا بالولايات المتحدةالأمريكية إلى حقبة الرئيس السابق باراك أوباما، التي أدارها وفق برامجه ورؤاه، مثيرا خوف وقلق وترقب دول الشرق الأوسط. جمع جو بايدن مجلس الأمن القومي، في أول اجتماع له حول الأوضاع في الشرق الأوسط، وهو لا يشكل أولوية في برنامجه الرئاسي، الذي يركز على إحياء العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، وأعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" وإدارة الصراع التقليدي مع روسيا والصين. سياسة راهنة تنقلب على سياسة سبقتها، وتفند مصداقيتها، وتضعها في ميزان الرؤيا القاصرة، التي عطلت مسيرة الحضارة الأمريكية وعزلتها عن أقرب حلفائها، في مشهد يشبه مشهد انقلاب عسكري في دولة من دول العالم الثالث، يهد أركان ورموز النظام القائم، مبشرا بنظام عادل قوي جديد. منذ الحرب العالمية الثانية، والشرق الأوسط، ساحة عبث للسياسة الأمريكية، بديلا عن سياسة الاستعمار الأوروبي، حروب وانقلابات وحصار وابتزاز، في ساحة هي الأضعف في جغرافيا تحركها الخارجي، والعالم العربي ضحية عبثها الأكبر وورقة مساومة متحركة في صراعاتها العالمية والإقليمية. وقائع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، أظهرت قوة تدميرية عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أعادت دولا عربية إلى القرون الوسطى، وتخبط وتناقض في عهدات رئاسية متعاقبة، جورج بوش "الأب" يعلن عن نظام عالمي جديد، تلعب فيه واشنطن دورا رئيسيا في المنطقة، ويأتي بيل كلينتون محركا الصراع "العربي – الإسرائيلي" في اتفاقية أوسلو التي جرت منظمة التحرير الفلسطينية إلى سلطة ذاتية تحيط بها المستوطنات، دون تنفيذ بنودها، ثم يركب جورج بوش الابن مركبة من الأكاذيب والادعاءات التي لا تليق بدولة عظمى في تدمير العراق معتمدا على أكثر الأدوات شرا ونفاقا دون أن يكسب شيئا مقدما انتصار غزوته غنيمة كبرى لإيران، ويتخبط باراك أوباما في مأزق ورثه من سابقيه، يسعى للخروج منه بتأهيل دور قوى إقليمية لفرض هيمنتها على أكثر المناطق استراتيجية في الشرق الأوسط، فيغادر ويترك أمريكا والأمن الإقليمي في مأزق أعظم، دعا دونالد ترامب الرئيس المثير للجدل إلى إعلان انسلاخه كليا من النظام العالمي الجديد، ورفع شعار: "أمريكا أولا". هذه صفحات من سياسات أمريكا في الشرق الأوسط، استراتيجية بلا ثوابت، نتائجها غير المحسوبة في عقل إدارة حاكمة كوارث ومصائب، أضحت واقعا حيا لصراع وجود مرير لا آفاق لحسمه في زمن آت، فأي جديد ينتظر من إدارة جو بايدن العائد إلى البيت الأبيض؟ إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018، ملف لا يقبل التأجيل، وضعه جو بايدن بين يديه، مفاوضاته طويلة ومعقدة، قد تدعوه إلى إشهار العراق واليمن ولبنان أوراق مساومة تختصر الطريق إلى تحقيق مكسب سياسي آني، في شرق أوسط لن يرى الاستقرار في ظل تخبط العقل الأمريكي النازع إلى تكريس بؤر التوتر والصراع، واستلاب الحق العربي في كل مكان.