تقول الحكمة : إذا قدّر للشرق والغرب أن يلتقيا فإن ذلك سيكون تحت سماء تركيا. فتركيا بموقعها الجغرافي بين أوروبا وآسيا، يمكن أن تكون همزة وصل بين الحضارات، ومن الناحية التاريخية كانت لتركيا " خلافة " على العالم الإسلامي في عهد الدولة العثمانية، وكانت تذود عن كثير من بلاد العالم الإسلامي أمام هجمات الإفرنج من إسبانيا والبرتغال وغيرهما، وتاريخيا أيضا ومنذ عام 1924 أعلنت تركيا بوضوح عن توجه جديد هو توجه علماني قام به مصطفى كمال أتاتورك بهدف الإنضمام إلى أوروبا كسبيل بالنسبة إليه للنهوض والرقي. وفي وقت لاحق أصبحت تركيا تتحرك في كل الإتجاهات قصد الإنضمام لهياكل الإتحاد الأوروبي ، لكنها كانت دائما عرضة للفيتو الفرنسي تحديدا، وخاصة مؤخرا مع الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، الذي بادر بإنشاء الإتحاد من أجل المتوسط لكي يغلق الباب نهائيا عن طوح تركيا في الإنضمام لأوروبا. وجاء العدوان الصهيوني على غزة، لتبرز تركيا بقوة موقفها السياسي المدين بقوة للعدوان، والمتعاطف إلى أقصى الحدود مع الشعب الفلسطيني في غزة، وقام رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان بجولات دبلوماسية " لصالح غزة " وأطلق تصريحات ضد إسرائيل بسبب جرائم الحرب . وجاء ذلك في وقت عجزت فيه الدول العربية عن عقد قمة عربية طارئة ، حتى قيل : " أن أردوغان أصبح عربيا أكثر من العرب " . وفي مؤتمر دافوس المنظم بسويسرا مؤخرا غادر رئيس الوزراء التركي ندوة كان ينشطها مع رئيس إسرائيل شيمون بيريز بسبب عدم منحه الوقت الكافي للتعقيب على رئيس إسرائيل بخصوص أفكاره حول العدوان على غزة، فقد منح 12 دقيقة مقابل نحو 25 دقيقة لبيريز، وهو وقت لم يهضمه أردوغان. ولشعوره بأن ذلك إهانة لتركيا التي قيل بشأنها إذا قدر للشرق والغرب أن يلتقيا فإن ذلك سيكون تحت سمائها، بادر بمغادرة القاعة. واستقبل في اسطنبول استقبال الأبطال. بينما هاتفه بيريز يطلب الإعتذار. إن بعض الحكام العرب يستقبلون الصهاينة بالعناق والتقبيل رغم أن دماء الشهداء في فلسطين من غزة إلى الضفة الغربية تكون لم تجف بعد، ولأول مرة وأمام كاميرات العالم يتخذ رد فعل كهذا تجاه إسرائيل المدللة في الغرب وفي دافوس. لقد أكد أردوغان الحكمة القائلة : من يهن يسهل الهوان عليه. فإسرائيل تصف كل من يخالفها الرأي خاصة بخصوص الهولوكست ومراجعة التاريخ وغيرها بأنه معاد للسامية، فكيف لم تفعل كذلك مع أردوغان وبادرت للإعتذار منه ؟ بدون شك أن تركيا دولة لها هامش كبير من الحركة والحرية واللعب على خشبة المسرح الدولي، فرغم أن للجيش التركي العلماني سلطة قوية في القرار التركي، فإن الرئيس المسنود بشعبية كبيرة صحيحة وغير مزورة يستطيع أن يقول ما قال عن إسرائيل ويستطيع أن يترك بيريز جالسا لوحدة ويغادر القاعة بدون رجعة. وليس مستبعدا أن تركيا تكون قد أرسلت رسالة للغرب، فهي لا تريد لا الإتحاد الأوروبي ولا أمريكا، إنها تريد عمقها الإستراتيجي ، وقد حولت البوصلة تجاهه. فشكرا لأردوغان ، لقد جعل العالم يشعر أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب فعلا، ولو لم يكن كذلك لما تجرأت تركيا على فعل ما فعلت. وشكرا لأردوغان إنه ينوب عنا نحن العرب .. مثلما ناب عنا شافيز ، ورئيس بوليفيا .. فحاكمنا أعجز عن فعل ما فعلوا هؤلاء جميعا .