قصة معاناة خلقت رجلا.. فقر مدقع صنع إنسانا.. رحلة كفاح كللت بالنجاح، تلك المعاني تجسد مشوار »دريد لحام« مع الفن والسياسة والحياة، فمن عمق المجتمع العربي الفقير خرج »لحام« شاقًّا طريقا كله مآس وأوجاع، حاملا فوق كتفيه هموم ومشاكل الشعب والأمة العربية، وخلال الرحلة التي قاربت النصف قرن من الزمان، سطر دريد لحام حروفا من ذهب في سجل الفن العربي، ولايزال يحلم بالمشروع الوطني الكبير الذي يجمعه بالنجم المصري »عادل إمام«. »الشروق« نجحت في اختراق الحواجز لتصل إلى هذا الفنان القدير في عقر داره بدمشق، وهناك فتح الرجل أبواب قلبه على مصراعيها لقراء »الشروق«. * بدأت حواري مع دريد لحام بسؤاله: بعد هذا المشوار الطويل تبدو منزعجا وفاقدا للأمل ترى ما السبب؟! إنه فيلم »وطن في السماء« الذي أسعى لتقديمه مع الفنان المصري »عادل إمام« والذي من خلاله نجسد حلم الوطني العربي المشترك الذي تمنى الملايين من العرب تحقيقه لكن للأسف يبدو أن الأمر سيظل حلما في السماء. * وماهي العقبات التي تعوق هذا المشروع؟! على ما يبدو أنها مشاكل سياسية، فالفيلم متعلق بالأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ويجسد العمل حصاد خبرة السنين، ويقدم الحل الأمثل للوحدة العربية، كما أنه جريء بدرجة تزعج الكثير من الأنظمة العربية، وبالتالي هناك حروب شتى وعلى أعلى المستويات من أجل إجهاض العمل وعدم خروجه للنور. * مشوارك الفني مكلل بالأعمال الوطنية، ورغم ذلك لم تحقق الحلم المنشود، فلماذا تعول على فيلم »وطن في السماء«؟! - الأعمال السابقة هي القاعدة التي تقوم عليها أساسات »وطن في السماء« وإذا كانت الظروف القاسية التي عاشتها الأمة في العقود الماضية وما صاحبها من هزائم وانكسارات قد حالت دون تحقيق الحلم المنشود، فإن الوضع الحالي يبشر بالخير، بعد أن كسرت المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان شوكة العدو، فالأمة مقبلة على حقبة من الانتصارات تغسل بها عار الهزيمة، لكن هذه الانتصارات لن تكون حاسمة إلا من خلال الوحدة، والفن لديه الآن فرصة ذهبية لشحذ الجماهير واستشارة هممهم. * في نظرك من هو العدو؟! المحتل سواء العسكري الصهيوني والأمريكي والبريطاني، أو الاقتصادي الأوروبي، أو السياسي الذي تمثله بعض الأنظمة العربية الظالمة أو العميلة أو الخائنة، فكل هؤلاء جاثمين على صدر الأمة، ويحولون دون وحدتها ورفعتها. * ألا ترى أن المواطن العربي الفقير، المكسور، المضطهد، عاجز عن مقاومة هذا العدد الكبير من الأعداء؟! إطلاقا، فهذا المواطن بتاريخه وشجاعته المعهودة وإيمانه، قادر على تحريك النجوم من مواقعها، وإخراج الكواكب عن مدارها، فقط يحتاج من يرسم له طريق الحرية والانتفاضة. * وهل الفن قادر على خلق هذه الحالة من التمرد؟! يكفي أن يسمع الجميع كلمة »لا« وأن يؤمن الجميع بها، فما ينقصنا هو الجرأة والتمسك بالحقوق، ومقاومة الظلم بكل أشكاله. * تعد أكثر الفنانين تأييدا للمقاومة اللبنانية، ألم تخفْ من عواقب ذلك؟! أخاف على ماذا أو من ماذا، على نجوميتي في البلدان التي تعادي المقاومة، أم خوفا من الصهاينة والغرب؟! أنا لا أعير وزنا للأعداء... ولا يهمني أية ألقاب. فأنا مواطن عربي مقاوم وسأظل في صف المقاومة أينما ثقفت. * أيصل ذلك حد رفعك لراية حزب