أثناء تواجدي بروما، وفي مناقشة مع بعض النواب من البرلمان الإيطالي، قال لي أحدهم مقولة مشهورة لديهم وهو أن في إيطاليا وجود حكومة جيد وعدم وجودها أحسن، ولعل هذه المقولة يمكن إسقاطها على الجزائر مع قياس بالفارق للعديد من الاعتبارات، أهمها الإحساس بشيخوخة الحكومة وفقدانها للمبادرة والحيوية، وانعدام روح الابتكار لحل المشاكل اليومية للعديد من الأفراد والمواطنين. فيوميا تطلعنا الصحف عن تضارب الأرقام والأعداد، فكل وزير يلمع قطاعه ولو على حساب القطاعات الأخرى، فالتضامن الوزاري المتعارف عليه في مختلف حكومات الدول المقارنة يجب نسيانه في الحكومة الحالية، كما أن التحفظ وفق الواجبات ومقتضيات المنصب منعدم أصلا لدى الوزراء، لذلك أحيانا قد يسأل المواطن البسيط عن سبب تكرار تقييم مخاطر الجزائر أحيانا في أدنى مستوياتها، وينسى البعض أن كل كلمة يلفظها معاليه تدخل في مزاد الجرح والتعديل وتكون مرجعا للتقييم من طرف الغير للمخاطر الجزائرية نحو الأسوأ.وبالرجوع للعمل اليومي للوزراء، قد نلاحظ وعلى المباشر غسيلا للأوساخ على الساحة العمومية بين مختلف أعضائها، وقد وصل أحيانا الغسيل حتى في التشكيك ببعض المنجزات والأرقام، والمضحك في ذلك أحيانا تكرار الوعود الكاذبة لبعض العمليات الإنسانية، أو يتم بتدشين إنجازات كم من مرة بدون مراعاة لأدنى أخلاقيات الوظيفة.فالأخطاء قد تتكرر والسكون هو سيد الموقف، وذلك يدخل شكا قاتلا لعقولنا حول ما جدوى وجود فريق حكومي غير منسجم وغير متجانس مهنيا، وذلك ليس افتراء بقدر ما هو حقيقة مطلقة تطلعنا عليه الصحف اليومية.فالتجديد أصبح حتمية وضرورة لإعطاء نفس جديد في ظل الاختناق والاختلال الوظيفي وبطء سير الوتيرة الحكومية والإخفاقات المشاريعية، وما دمنا نتكلم عن التجديد والتحديث فيجب (تحديث) الوظيفة الوزارية في ظل التكلم عن التعديل الدستوري المرتقب من خلال التجديد الدقيق للمهام الوظيفية والتنظيمية لرئيس الحكومة أو الوزير الأول وعلاقته مع رئيس الجمهورية وغيرها من المؤسسات الدستورية الأخرى (البرلمان مثلا)، كما أنه يرجى، كاقتراح، تحديد وحصر عدد الوزارات كما هو معمول به في العديد من الأنظمة الدستورية المقارنة، وذلك حسب اعتقادي قد يساهم بقدر كبير في ترشيد النفقات العامة.ولن تتم إعادة تفعيل الوظيفة الوزارية إلا من خلال تقوية المؤسسة الوزارية وجعلها أكثر شفافة في تعاملها، لذلك يجب التنبيه إلى أن أي إصلاح دستوري قد يكون معدوم الآثار أو أصلا غير موجود ( caduque ) إن لم يتبعه استثمار حقيقي في الرجال، فالدستور ومواده والقوانين الجيدة لا تصنع الربيع، فالجو والبيئة ملازمان وضرورة لاكتمال الفصل، والبيئة المقصود بها نشر ثقافة رجال دولة ويجب أن تكون السائدة، لدى وزرائنا والخدمة العمومية هي الهدف الأساسي والمستمر، بعيدا عن الخدمة الاستعراضية أو المناسبتية، والواقع الجزائري اليومي قد يكذب هذه الأبجديات، فيوميا الصورة الارتجالية في اتخاذ بعض القرارات الوزارية عاكسة للحقيقة غير المرضية، وبعض البلدان في المقابل قد نجحت ووفقت في اختيار "حكوماتها" والسبب في ذلك هو امتلاكها لتصور واضح للعمل المستقبلي وقدرتها على تجسيده على أرض الواقع فوريا أو مرحليا، وذلك سر نجاح العديد من الدول التي كانت بالأمس القريب لا يذكر لها شأن، واليوم أصبحت من الحكومات المؤثرة على الساحة العالمية.ومن مؤشرات التردي كذلك، ومعذرة عن هذه الكلمة، هو انتقال الوزير من المهام الحزبية للمهام الوزارية، ليس بعقلية رجل الدولة ولكن بعباءته الحزبية، فبدلا من أن تصبح وزارته رافدا للدولة الجزائرية، يصبح قطاعه أحيانا مقرا غير رسمي للنشاط الحزبي باستبعاد الكفاءة على حساب التوجه الحزبي "وتقريب الولاء " على حساب المردودية والنجاعة، وعليه ولتفادي ذلك، يجب إلزام مختلف "القطاعات" الوزارية بدفتر شروط، وتكون عقلية القطاع الخاص سائدة لدى وزرائنا من استثمار وربح وتحقيق فائض في الانجازات. أمام ما تقدم، قد يلاحظ أن وجود حكومة من عدمه قد لا يؤخر ولا يفيد شيئا، وفي الأخير قد نتساءل ماذا نريد من وجود حكومة قوية، بالإجابة على هذا التساؤل قد نذلل العديد من المصاعب، والقوة المقصودة هنا قوة الانسجام وقوة الأفراد. كما أن الحكومة القوية ستعيد الآمال وترجع الهبة المفقودة لمؤسساتنا، فالعديد من رجالاتنا قد يعمل بعقلية "حب التظاهر" وإن كان ذلك عملا مشروعا ورغبة عادلة، ووزراؤنا في حالة مردودية قطاعه، وتأثيره الملموس ولكن الواقع اليومي شيء آخر، فالمؤسسات الخدماتية حدث عنها ولا حرج، والموارد الاستهلاكية في غلاء متزايد، والصحة لم يبق فيها إلا صحة الوجه، والتعليم في مختلف مراحله في تيه سواء تيه مرجعي منه أو مؤسساتي، وثقافة الواجهة على حساب ثقافة الممارسة والسلوك، والرياضة في انكماش.. فالسقم منتشر في جميع القطاعات الوزارية.. فأصبحت "الموضة" المنتشرة لدى وزرائنا وهو رفع الصوت ونبرة الصراخ من الوزير على موظفي قطاعه على المباشر أثناء التدشين أو الزيارات التفقدية، هو معيار لنجاح الوزير، اقتداء بمقولة الناس على دين ملوكهم.. فهذه السمات قد تدفعني لقناعة وهي ما جدوى من وجود حكومة، فحان الوقت للاستفاقة... فما يدوم في الأخير إلا "الصح" و"العمل الجاد" فقد تستطيع أن تكذب اليوم.. ولكن حتما لا تستطيع أن تكذب طوال الدهر.. والفاهم يفهم.