تفاجأ مؤخرا العديد من أولياء التلاميذ من ارتفاع أسعار الكتب المدرسية المعروضة للبيع على الأرصفة بالأسواق الشعبية، بعدما كانت هذه الأخيرة الملاذ الوحيد للمواطنين ذوي الدخل المحدود، وما زاد الطين بله أن أسعارها فاقت الأسعار الرسمية. فخلال جولتنا بالعديد من الأسواق الشعبية بالجزائر العاصمة، وجدنا أن أسعار الكتب المدرسية ملتهبة مقارنة بالسعر الأصلي الذي حدده ديوان المطبوعات المدرسية ونادرا ما تكون بأسعار معقولة عندما تخص الكتب المستعملة التي يعيد الأطفال بيعها. هذه الملاحظة جعلتنا نتساءل عن المكان الذي يجلب منه هؤلاء الباعة الكتب الجديدة وعن الفائدة من بيعها بأسعار أغلى من المدرسة. ومن حديثنا مع بعض الباعة بسوق بومعطي بالحراش الذي يكثر فيه بيع الكتب الجديدة التي لم تستعمل، أشار أحدهم إلى أنه لا يمتثل للأسعار الرسمية، فمثلا الكتاب الذي كتب على غلافه مبلغ 160 دج يبيعه ب200 دينار جزائري والكتب التي تبلغ قيمتها 200 دينار تباع ب240 دج.. استغربنا لذلك وأخبرناه بأنه أغلى من السعر الأصلي، وأن التلميذ لو اشتراه من المدرسة لكان أفضل من السوق، فأجابنا هذا البائع "الكتب المدرسية نادرة وان وجدها في المدرسة فليشتري.. " وهو الأمر الذي أجمع عليه أغلبية باعة الكتب في السوق الشعبي ببومعطي، حيث أسرّ لنا احدهم – دون أن يعلم هويتنا - بأن مصدر هذه الكتب الغالية الثمن والجديدة في نفس الوقت هو من المدارس، حيث يلجأ العديد من المدراء إلى بيعها بالسوق السوداء للباعة الذين يتكفلون بعملية بيعها بالأسواق للمواطنين وهكذا يقومون برفع الأسعار لجني الفائدة لان المبلغ الأصلي يرجع للمدراء أو من قام بتسريبها من المدرسة أيا كانت هويته ومنصبه بالمؤسسة التربوية.. هذه الحقيقة التي أسرها لنا بعض التجار وأخفاها عنا البعض الآخر بقولهم هذا سر المهنة، تكشف حقيقة الأزمة التي وقعت فيها المؤسسات التربوية العام الماضي والمتمثلة في ندرة الكتب المدرسية ونفاذها قبل توزيعها على التلاميذ مما أحدث خللا على مستوى المدارس واستياء كبيرا وسط أولياء التلاميذ الذين اضطر أبنائهم إلى الدراسة بدون كتب طيلة العام الدراسي. وبسبب الخوف من تكرار الأزمة فإن أولياء التلاميذ وجدوا أنفسهم هذا العام بين خيارين أحلاهما مر، فإما أن يشتروا من الأسواق بأسعار باهضة أو الانتظار إلى غاية الافتتاح الرسمي للمدرسة لاقتناء الكتب منها والتي قد تنفذ قبل شرائها، فيجد نفسه يدرس بدون كتاب. هذا الخوف لمسناه عند العديد من أولياء التلاميذ الذين التقيناهم بسوق بومعطي بالحراش حيث كانت إحدى السيدات بصدد مساومة البائع في كتاب اللغة العربية للسنة الخامسة الذي عرضه للبيع بمبلغ 200 دج وأرادت السيدة أن تقتنيه بمبلغ اقل لأنه قديم نوعا ما غير انه رفض وأكد لها بان الكتاب جديد وأنها لن تجده متوفرا في المدرسة بعد مدة. وهكذا فإن معظم الأولياء الذين قصدوا شراء الكتب من السوق أبدوا لنا استيائهم من غلاء الأثمان غير أنهم مضطرين للشراء مخافة أن تنفذ الكتب ويبقوا معلقين مثلما حدث السنة الماضية. وقد دفع هذا الهاجس بباعة الكتب بالأسواق الشعبية إلى البيع بأسعار غالية، فالعديد من الباعة الذين سألناهم عن هاته الأخيرة التي لا تتوافق مع الدخل الضئيل للمواطنين ردوا علينا قائلين " فليشتروا من المدرسة إن لم يعجبهم الثمن .. هذا إذا وجدوا أصلا الكتب لأنها نادرة". وعندما أخبرناهم بأن وزير التربية أكد انه سيضمن وفرة الكتاب المدرسي هذا العام لكل التلاميذ أجابنا احد الباعة باستهزاء "شدوا في الريح.. " وكأنه متأكد من أن هذا لن يحصل. وفي المقابل، يتوفر السوق على بعض الكتب المستعملة التي يبيعها أصحابها بعد انتهاء العام الدراسي، حيث تكون اقل سعرا وفي متناول الجميع. وهذا ما لاحظناه بالسوق الشعبي بباش جراح، حيث استبشر المواطنون الذين التقيناهم خيرا وأبدوا لنا رضاهم على الأسعار المطروحة غير أن المشكل المطروح هو عدم توفر جميع الكتب. وهكذا يبقى المواطن الجزائري الضعيف الدخل هو الضحية الوحيدة لأزمة الندرة التي استغلها الباعة الفوضويون وخلفتها سياسة المدراء من خلال تهريبهم للكتب لبيعها بالسوق السوداء. إلهام بوثلجي