الله؟! هذا شرف عظيم يتمناه أي إنسان حر أبي في العالم، فتلك راية الصمود والشموخ والبطولة، في زمن الخنوع والانكسار والعمالة، والأكثر من ذلك أنني أتمنى أن أحمل سلاح حماس أو حزب الله في وجه الأعداء الصهاينة، وأتمنى بصدق الشهادة في سبيل الله. * قصة حياتك مليئة بالعبر، فهل لنا أن نتذكرها معك؟! أنا ولدت في دمشق عام 1934 لأب سوري وأم لبنانية، وكان ترتيبي التاسع بين عشرة أطفال، وكانت هذه الأسرة تعاني من الفقر المدقع، وهذه الأسرة الكبيرة كانت تسكن في غرفة واحدة فكانت تلك الغرفة من أكثر بقاع العالم كثافة سكانية، هذا إضافة للسقف الذي كان مصفاة للأمطار التي نتلقاها في الداخل بالأواني، لكن رغم الفقر والجوع كنا نشعر بالسعادة الحقيقية التي يفتقدها البشر الآن. * وكيف كنت تتعامل مع هذا الفقر؟! في طفولتي مارست الكثير من المهن مثل الحدادة والحياكة وكي الملابس، وكنت أيضا بائعا جوالا في الطرقات، كل ذلك حين كنت في المرحلة الابتدائية، فتعلمت من صغري الكفاح، وكنت أول من نال شهادة المتوسط في الأسرة، ثم التحقت بالثانوية، وكان جميع أفراد العائلة يعملون من أجل تعليمي، لما لمسوه عندي من تفوق دراسي. وفي الجامعة كنت أرتدي الملابس القديمة المستعملة (الشيفون). * أين الفن في خضم هذه الأحداث؟! أثناء دراستي للكيمياء في الجامعة، لم أكن أعشق سوى الفن، حتى جاءتني الفرصة الأولى على مسرح الجامعة، حينما جسدت دور فتاة أستشهد والدها في فلسطين. * التمرد الفني والكوميديا الساخرة، كيف استوحيت هذين اللونين الجديدين على الفن العربي في الستينيات من القرن الماضي؟ كان ذلك من خلال شخصية »غوار« التي جعلتها تمس النبض اليومي للحياة في الشارع العربي، ومن هذا الدور كانت الانطلاقة نحو الأعمال التي تناقش أحلام وهموم المواطن العربي، مثل مسلسل »صح النوم« »حمام الهنا«، »مقالب غوار«، وأفلام »عقد اللؤلؤ«، »الرجل المناسب« و»الثعلب«. * لماذا انتهجت أسلوب تعرية النظم العربية على خشبة المسرح؟! لأن المسرح هو أب الفنون، ومن السهل أن يصنع الفنان المسرح السياسي الانتقادي، ومن خلاله كشفت لعب وحيل الأنظمة ووجهت سهاما نافذة لمسؤولي السلطة والمخابرات في البلدان العربية، فالمسرح هو الباحة الحقيقية للصراع من أجل الحرية لما يمتاز به من تواصل بين الفنان والجمهور. * من الأمور المثيرة للجدل استقالتك من المنصب الأممي... ترى ماهي الأسباب؟! في عام 1997 تم تنصيبي من قبل اليونيسيف سفير للنوايا الحسنة في مجال رعاية الطفل، إلا أن المسؤولين في تلك الهيئة ساوموني على عروبتي، وحاولوا توريطي في تزوير الحقائق، كانوا يريدون مني أن أدين الطفل الفلسطيني الذي يرفع حجرا في وجه الآلة العسكرية الصهيونية، فوقفت عند بوابة فاطمة في جنوب لبنان أرشق بالحجارة الجنود الصهاينة، وهنا وضعوني في خيار بين عملي الدبلوماسي وموقفي الوطني، فقدمت استقالتي وسلمت جواز سفري الدبلوماسي، وقررت أن أكون مقاوما عربيا إلى الأبد، فما كان منهم إلا أن اتهموني بأني »داعم للإرهاب«. * بين أقاويلهم وأفعالك... كيف ترى نفسك؟! مواطن عربي عاشق لأرضه، مخلص لأمته، مناضل حتى آخر نفس من أجل القضايا العربية، ولن يهنأ بالي حتى أرى المحتل يخرج مهزوما مدحورا من الأراضي العربية، وأعتقد أن هذا اليوم بات وشيكا. حاوره بدمشق: ق. و