عبد الناصر حتى تركيا التي ارتمت في أحضان الغرب فناءت بجانبها عن الشرق الذي منحها العصمة في عهد الخلافة العثمانية ومنحت أمريكا قواعد عسكرية وسياسية وحتى اجتماعية، وعقدت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لا تزول بزوال الرؤساء، وأغمضت عينيها في كل الحروب العربية الإسرائيلية من 1948 إلى العدوان الأخير على لبنان، وكأن الأمر لا يعنيها، وصمت أذنيها أمام دوي العويل لدى جارها الجنوبي التاريخي العراق.. حتى هذه الدولة الإسلامية التي رفضت الشمس التي شرقت عليها من الشرق وغرّبتها لأجل أمريكا، وصلها الآن الدور لتدخل بيت الطاعة وتنال من السوط الذي لا يحلو له الجلد إلا على ظهور المسلمين مهما كانت مذاهبهم. فالحدث العالمي المأسوي لا يمكنه الآن سوى أن يصطبغ بالألوان الإسلامية المترامية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فبعد تصوير إيران كنازية جديدة تريد ابتلاع العالم، وبعد التعريج نحو باكستان للقول بأن الإسلام أينما كان كانت الفوضى، جاء الدور الآن على تركيا لتقدمها أمريكا للعالم كما تشاء، فبرغم الصورة الناصعة لفريق أردوغان إلا أن الغرب لم يجد غير النبش في التاريخ واستخراج أحداث الأرمن في رسالة تقول للعالم بأن أردوغان وغول يحملان كروموزومات إرهابية قادرة للانبعاث من جديد. أمريكا الدولة التي لا تعترف بالتاريخ لأنها فاقدة لهذا (الشيء الثمين) لا تحفظ منه في الوقت الراهن سوى حادثتين أسمتهما على مقاسها السياسي والاستراتيجي، وهما (مأساة) الهولوكوست و"مجازر" الأرمن.. وبالتاريخ تحاول رسم جغرافيا جديدة تجعل فيها اسرائيل وحدها قريبة من القلب الامريكي، أما بقية الدول الاسلامية فهي تحت القدم الامريكي تداس جميعا حسب الترتيب الزمني الذي حددته أمريكا التي استعملت الوهابيين السلفيين لضرب الشيوعية وانقلبت عليهم، واستعملت الشيعة لضرب السنة وانقلبت عليهم، واستعملت الأتاتوركيين لضرب العثمانيين وانقلبت عليهم، فبالنسبة إليها الكل سواء ما داموا مسلمين فإذا كان الثابت أن اليهود والنصارى لن يرضوا عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم فإن الأمريكا لن يرضوا عنا ولو اتبعنا ملتهم.. التي نتبعها الآن صاغرين.